أخبار عاجلةمقالاتومضات

أخدود رفح وتعرية البشرية

الشيخ رائد صلاح

هي البشرية اليوم قد تعرّت وبانت كل عوراتها، سواء كانت عورة سوأتها، أو عورة أخلاقها، أو عورة أمنها الغذائي، أو عورة أمنها المجتمعي، أو عورة تعايشها العالمي، ويطول الحديث عن كوارث تَعِّريها عن كل عورة من هذه العورات، ولكن أقول على عجالة ما يلي موقنًا سلفًا أن البشرية لن تندثر، ولكن ستلفظ قياداتها الجبرية المعاصرة وستستعد لاستقبال قيادة ربانية قادمة أصبحت على الأبواب:

1. هي البشرية اليوم التي زيّن له شياطين إنس من جنسها وراودوها عن نفسها كي تتعرى تدريجيًا باسم (الموضة) ومواكبة آخر صرخات الأزياء الصارخة، وإذ بهذه البشرية المضللة تستجيب لذلك طواعية، وإذ بها تسقط لباسها الذي كان يستر رأسها، ثم إذ بها تسقط لباسها الذي كان يستر ساقيها وساعديها، ثم إذ بها تسقط لباسها الذي كان يستر صدرها وسوأتها، وها هي اليوم عارية إلا من رحم الله تعالى، وها هي اليوم تعرض سوأتها بالمزاد العلني في سوق الأفلام الإباحية، ومسابقات جمال المرأة، والمواخير المرخصة، والإعلانات الاستهلاكية التجارية.

2. هي البشرية اليوم التي سوّلت لها أبواق مدمرة من جنسها وجرّتها إلى مستنقع الشذوذ الجنسي وأنتجت لها زواج المثليين الشواذ، وزواج المثليات الشاذات، ثمَّ أنتجت لها نظام الأسرة الدوني الشاذ الذي ما رضيت به الحيوانات العجماوات منذ عهد الديناصور، ولكن هذه البشرية المسكينة رضيت به إلا من رحم الله تعالى، وتعرّت عن أخلاقها، وأصبح رهط منها يتباهون بانتمائهم إلى أسرة بشرية من رجل ورجل بلا أبناء، ومن امرأة وامرأة بلا أطفال، وإن كان هناك حاجة لذرية، فيمكن شراء أولاد لهم منذ مرحلة الرضاعة من الأرحام الجائعة المنهكة التي تعيش في الدول المتخلفة، وهكذا عادت البشرية من جديد إلى تجارة الرقيق واستعباد الإنسان منذ مرحلة الرضاعة وبيعه للمترفين في سوق أوروبا وأمريكا.

3. هي البشرية اليوم التي أصبحت مقموعة تعيش مرعوبة تحت تهديد دول الاستكبار العالمي التي باتت على المكشوف تعرّي الأمن الغذائي لسائر البشرية وتضع أيديها القذرة على أرزاق هذه البشرية السمكية والزراعية والمعدنية والنفطية والقوة العاملة، وها هي شرذمة مارقة من هذه الدول المستكبرة الفرعونية باتت تتحكم بالبورصة العالمية، وأسعار العُملات، وسعر برميل النفط، وحركة البنوك والقروض والمُعاملات الربوية لدرجة أنَّ كل خيرات الأرض أصبحت تُجبى من شرق الأرض وغربها لهذه الشرذمة، على حساب مليارات الشعوب التي أنهكها الفقر والجوع والمرض والبطالة رغم أنها تنام على أغلى كنوز الأرض في أوطانها ولكن هذه المليارات من الشعوب تأنّ اليوم محتلة محرومة من مد يدها إلى كنوزها وإن كانت في أوطانها، لأن هذه الكنوز صودرت تحت تهديد الأسلحة النووية وباتت ملكًا خالصًا لهذه الشرذمة الشريرة، وكأنها ورثتها كابرًا عن كابر، ولا حق لأحد فيها سواها.

4. هي البشرية اليوم التي قد تنام على حال وتستيقظ على حال آخر، فقد تنام دول منها وهي تنعم بسلم أهلي يخيم عليها، ثم إذ بها تستيقظ وقد اجتاح سيادتها قوة غاشمة من دول الاستكبار العالمي تحت ذريعة تافهة لا يرضى بها قانون الغاب، وهكذا أصبحت البشرية اليوم عارية بلا أمن على سيادتها، ولا أمن على سلم شعوبها، ولا أمن أهلي في يوميات حياتها، وهكذا أصبحت مضطربة طوال الوقت كأنه أصابها الصرع أو تخبطها الشيطان من المس، وكم من رئيس دولة أصبح ينام وهو رئيس ثم يستيقظ وهو في ظلمة السجون، وكم من مفكر أصبح ينام مستعدًا لإشهار كتاب له عن الإمبريالية، ثم يستيقظ وهو مصفد اليدين بتهمة مفبركة أو بث الكراهية ضد الاستعمار أو تحريض الشعوب على البحث عن حريتها واستقلالها واستعادة أرزاقها، ولو زرنا سجون اليوم بداية من سجن غوانتانامو لوجدناها مُزدحمة بهذه النوعية من أهل الفكر والفلسفة والأدب المنسيين في غمرة لهاث البشرية اليوم عن أمنها الداخلي المفقود، بعد أن أصبحت عارية بلا أمن ولا أمان ولا سكينة ولا طمأنينة.

5. هي البشرية اليوم التي أصبحت عارية ومكشوفة العورة في تعايشها العالمي بعد تدمير دور ومكانة هيئة الأمم المتحدة وسائر أذرعها ومؤسساتها العالمية على أثر تحييد دورها ثم عجزها المطلق عن رفع الكارثة الإنسانية عن غزة، وعجزها المطلق عن وقف خطر الإبادة الجماعية في غزة، وعجزها المطلق عن كسر خطر سياسة التجويع حتى الموت في غزة، وها هي البشرية الآن بلا هيئة أمم متحدة، وها هي ورقة التوت قد سقطت عن عورة تعايشها العالمي، ويا للفضيحة التي ستبقى منقوشة على جبين هذه البشرية المترنحة، فبعد أن كان رضّع غزة وأطفالها ونساؤها يُقتلون رميًا بالرصاص أو قصفًا بالطائرات أو قذفًا بالمدافع، ها هم الآن يُقتلون حرقًا في رفح بالبث المباشر، وها هي البشرية اليوم تنظر إليهم مُتحسرة ولسان حالها يقول: أنا عاجزة عن إنقاذ رضيع أو طفل أكلته النار في رفح.

6. هي البشرية اليوم العارية بلا قسط ولا عدل ولا حقوق شعوب ولا قوانين انضباط عالمية ولا مرجعية تنصف المظلوم وتأخذ على يد الظالم بعد أن تم تدمير مكانة محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية وأصبح “بايدن” ومن يدور في فلكه يصف قرارات هاتين المحكمتين بالتافهة والباطلة، مما يعني أن قرارات هاتين المحكمتين أصبحت حبرًا على ورق ولا قيمة لها، وأصبح وجودها وعدمها سواء، وهكذا أصبحت البشرية اليوم في الحقيقة، والحقيقة مُرّة بلا محكمة عدل دولية، ولا محكمة جنايات دولية، وأصبحت القوة هي المحكمة الوحيدة التي تفرض حكمها على كل البشرية، حتى لو صرخت البشرية ليلًا ونهارًا وهي تبكي على أخدود رفح.

7. هي البشرية اليوم العارية من تفاهمات السلم أو تفاهمات الحرب فيما بينها، وما عادت هناك خطوط حمراء تحكم هذه البشرية التعيسة في حالة السلم أو حالة الحرب، وها هو البيت الأبيض يكفيه أن يقول بعد أن وصلته أخبار أخدود رفح: نحن على اتصال مع شركائنا في المنطقة!! يا للعجب !!، وها هو “نتنياهو” يكفيه أن يقول: لقد وقع خطأ ونحن في صدد دراسة هذا الخطأ!!، يا للعجب!!، ثم ماذا؟! ثم لا شيء!!، وهكذا أصبحت البشرية عارية بلا خطوط حمراء تضبط سلوكها في حال السلم والحرب!!، وي كأن كل شيء بات مُباحًا في هذه المرحلة الخائبة من مسيرة البشرية.

8. إذن هي البشرية اليوم على مفترق طرق فإما أن تظل عارية عراءً فاضحًا معيبًا لا ترضاه ممالك الحيوانات في غابها، وإما أن تستيقظ البشرية اليوم من غفوتها، وتنهض بعد عثرتها، وتسعى لكرامتها المشوهة، وتستعجل بستر عورتها المفضوحة، ولن يكون لها ذلك بالقيل والقال، ولا بكل مخلفات المدنية الجاهلية المعاصرة التي نفد تاريخ استعمالها، ولذلك أنا شخصيًا سأبقى على يقين وفق سُنن الله تعالى أن البشرية لن تنتحر، ولكن ستأخذ بيدها قيادة ربانية راشدة عما قريب إلى شاطئ الأمن والأمان.. وإن غدًا لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى