أخبار رئيسيةمقالات

القضية الحيّة لا تموت

ساهر غزاوي

كثيرون تحدثوا خلال خريف وشتاء 2023 عن أحداث الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي اندلعت يوم السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي على أنها أحداث أعادت قضية فلسطين إلى المشهد السياسي بقوة وإلى الصدارة وإلى سلم أجندات المجتمع الدولي من جديد بعد أن كانت في أدنى سلم اهتمامات المجتمع العربي والدولي، وبعد أن كانت خطى قطار التطبيع العربي الإسرائيلي تتسارع لتصفية قضية فلسطين تحت أسماء وعناوين تطبيعيه والتي كان أبرزها ما يسمى “اتفاقيات إبراهيم”.

“اتفاقيات إبراهيم” هذه التي طبَّعت من خلالها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقاتها مع إسرائيل، هي الاتفاقية التي أشاد بها نتانياهو أمام الجمعية للأمم المتحدة واعتبرها بـ “العهد الجديد للسلام”، وهي الاتفاقية التي بموجبها يُترك الفلسطينيون خارج المعادلة، وهي الاتفاقية التي لم يُعقها توسيع المستوطنات في الضفة ولا التمسك بـ “خيار السلام مع إسرائيل وفق مبادرة السلام العربية، وبعد تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، ولا “الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967”. نعم هي الاتفاقية التي لم يُعقها أي شيء مما ذكر وغير ذلك من أجل حسم الصراع من خلال تصفية قضية فلسطين عبر المضي في “قطار التطبيع” لصناعة شرق أوسط جديد بتخطيط ورعاية أميركية على المقاس الإسرائيلي.

رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الأمير تركي الفيصل هو الآخر يضم صوته إلى الأصوات التي تحدثت عن عودة قضية فلسطين إلى الصدارة نتيجة عملية “طوفان الأقصى”، وهو الذي اعتبر في تصريح له خلال مشاركته بحوار المنامة في البحرين أن من أبرز تداعيات عملية “طوفان الأقصى”، ومن جملة ما قاله: “القضية الفلسطينية حية ولم تمت، كما ادعى البعض خلال السنوات الماضية أن فلسطين هذه شيء أصبح منسيا ولا يوجد اهتمام به”. وبالمناسبة، هذا التصريح وما يحوي من مضامين ودلالات مهمة جدًا، قد أثار الرأي العام والتفاعل الواسع بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس هذا وحسب، بل إنه يكتسب أهمية أكثر من أي تصريح آخر كونه يصدر من شخص صاحب مكانة رفيعة في النظام السعودي الحاكم والعائلة المالكة التي كانت على أهبة الاستعداد لركوب “قطار التطبيع” علانية ولو على حساب تصفية قضية فلسطين التي باتت “قضية ميتة ولا يمكن أن تحيا من جديد”، بنظرهم وبنظر الأقلام والحناجر المشبوهة التي أطلق أمامها النظام العنان للطعن والتسفيه بقضية فلسطين وعدالتها.

أؤكد هنا على ما قلته سابقًا، أن هذه التصريحات وخاصة عندما تصدر من رؤساء وممثلي دول وهيئات رسمية، من شأنها أن تعزز التعاطف الكبير مع الفلسطينيين أصحاب القضية العادلة ومن شأنها أن تدعم المظاهرات الشعبية المؤيدة للفلسطينيين خاصة في المدن والعواصم الغربية التي في نهاية المطاف ستصب في صالح القضية الفلسطينية وتقوي من شوكة الفلسطينيين في معركة الوعي والرواية المحتدمة بين إسرائيل والفلسطينيين.

لقد غدت قضية فلسطين في الفترة الأخيرة تحظى بزخم غير مسبوق وغدت قضية العالم الأولى ولديها ما يكفي من الطاقة والقدرة لإشغال العالم العربي والغربي فيها، وإذا كان العالم الغربي الذي تبنى طيلة عقود طويلة موقف الحريص على منح إسرائيل الدعم والرعاية والتأييد بالرغم مما ترتكبه من حرب إبادة ومجازر دامية بحق الفلسطينيين، محاولًا فصل قضية فلسطين عن القيم والمثل الإنسانية والأخلاقية، فإن الكثير من أنظمة العالم العربي الرسمية تبنت منذ أكثر من سبعة عقود في تعاملها مع قضية فلسطين موقف التخاذل، وفي أحسن الأحوال موقف رفع العتب وامتصاص ما يمكن امتصاصه من الغضب الشعبي العربي والإسلامي، وفي كل محطة من محطات الصراع القائم على أرض فلسطين تُبرز لنا الأنظمة العربية الرسمية حضيضًا جديدًا ومواقف تزداد تراجعًا وبؤسًا، فأي بؤس أكثر من أن الدول العربية لم تستطع كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا وحتى أنها لم تستطع إدخال شاحنات الإغاثة والمساعدات الإنسانية عبر معبر رفح الذي تسيطر عليه مصر “العروبة” لإنقاذ أهل غزة من الكارثة الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية!!.

ختامًا، إنّ قضية فلسطين أصبحت في الفترة الأخيرة هي المحور الذي يدور حوله كل اهتمام العالم بصورة غير مسبوقة، وتشهد العديد من البيئات الغربية صعودًا ملحوظًا وجارفًا في تعبيرات تأييد حقوق الشعب الفلسطيني ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي وحملة الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب في قطاع غزة خلال الربع الأخير من عام 2023. ويبقى السؤال المهم هنا: لماذا لم تستطع شعوب الدول العربية حتى الآن أن تصل إلى مستوى شعوب الدول الغربية في تحركاتها في الشوارع وفي مظاهراتها الضخمة الداعمة والمؤيدة للفلسطينيين وتصل إلى الحالة الجماهرية العارمة في العواصم والمدن الغربية التي فرضت نفسها بالقوة بالرغم من ما واجهته من ضغوط معنوية وإعلامية وأمنية شديدة إلى درجة الحظر الشامل في بعض ألاماكن التي استطاعت أن تكسر أي مسعى يقيد التعبير المؤيِد للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى