أخبار عاجلةمقالات

ما أشبه اليوم بالأمس

الشيخ رائد صلاح

(من يحكم الآخر أمريكا أم إسرائيل)، هي عبارة عن عنوان رسالة نُشرت بتاريخ 1981.12.19، وهي عبارة عن أسئلة وأجوبة وردت في ندوة عقدتها (الأنباء)، مع عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح) السيد خالد الحسن، وعندما قرأت هذه الرسالة قلت في نفسي: ما أشبه اليوم بالأمس، وكأنه لا جديد تحت الشمس، وكأن السيد خالد الحسن عندما تحدث في تلك الندوة التي كانت بعام 1981، عن جدلية العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، وعن جدلية العلاقة بين الأنظمة العربية والقضية الفلسطينية، كأنه يتحدث اليوم ونحن في بداية عام 2024م، وقد لفت انتباهي الشيء الكثير الذي ورد على لسان السيد خالد الحسن في هذه الرسالة، ولكن الشيء الأكثر الذي لفت انتباهي هو ما تحدث به عن حال الأنظمة العربية، وعن حال المواطن العربي، وعن حال التضامن العربي، وهاكم بعض الفقرات من هذه الرسالة التي وردت على لسانه:

1. الدور العربي المطلوب (يتمثل بتضامن عربي حقيقي يرتبط بالسياسة العربية الاقتصادية والمالية والنفطية، من خلال الموقف العربي السياسي، فيما يتصل بالتعامل مع دول المعسكر الغربي وغيره، بحيث أن نضع أمريكا والغرب وغيرهم أمام تحدي الاختيار بين مصالحهم معنا وبين المعسكر الصهيوني)!!، وهذا الدور العربي لم يتحقق حتى الآن منذ عام 1981م حتى مطلع عام 2024م.

2. ولو تحقق هذا الدور العربي لأصبحت لدى العرب (القدرة على تحقيق توازن على المستوى السياسي الدولي بما يُمكن الموقف العربي المتضامن، الذي يربط اقتصاده بسياسته، بقسط أكثر من الحرية والفاعلية في حركته الدولية)، ولأن هذا الدور العربي لم يتحقق، فلا يزال الذي يُمثل موقف الأنظمة العربية حتى الآن هو موقف العجز (في إطار الاحتجاج الكلامي، وغالبًا ما نلاحظ خاصة في المرحلة الأخيرة، أن الاحتجاج منخفض الصوت جدًا، ومنفصل عن الحركة الجماهيرية في المنطقة… هناك الآن موقف جماهيري مضغوط صامت وموقف عربي يحتج على استحياء، وصحافة مكممة غير مسموح لها تحريض الجماهير، بشكل يُعطي الحكام قوة لاحتجاجاتهم).

3. ولأن هذا الدور العربي لم يتحقق حتى الآن، ولأن العجز العربي هو سيد الموقف ونحن في مطلع عام 2024م، فها هي هذه المواقف السلبية العربية (تُمكن أوروبا وأمريكا من الاستمرار في سياستها المُعادية لنا، الأمر الذي يؤدي فقط إلى انتهاك مصالحنا وحقوقنا كأمة، وإنما سيؤدي أيضًا إلى إفقاد مصداقية وهيبة الأنظمة العربية الصديقة للغرب لأنها في النهاية صامتة عمليًا على تصرفاته المناقضة لمصالح وكرامة العرب نظمًا وجماهير). وها هي أمريكا اليوم توقع أسلحتها الكارثة الإنسانية في غزة، وفي الوقت نفسه لا تتردد أن تخدع العرب بكل وقاحة وصلف، لابسة لباس الإنسانية، ومتباهية أنها ألقت من طائراتها طرودًا غذائية على غزة!!، وها هي فرنسا أم الشر وأم الويلات وراعية المفاعل الذري الإسرائيلي والمزود الأساس للمؤسسة الإسرائيلية بالأسلحة، ها هي تستخف بالعرب اليوم وتضحك على ذقونهم وتتعامل معهم كأنهم أطفال صغار في صفوف الرياض مدعية بخطاب سمج أنها قد ألقت بنجاح طرودًا غذائية من الجو على غزة!!، فيا لسوء هذا الحال الذي وصل إليه العرب!!، ويا لبؤس هذا الانحطاط.

4. كمثال على وهن حالة العرب بسبب انعدام الدور العربي، يوم أن عقد العرب مؤتمر فاس في الثمانينيات وفي (الوقت الذي كانت فيه قمة فاس منعقدة، كانت قمة أوروبا منعقدة أيضًا وكان الشرق الأوسط هو البند الثاني على جدول أعمالها، ولكن وفور وصول نبأ فشل قمة فاس على القمة الأوروبية حُذف بند الشرق الأوسط من جدول الأعمال… لقد سبق وأن ذكرت أكثر من مرة ما قاله لي أحد وزراء خارجية دول السوق الأوروبية، ولا بأس من تكراره الآن، قال: كعرب أنتم المسؤولون عن وحدة الموقف الأوروبي ومسار تجاهله بالنسبة لقضاياكم السياسية… كيف؟!

إذا أخذت موقفًا سياسيًا اقتصاديا عربيًا موحدًا فإنه يضعنا بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط أمام تحدي الاختيار بينكم وبين إسرائيل من خلال ارتباط موقفكم بمصالحنا بما يفرض علينا الاختيار، فإذا لم تقوموا بذلك فهل يمكنك أن تعطيني سببًا يدفعنا إلى أن نزعج أنفسنا باتخاذ موقف ضد إسرائيل!!، إن أحدًا لا يجلب المتاعب لنفسه في السياسة الدولية من أجل العدالة والحق والأخلاق، إنها المصالح التي تجبر الحكومات في السياسة الدولية على اتخاذ المواقف المعنية، إما أن تضطر الآخرين لاتخاذها من خلال مصالحهم، وإلا فلن يتخذوها لك من أجل مصالحك)!!، وليت العرب اليوم ونحن في مطلع عام 2024م قد وقفوا عند حد عدم اتخاذ موقف عربي موحد متضامن يربط اقتصاده بسياسته، بل هرولوا إلى قطار التطبيع وتسابقوا على الانضمام إلى قافلة (أبراهام) والالتزام بها نصًا وروحًا والسير في ركبها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وهكذا اختفى الموقف العربي أصلًا، واندثرت مقومات فرصة ظهور موقف عربي موحد على المدى القريب والبعيد، وتداعت الأمم الناهبة على العرب كتداعي الأكلة على قصعتها، واستفحل مشهد الكارثة الإنسانية في غزة، وكأنه لا عرب ولا موقف عربي، ولا نخوة عربية، وانعقد مؤتمر الجامعة العربية الطارئ في جدة، وانضم إليه مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الطارئ والتقيا في قاعة الاجتماعات نفسها في جدة، ثم اتخذت القرارات التي مثلت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ولكنها ولدت ميتة، كأنها لم تكن، وكأنه ما كان مؤتمر طارئ مشترك للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وأظن أن القليل من وسائل الإعلام العربية والإسلامية التي تحدثت عن هذا المؤتمر الطارئ، وأظن أن وسائل الإعلام الأجنبية تناسته وقفزت عنه ولم تجد مصلحة تهمها تجبرها أن تتحدث عنه.

وهكذا التقت الكارثة الإنسانية في غزة مع كارثة هوان العرب اليوم، فكلاهما كارثتان تستفحلان الآن، ولعل كارثة هوان العرب أشد وقعًا من الكارثة الإنسانية في غزة، وهل هناك أصعب من حال عالم اسمه العالم العربي هان على نفسه ثم هان على غيره حتى أصبح كأنه غير موجود وكأن وزنه اليوم يؤول إلى الصفر، وكأنه لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وكأنه بات مُهددًا بالانقراض.

5. وعليه فلماذا يزعج بايدن وزبانيته أنفسهم (بالتفكير والتحرك من أجلنا طالما أننا على هذا الحال، والشيء ذاته ينسحب على الموقف الأوروبي بمجمله طالما أن مصالحه مضمونة عبر صمته في منطقتنا ونفسية الدفاع السلبي والمنطق التبريري في أفعالنا وأقوالنا)، وها هي القرائن الكثيرة التي تؤكد حالة التردي التي تميز حال العرب، ففي الوقت الذي يتنكر فيه العالم الغربي بشقيه الأمريكي والأوروبي لحقوقنا بما في ذلك حق شعبنا الفلسطيني، وفي الوقت الذي يسهم فيه هذا العالم الغربي بالكارثة الإنسانية في غزة من خلال دعمه المتواصل عسكريًا وسياسيًا واقتصاديا وإعلاميًا للمؤسسة الإسرائيلية، ها هو نهر النفط العربي لا ينضب ويصل بسهولة إلى كل دولة غربية، وها هي الممرات المائية العربية مفتوحة على مصراعيها لتسهيل عبور كل الاقتصاد الغربي متنقلًا بأساطيله بين شرق الأرض وغربها، وها هي أجواء العالم العربي مشرعة لكل طائرات العالم الغربي ولا اعتراض على عبورها ليل نهار، سواء كانت طائرات عسكرية أو اقتصادية أو طائرات تجسس أو طائرات مسافرين، وها هي الكثير من الأراضي العربية تحولت إلى مواقع عسكرية ثابتة لبعض القوات الغربية، وها هو العالم العربي قد تحول إلى سوق استهلاكية لكل منتوجات العالم الغربي بداية من الغذاء ووصولًا إلى الدواء بما في ذلك السيارات والملابس والسفن والطائرات والأدوات الكهربائية والعطور… وما يتبع ذلك من مظاهر الرفاه الدنيوي!!، ولو أحال العرب كل هذه المصالح التي ينعم بها العالم الغربي إلى أدوات ضغط على العالم الغربي، ولو أن العرب أشعروا العالم الغربي أنه مُهدد بحرمانه من كل هذه المصالح لرضخ العالم الغربي للحق العربي العادل في كل قضاياه العادلة ولرضخ العالم الغربي للحق الفلسطيني العادل، ولما تأخر حل القضية الفلسطينية قرنًا من الزمان في الوقت الذي وجدت فيه كل قضايا أهل الأرض حلًا لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى