أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (227) عيوننا إلى حيث تشرق الشمس

حامد اغبارية

“نحن الذين أطلقنا أول رصاصة في ثورة الشعب الفلسطيني.. وليس من حق أحد أن يزاود علينا”..!!

بهذه السمفونية المشروخة يخرج رجالات سلطة دايتون وأزلامها على الشاشات لتبرير ما تمارسه سلطتهم منذ أيام في مخيم جنين، وهو نموذج مصغّر لممارساتها الدموية منذ أن استحضر سحرةُ فرعون روحَها من بين الأموات عام 1993، وأحضروها تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي عام 1994 لتواصل “إطلاق رصاص الثورة” على صدور أبناء الثورة…

منذ أن حطت مروحية ياسر عرفات على أرض غزة في تموز 1994، بدأت مرحلة جديدة من عذابات الشعب الفلسطيني، وهذه المرة بِأيدي أبنائه، وما يزال يعاني من ظلم ذوي القربى لغاية هذه اللحظة.
لقد حطت مروحية عرفات يومها في مدينة غزة، ومن هناك – يا سبحان الله- توجّه إلى مخيم جباليا، الذي انطلقت منه شرارة الانتفاضة الأولى، وهو المخيم الذي يعمل الاحتلال الإسرائيلي اليوم على إخلائه من أهله ومسحه من على وجه الأرض!! فسبحان الله رب العرش العظيم….

نعم، ربما كانت حركة “فتح” هي التي أطلقت شرارة ثورة الشعب الفلسطيني، بعد النكبة، ربما…. وألف ربما..

ونعلم أن هذه الحركة كان فيها، وما يزال، شرفاء كُثر قدموا دماءهم وأرواحهم من أجل قضية شعبهم.

نعلم هذا، ونعلم أن منهم من قضى في حوادث مريبة لأنهم “زوّدوها شوية” يوم رفضوا السير في التلم الأمريكي-الإسرائيلي. كما نعلم بكل تأكيد أن سلطة أوسلو ليس سوى السكين التي وَجهت بها قوى الشرّ الدولية طعنة دامية في خاصرة الشعب الفلسطيني، قبل أن تكون في خاصرة حركة “فتح”. ونعلم يقينا أن شرفاء فتح اليوم، وهم أبناء الانتفاضتين الأولى والثانية، من الذين لم يتلوثوا بالقدوم إلى الوطن بتأشيرة إسرائيلية -أمريكية، يرفضون ممارسات السلطة سابقا وحاليا، وأن منهم من تعرض ويتعرض لبطشها، وتسفك دماؤهم على مذبح التنسيق الأمني.

إن أبناء الشعب الفلسطيني؛ كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، حيّهم وميّتهم، حتى الجنين في بطن أمه، يعرفون أن منظمة التحرير الفلسطينية لم ينتخبوها بأنفسهم، ومع ذلك رضوا بالهمّ، لكن الهمّ لم يرض بهم.

ويعلمون أنهم لم ينتخبوا ياسر عرفات -ناهيك عن محمود عباس- رئيسا للمنظمة ولا رئيسا لهم. ومع ذلك رضوا بالهمّ لكن الهمّ لم يرض بهم. ويعرفون أن سلطة دايتون اختارها لهم الاحتلال الإسرائيلي- الأمريكي، ولم يختاروها بأنفسهم وإنما فُرضت عليهم بقوة الحديد والنار. ومع ذلك قالوا: نمنحها فرصة لعل وعسى.

فلربما أن السلطة ستحقق ما لم تحققه “الطلقة الأولى” التي أطلقتها “فتح”… والتي “ليس من حق أحد أن يزاود عليها”… وصبروا عليها وتغاضوْا بين الحين والآخر عن تنسيقها الأمني، وتناسوْا ممارسات أجهزتها الأمنية، خاصة في غزة، يوم كانوا يقتحمون المساجد ويتبوَّلون على رؤوس المصلين، ويدوسونها بأحذيتهم ويعتقلون الشيوخ والشبان والمقعدين ويحلقون لحاهم ويذيقونهم أصناف العذاب، وربما تناسوْا أيضا ممارسات زبانية العذاب في سجن “جنيد” في الضفة، وهم يصبّرون أنفسهم بـ “ربما، ولعلّ وعسى وقد…..”، وهم يعلمون كذلك أن الذين اختطفوا منظمة التحرير بعد فترة قصيرة من تأسيسها، وأزاحوا عن قيادتها من كان يريد فعلا تحقيق حرية الشعب الفلسطيني، وأحلّوا بدلا منه من يمكنه تقمّص الدور الذي تريده الأنظمة العربية الوظيفية، إنما أرادوا لمنظمة التحرير دورا غير الدور الذي أُنشئت لأجله.

وسيحكم التاريخ على تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الثورة الفلسطينية. ويعلمون أيضا أنه عندما أجريت انتخابات حقيقية لاختيار قيادة المرحلة أصيبت الكرة الأرضية، وعلى رأسها سلطة دايتون وتل أبيب وواشنطن وأنظمة العار، بلوثة من الجنون، أوصلتهم إلى ما يرونه اليوم عَيانًا، وهو مشهدٌ لسلطة دايتون دور سيء هي غارقة فيه حتى أذنيها.

لذلك لا يستغربنّ أحدٌ ما تفعله أجهزة أمن الاحتلال التابعة لسلطة دايتون في مخيم جنين، بحجة ملاحقة “الخارجين على القانون” (أي قانون؟؟!!)…. فهي إنما تواصل ما بدأه الاحتلال منذ أكثر من سنة في مدن الضفة
ومخيماتها، خاصة في جنين ومخيمها. ولعل الاحتلال قد يئس من تحقيق مآربه، ووجد أنه يدفع أثمانا لم يتوقعها، فأناط المهمة بالسلطة التي لم تفكر مرتين، وسارعت إلى امتشاق سلاحها الذي “أطلق الرصاصة الأولى في ثورة الشعب الفلسطيني”!! ووجهته إلى صدور أبناء شعبها….

كيف سينتهي المشهد؟ وإلى أين ستصل سلطة دايتون في تنسيقها الأمني مع الاحتلال؟

في لحظة ما سيسترجع الشعب الفلسطيني شريط مآسيه، ويستعيد عافيته ويتوقف للحظة ويقول: كفى!… إلى هنا..!

سينفد صبره ويتفجر غضبه ويتخذ قراره بإنهاء اللعبة: تكفينا ثلاثة عقود من الصبر على هذه الإهانة التي تُدعى السلطة الفلسطينية، التي لا هي سلطة ولا فلسطينية..

أظن هذا واقعًا قريبا، والله تعالى أعلم، فالمقدمات دليل على النتائج.. والبدايات أخت النهايات. ولم يسجل التاريخ أن شعبا خرج ناشدا حريته هُزم، مهما طال الزمان، ومهما كانت التضحيات والآلام، ومهما كان حجم المعاناة.

يزداد الجرح ألما ونزفًا، ويشتد ويشتد ويشتد ويتورم ويتضخّم حتى يخرج منه الصديد إلى الأبد، ثم يبرأ الجرح وينهض الجريح معافىً وبين عينيه الأمل وهو ينظر إلى حيث تشرق الشمس.

وإننا إذا كنا نتحدث عما يجري في الضفة وفي غزة، فإنّه من المهم التذكير بأنه ليس حدثًا في جزيرة معزولة وسط بحر الظلمات، بل نواة أحداث أشبه ما تكون بينابيع خير تتفجر من باطن الأرض، بدأت في سوريا ولن تتوقف حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا، ثم تطهُر الأرض من أدرانها وأوساخها وقاذوراتها، وسيتنفّس المعذبون في الأرض هواء نقيًّا، ويُظلّهم فضاءٌ غير ملوث، تعلوه سماء تتلألأ فيها أقمارٌ تضيء أركان الأرض.

هو مخاض طويل، ستنتهي آلامه بانبلاج فجر جديد، تشرق بعده شمس لن تغيب، ليس على الشعب الفلسطيني وحده، بل على الأمة. وسنشهد شرقا جديدا، ليس من النوع الذي يسعى إليه نتنياهو وغيره، بل ما تريده مشيئة رب نتنياهو وبايدن وترامب ومحمود عباس…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى