أخبار رئيسيةمقالاتومضات

صوت الضعفاء

الشيخ رائد صلاح

هو صوت حُكام العرب والمسلمين، ولا أقول إلا من رحم الله تعالى، لأنهم كلهم في هذا الحال سواء، فكلهم باتوا عنوانًا لصوت الضعفاء، ولذلك فإن ما يصدر عن زيد منهم يصدر عن عمرو منهم، سواء كان حاكمًا عربيًا أو مسلمًا، على امتداد رقعة جغرافية الأمة المسلمة والعالم العربي، وهكذا تتواصل الكارثة الإنسانية في غزة، وفي المقابل تتواصل ردود فعل الحكام العرب والمسلمين، التي كانت ولا تزال تُجسد صوت الضعفاء، وهكذا بات يصدر عنهم كل مُضحك مبكِ في الوقت نفسه، وكأنهم تواصوّا على ردود الفعل هذه دون أن يتواصوّا، وهكذا باتوا في ردود أفعالهم كأنهم جوقة واحدة، اسمها جوقة صوت الضعفاء، وباتوا يعزفون لحنًا واحدًا، اسمه لحن صوت الضعفاء، وإن اختلفوا فيما بينهم ما بين ضارب عود أو ضارب كمان أو ضارب طبل أو ضارب دف أو نافخ مزمار في هذه الجوقة، وكلما قرأنا عن ردود أفعالهم في الشريط الإخباري الدوار في قناة الجزيرة وغيرها نجد أنه لا جديد تحت الشمس في ردود أفعالهم، وكلها تعود على نفسها، وكلها تذكرني بمثلنا الشعبي القائل: (على عينك يا تاجر)، وكلها حائرة مُتلعثمة، وكلها مُضحكة مُبكية، وهاكم ما سجلته من ملاحظات على ردود الأفعال هذه التي تُغيظ الصديق وتُسر العدو:

1) كثيرًا ما قرأت وقرأ غيري في الشريط الإخباري الدوار في قناة الجزيرة وغيرها أن الرئيس (س) العربي أو المسلم اتصل بالرئيس (ص) العربي أو المسلم واتفقا على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة!!، ثم ماذا؟! ثم لا شيء!!، أو اتفقا على ضرورة فتح معبر رفح وإدخال المُساعدات الإنسانية إلى غزة!!، ثم ماذا؟! ثم لا شيء!!، نعم لا شيء لأن كل هذه الاتفاقيات الشفهية التي تُعقد عبر الهاتف الخلوي بين الحُكام العرب والمُسلمين تُجسد صوت الضُعفاء، ومن الواضح أن صوت الضُعفاء اليوم لا لون له ولا طعم ولا رائحة!!، والحقيقة المُرة تقول: إنه لا وزن له ولا قيمة ولا اعتبار، وما هو إلا بضاعة كاسدة أكل عليها الدهر وشرب.

2) كانت المُفاجأة أن فرح الحُكام العرب والمسلمون عندما نجحوا بعقد مؤتمر مُشترك في جدة يجمع ما بين أعضاء الجامعة العربية وأعضاء مُنظمة التعاون الإسلامي، وفي هذا المؤتمر الثنائي الذي عُقد لأول في أواخر مرحلة الحُكم الجبري التي غرقت فيها الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، نظر هؤلاء الحُكام وهم يجلسون على كراسيهم الوثيرة، وأمامهم أفخر التشريفات وتُحيط بهم أضواء عشرات القنوات العربية والمُسلمة والعالمية، نظروا إلى ما بين أيديهم من تقارير مكتوبة أو مُصورة عن الكارثة الإنسانية في غزة، ثم فكّروا وقدّروا، ثم قرروا بعد إلقاء سيل من الخطابات ذات اللهب البارد!!، وعلى ضوء هذه القرارات كان من المفروض أن تتوقف الكارثة الإنسانية في غزة، ولكن مع شديد الأسف ظلت قرارات هذا المؤتمر الثنائي في واد وظلت الكارثة الإنسانية في غزة في واد آخر، وهذا ليس جديدًا على هؤلاء الحُكام، فها هم لا يزالون في واد ولا تزال شعوبهم في واد آخر، وها هم لا يزالون في واد ولا تزال القدس المُباركة والمسجد الأقصى في واد آخر، وها هم لا يزالون في واد وها هي لا تزال قوافل الأرامل والأيتام وصرخات الأطفال وآلام المُشردين والجياع والعطشى والمرضى في غزة في واد آخر!!، ولا عجب في ذلك، فهم صوت الضعفاء، وماذا ننتظر من صوت الضعفاء إلا القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وكأني بالإمام الجيلاني رحمه الله تعالى كان يتحدث عنهم منذ قرون عندما صرخ في حُكام زمانه الموات وفي شعوب الأمة المُخدرين: (لا يقود الناس أعمى إنما يقود الناس بصير)، وقياسًا على قوله أصرخ اليوم وأقول: لا يقود الناس صوت الضعفاء، إنما يقود الناس صوت أولي العزم ذوي الحزم والرشاد.

3) وكانت مُفاجأة أخرى يوم أن نجحت دبلوماسية بعض الدول العربية والمُسلمة لاستصدار أمر من الأمانة العامة لهيئة الأمم المُتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار فورًا في غزة، ولا شك هو من حيث الاعتبار الدبلوماسي هو إنجاز طيب، ولكن من حيث أثر هذا القرار مع شديد الأسى والأسف لم يكن له أي آثار إطلاقًا، لأن الأمانة العامة تملك أن توصي توصيات دون أسنان، بمعنى أنها لا تملك القدرة على فرض تنفيذ قرارتها، وهكذا ظل هذا القرار الداعي إلى وقف الحرب حبرًا على ورق، وهكذا لم تتوقف الحرب، واستمر إيقاع الكارثة الإنسانية على غزة، وهذا ما أكد لكل عاقل أن أي قرار أممي قائم على حسن النوايا سيكون مصيرهُ سلة المهملات، وأي قرار يقف من ورائه صوت الضعفاء سيولد ميتًا، وقد يتحدث عنه الإعلام لساعات أو ليوم ثم يُضم إلى قائمة القرارات المُحنطة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع!!، ومن يدري لعل شعبنا الفلسطيني بخاصة وسائر شعوبنا المُسلمة والعربية بعامة سينسون هذا القرار الأممي وإن كان صادرًا عن الأمانة العامة لهيئة الأمم المُتحدة، وقد يؤلمهم إذا ما تذكروه في يوم من الأيام، لأنه يُذكرهم بصوت الضعفاء الذي يُميز حُكام العرب والمُسلمين في هذه المرحلة المأزومة من عمر البشرية بعامة ومن عمر الإمة الإسلامية والعالم العربي بخاصة.

4) والعجب كل العجب أن كثر حديث حُكام العرب والمُسلمين عن معبر رفح وعن ضرورة فتحه لقوافل الإغاثة، وكأن مصر التي بيدها مفاتيح هذا المعبر ليست من ضمن الدول العربية والمُسلمة، وكأن السيادة الكاملة على هذا المعبر ما عادت مصرية، علمًا أن مصر هي صاحبة السيادة الشرعية الوحيدة على هذا المعبر، ومع ذلك لا تملك مصر اليوم حُرية فتح معبر رفح، وهي حالة مأساوية تكشف عن حدة مأساة الموقف الرسمي لحُكام العرب والمُسلمين، فهي مصر العاجزة عن فتح أحد أبواب بيتها الذي يُسمى معبر رفح، وهو صوت الضعفاء الذي لا يملك أن يدعم مصر حتى تكون قادرة على فتح معبر رفح لإدخال الطعام والماء والحليب والوقود والدواء إلى غزة.

5) مما تردد كثيرًا على ألسنة حُكام العرب والمُسلمين في هذه الأيام هو مُصطلح “محكمة الجنايات الدولية”، فقد ردد هذا المُصطلح الكثير من هؤلاء الحُكام، وباتوا يُطالبون برفع شكوى إلى هذه المحكمة تطالب بمُحاكمة كل من تسبب بإيقاع الكارثة الإنسانية في غزة، وأنا شخصيًا لا أدري كم هي المرات التي توجه بها حُكام العرب والمُسلمين إلى هذه المحكمة ثم أنصفتهم في قرارتها، وإن كان قد صدر عنها بضع قرارات أنصفت هؤلاء الحُكام، فلا أدري كم هو عدد هذه القرارات المُنصفة التي تم تنفيذها، والتي أدّت إلى إعادة الحقوق وإنصاف المظلومين ومُعاقبة الظالمين!!، ومع ذلك لا يزال هناك إلحاح عند الكثير من حُكام العرب والمُسلمين للتوجه إلى هذه المحكمة!!، فهل نسي هؤلاء الحُكام أنه لا يمكن فرض تنفيذ قرارات هذه المحكمة إلا على الدول الضعيفة مثل الدول العربية والمُسلمة!!، فماذا ينتظر حُكام العرب والمُسلمين؟!، هل ينتظرون أن يجنوا من الشوك العنب؟! وهل ينتظرون أن يسقوا الأمة المُسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني من سراب؟! يا لهذا الارتباك المُخجل الذي لا يزال يكشف لكل ظالم ومظلوم: ما معنى أن يكون صوتك صوت الضعفاء.

6) وهكذا ستظل الأمة المُسلمة والعالم العربي مُستنزفين في وجودهما وثرواتهما وكرامتهما وحاضرهما ومستقبلهما حتى تتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن مُلئت ظلمًا وجورا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى