أخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (196) رمضان.. بكلّ ما في الاسم من معنى!!!!

حامد اغبارية

(1)
ما قصّتهم مع رمضان؟ ولماذا كلّ هذا التّركيز والتشديد والعمل الحثيث على عقد صفقة بين الاحتلال وبين حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية قبل بدء الشهر الفضيل؟
لأيّ شيء ينهشهم القلق الشديد من عدم التوصل إلى صفقة قبل رمضان؟

هل رمضان مخيف إلى هذا الحدّ، حتى اجتمعت “عليه” كل عواصم الدّنيا، إلى درجة أن لفظ “رمضان” أصبح أكثر كلمة ترددها الشفاه المرتعشة بعد كلمة “غزة”؟
قبل يومين، تقريبا، قال رئيس أمريكا بايدن كلمة أو اثنتين تقرأ من خلالهما السّر الخفيّ. قال أثناء استعداده للعودة إلى بؤرة الشّر؛ واشنطن، من رحلته “الميمونة” إلى كامب- ديفيد، حيث أمضى أياما يسبح في الآيس كريم الأمريكي، ويلعق منه ما يشاء، بينما يتساقط أطفال غزة صرعى من شدة الجوع: نريد التوصل إلى صفقة أو هدنة قبل رمضان، لأنه إذا لم يحدث فإن الوضع في القدس سيكون خطيرا.
هذا هو مصدر القلق إذًا!

ويدعم ذلك تصريح نتنياهو الأخير، الثلاثاء، من أنه لن يفرض تقييدات جديدة على الدخول إلى المسجد الأقصى في رمضان. قال ذلك وسط حالة من الصراع الداخلي الإسرائيلي حول هذه القضية التي هي أشبه ما تكون ببرميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة. قال ذلك ليس تفضُّلًا، بل رُعبا. فهو لا يصدر عنه تصريح ذو شأن إلا بعد أن يقرأ كل التقارير ذات العلاقة ويستمع إلى كل التقييمات ذات الشأن!
غير أنّ المسألة أكبر من ذلك بكثير.
فبعد قرابة خمسة أشهر من الفشل الإسرائيلي في غزة، وأمام تلك المشاهد الدامية من عشرات آلاف الضحايا من أهل غزة، فإن القّوم يدركون أن رمضان قد يشكل دافعا لتصعيد غير مسبوق في المنطقة كلها، دون أن يغيب عن أذهانهم البُعد التّاريخي لأحداث مفصليّة في تاريخ المسلمين وقعت تحديدًا في رمضان، وارتباط هذا الوعي بأذهان المسلمين اليوم، خاصة وهم يروْن إخوانهم في غزة يُذبحون وأطفالهم يُقتلون إمّا قصفا وإمّا جوعًا وعطشًا.
هذا تعرفه واشنطن، وتعرفه تل أبيب، وتعرفه عواصم العهر الغربية، وتعرفه أنظمة العار العربية، وتعلم أنه جدّ وحقُّ. وتدرك أن رمضان أكبرُ مُستنهِض للهم وأعظم ساعة منبّه للأمم.

(2)
سؤال كبير: كيف سيكون شكل علاقتنا، نحن في الدّاخل الفلسطيني، مع المؤسسة الإسرائيلية بعد انتهاء الحرب الحاليّة؟ ما طبيعة السلوك الذي سننتهجه نحن، بعد كل تلك التقييدات التي هي تطبيق لنظام الحكم العسكري الباطش، الذي يعدّ عليك الأنفاس، ويرصد حركاتك وسكناتك، ويقرأ كل ما تكتب، حتى قائمة المشتريات، إذ لعلها تحمل في ثناياها بعض الرسائل التي لا علاقة لها بالأكل والشرب ومواد التنظيف؟ وما طبيعة السياسة التي ستنتهجها المؤسسة الإسرائيلية تجاهنا بعد الحرب؟
سؤال مقلق؟!!

أنا لا يقلقني. إذ أنه منذ 75 سنة ونحن تحت المجهر، صعودا وهبوطا، وليس ما نعاني منه اليوم سوى إحدى المحطات الأكثر مجهرية، والتي سيتبعها بالتأكيد محطات أكثر مجهرية وإيلاما.
ولِمَ العجلةُ في الإجابة ولمّا تنتهي الحرب بعدُ؟ وكيف يكون الحالُ إذا لم تنته؟ كيف يكون إذا طالت واستطالت وسُعّرت واستعرت وأُزّت أزًّا شديدا أكثر مما ترى اليوم؟ فلتَنتَهِ الحربُ إذًا ثم نتحدث حينئذ، هذا إنْ وجدنا وقتا للحديث، إذ ربّما لا نجد. أما ما يجب أن يقلقني ويقلقك فهو السؤال الأكبر منه.

(3)
والسؤال الأكبر من ذاك السؤال، الذي يقلق فعلا فهو: كيف حالنا نحن؟ كيف سيكون شكل علاقتنا مع أنفسنا، على المستوى الفرديّ والجمْعيّ؟ كيف ننظر إلى أنفسنا وكيف سننظر إليها حين تنتهي هذه الحرب المجنونة؟ هل سنجرؤ على الوقوف أمام المرآة لنتمعّن في وجوهنا؟ انظر ودقّق، فأنت لا ترى نفسك التي تعرفها. مؤلم! أليس كذلك؟!
لا أعرف الجواب الدقيق، فنحن في مسار تغيّر ومتغيّرات شديد الصعوبة، دقيق كالشعرة، لكنني أشعر به بكل قوّة. فهو يسري في العروق.
رمضان، الذي يقلقهم يجب أن يقلقك أيضا. أو بالأحرى يجب أن تقلق على نفسك في رمضان.
كيف؟

أنا لا أقول لنفسي ولا لك: هيّا بنا نموت جوعًا وعطشًا. لا أقول: هيا بنا نعاقب أنفسنا… ولكن…
رمضان هذه المرة امتحان لنا جميعا. كيف سيكون شكل سلوكنا فيه.. فهو لا يشبه ما سبقه من رمضانات…
اقتصدْ في كل شيء..
مظاهر الزينة الرمضانيّة التي أُدخلت علينا حشرًا؟ لنخجل ولو قليلا!
موائد الطعام الممتدة من المحيط إلى المحيط؟ لنستحيي من الله!
لنستحيي من أولئك الذين يتضورون جوعًا وعطشًا، وينزفون دما ورُعبا وموتا وخُذلانا على مرمى الحجر منّا!
{كلوا واشربوا ولا تسرفوا…}..
لا تسرفوا في الامتلاء والتجشؤ…. فهو علينا حرام بينما نرى بأمّ أعيننا أطفالا ونساءً وشيوخًا يتقيّأون دما!
وإيانا أن نتمطّى بحسّ متبلّد أمام منصات التواصل ننشر فيها صور ما لذّ وطاب من شهيّ الطعام ولذيذ الشراب…
ثم أما بعدُ..
فلا تيأسوا… فإن رحمة الله أوسع وأعظم وأقرب مما تظنون… وستُدهشون من عظيم قُدرة الله وما يخبئه في قَدَره…

(4)
أمريكا لا يهمها إلا مصالحها… ومصالحها ليست اقتصادية ولا نفطيّة ولا مليارداتيّة سعودية ولا إماراتية وحسب. ومصالحها ليست استعماريّة كولونياليّة وحسب. مصالحها تتجّه أكثر وأكثر إلى الأفق البعيد الذي يخفي خلفه كلّ التفاصيل المرعبة… ولربّما أدركَتِ الآن أنَّ المسألة جدّ…
لكنها تكابر، شأنها شأن المتمردين على الأقدار، شأن ما سبقها من امبراطوريات كانت تملك كل شيء وغدت لا شيء، كأنها لم تكن أي شيء.
تكابر وتتجمّل بكل أصناف التضليل..
كيف تقرأ تصريحها البائس الذي تقول فيه: أبلغنا تل أبيب أن وفاة الأطفال (في غزة) غير مقبولة.
ماذا تعني “غير مقبولة” هذه؟
تصريح بحدّ ذاته جريمة. لأن أمريكا تستطيع أكثر من ذلك، لكنها لا تريد. وأتخيّلها تتمنى لو أن كاميرات الإعلام عُطّلت، وألسنة المراسلين الميدانيين شُلّت، ومشاهد الموت أُخفِيتْ، حتى لا يرى العالم “وفاة الأطفال غير المقبولة”…. لأن ما يجري هو أكبر فضيحة أخلاقيّة لأمريكا ولكل الذين يدورون في فلكها….

وماذا يعني أن أكبر قوة على جه الأرض، أو هكذا يخيّل إلينا على الأقل، تُلقي بطرود “وجبات الطعام” من الجو في مشهد عبثي هو أكبر إهانة للجنس البشري، وأشدّ خِسّة، وأحطّ سلوكا..
وهي بالمناسبة “وجبات طعام” اتضح أنها ليست وجبات طعام….
هل تستطيع أمريكا أن توقف الحرب؟؟ نعم تستطيع..
هل تريد أمريكا أن توقف الحرب؟ لا… لا تريد..
لماذا؟
اقرأ المقال مرة أخرى…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى