الراحل حسين طه.. الطبيب الذي خدم مجتمعه وأحبه كلَ من عرفه
ساهر غزاوي
ألقى خبر وفاة الطبيب حسين نايف طه (52 عاما) من قرية كفر كنا، بظلال حزينة على بلده وكل من عرف الراحل، نعاه محبوه من البلدة وخارجها، وكتبت في خصاله وصفاته منشورات النعي في مواقع التواصل الاجتماعي وتقاطر الآلاف لعزاء أهله والترحم عليه.
وتوفي الراحل طه الثلاثاء الماضي، إثر مرض عضال ألم به، وشيعت جماهير غفيرة من مختلف البلدات العربية في الداخل الفلسطيني جثمانه من بيته في كفركنا، إلى مسجد عمر بن الخطاب، ووري الثرى بعد ذلك في مقبرة القرية.
وترك الراحل خلفه زوجة صابرة محتسبة، وأربعة أبناء (ثلاثة أولاد وبنت)، البكر حمزة (24 عاما)، يدرس الطب في رومانيا وهو في السنة السادسة، والابنة غدير (20 عاما) وتدرس كذلك الطب في جامعة النجاح بنابلس، ونور (13 عاما) في الصف الثامن، وعمرو (12 عاما) في الصف السابع.
موقع “موطني 48″، التقى بعدد من الشخصيات التي ارتبطت بعلاقة الصداقة والأخوة مع الراحل، وتحدثوا عن صفاته ومناقبه العديدة.
شابا محبا لدينه ودعوته
الشيخ كمال خطيب، إمام مسجد عمر في كفركنا، قال: “قبل أيام رحل عنا إلى دار الأخرة أخ عزيز، شاب من شباب مجتمعنا الذين نفتخر بهم، حسين طه (أبو حمزة)، حسين قبل أن يكون الطبيب الماهر، كان إنسانا خيّرا ورجلا خلوقا، وصاحب الدين والشاب الذي نشأ في طاعة الله وتعلق قلبه بالمساجد منذ نعومة أظافره، عرفناه قبل أن يسافر إلى المانيا شابا ورعا محبا لدينة ودعوته، وكذلك كان هناك، ولما رجع كان الطبيب المتميز الذي أحبه كل من عرفه”.
وتابع: “كانت وفاته، رحمه الله تعالى، خسارة لمجتمعة ودعوته، لكن ديننا علمنا أن يكون تفاعلنا مع المصاب بصبر واحتساب وقوله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)، ورغم البلاء والمرض الذي نزل بفقيدنا، لكن هذا لم لم يمنعه من مداومة التردد على المسجد، والمواظبة على تلاوة القرآن الكريم حتى في النزع الأخير”.

وأضاف الشيخ كمال: “حسين (أبو حمزة) خدم المجتمع وأنشأ أسرة مباركة، وكان في كل خطوة يخطوها ينطلق من إيمانه وتدينه، في حياته كان دعوة نابضة بالحب والصدق وفي مماته كذلك كان دعوة بخلقه وصبره على الابتلاء”.
وختم قائلاً: “عزاؤنا أن أبا حمزة هو نموذج لمجتمعنا وشبابنا، على أمل أن يخلفنا الله بأبنائه خيرا، كان فقيدنا حسين ابن المشروع الإسلامي وصاحب الهوية الدينية التي لم يتنازل عنها لا هنا في بلده، ولا لما سافر إلى بلاد الغربة المانيا، وقناعتنا أن المرحوم حمل معه زادا طيبا إلى لقاء ربه، نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياه على حوض حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن يخلفنا فيه خيرا”.
ترك إرثا طيبا
شقيق المرحوم الأكبر، الأستاذ محمد طه، والذي فقد قبل ثلاث سنوات ابنه في حادث طرق مروع، بدا محتسبا وصابرا، وقال: “قبل أن يكون أخي حسين طبيبا، كان إنسانا يتميز بالخلق الحسن، وقد ترجم هذا النبل والخلق في تعامله مع أسرته وأولاده وأقربائه وأبناء بلدته ومجتمعه، كان شخصا ودوداً يحب الخير للناس، يمد يد العون دون أي مقابل، يساعد بالسر وليس بالعلن، وهذا ما أكده المعزون فيه من مختلف البلدات العربية”.
وأضاف: “تربى المرحوم أخي على الخلق الحسن والمبادئ الإسلامية، منذ أن كان صغيرا وقد شبّ على ذلك وكانت علاقته بأسرته علاقة وطيدة تكتنفها الرحمة والمودة، إن كان مع زوجته أو مع أولاده، وكنت أراه كيف يداعب أولاده الصغار وكيف كان يتكلم بطريقة حضارية مع زوجته ويتكلم بطريقة سلسلة ومقنعة مع أولاده، والحمد لله فقد أثمرت هذه العلاقة الوطيدة والمقدسة والطيبة، ثمرة طيبة مباركة من أبناء خلوقين ومتميزين في تعليمهم”، وتابع: “كان يقول إن أهم مشروع هو مشروع بناء الأسرة ومشروع بناء الأولاد وقد ترك إرثا طيبا مباركا، وإن شاء الله سأكون سندا لأبناء أخي لنتابع المسيرة والمشوار”.

وشكر الأستاذ محمد طه جميع المعزين للعائلة في مصابها وختم قائلا: “لقد أثلجت هذه الوفود، التي قدمت لتعزيتنا، صدورنا، وشعرنا براحة كبيرة، وهو ما يؤكد أن الترابط والمحبة بين أبناء المجتمع الواحد، يشكل حاضنة وحصانة ويخفف كثيرا من حجم الفاجعة في مثل هذه الظروف”.
سأسير على دربه
من جهته، ذكر حمزة طه نجل المرحوم أن والده كان انسانا عطوفا وحنونا ومتسامحا داخل البيت “دائما يحثنا على الصلاة والاحترام وبر الوالدين ويحثنا كثيرا على التعليم وانا اقتديت به وسافرت إلى الخارج لأتعلم مثله الطب لأنه حببه إلي”، مضيفا: “استقبل والدي برحابة صدر وساهم بمساعدة الكثيرين، هناك قصص كثيرة عن خلقه هذا، لم نكن نعلم بها إلا بعد وفاته وسمعنا عنها في بيت العزاء، لكنني لم أستغرب لأني أعرف والدي جيدا وأعرف مدى رحمته بالناس وعطائه الكبير، سأسير على دربه وأحمل اسمه وأرفعه عاليا مثلما رفع رأسنا عاليا بين الناس”.

بصمات عديدة في مشاريع الخير
الشيخ جلال زعبي، إمام مسجد عثمان بن عفان، والذي ارتاده الراحل لسنوات طويلة، ذكر أن الدكتور حسين “يُشهد له بالمداومة على العبادات، وكان يجلس الساعات الطويلة معتكفا ليقرأ من كتاب الله ،ويصلي الفجر جماعة ثم يمكث حتى وقت الضحى، متعلقا بكتاب الله، وكان له أوراد يحافظ عليها: سواء ورده اليومي من القرآن، أو من الاذكار، أحبه أهل هذا المسجد لعلاقته الطيبة معهم، كان له بصمات كثيرة في مشاريع خيرية إن كان على مستوى المسجد أو على مستوى دعم الأيتام ودعم المؤسسات من ماله، وكان له بصمات طيبة على إخواننا المرضى من الضفة والقطاع الذين كانوا يأتون الى المستشفيات بالداخل فكان يعينهم من خلال تعيين أدوار ومن خلال إحضار الأدوية اللازمة لهم ومن خلال تخفيف معاناتهم”.

وأضاف: “عرفته منذ أن جئت إلى هذا المسجد كإمام سنة 1999 وكانت عودته في سنة 2000 بعد أن حصل على شهادة الطب في المانيا، ومنذ ذلك الوقت ارتاد المسجد وحافظ على صلاة الفجر إلى لحظاته الأخيرة، حيث أقعده المرض، وقد قدّر الله أن أكون معه في ساعاته الأخيرة، جئت لمواساته والتخفيف عنه، فوجدته بحمد الله تعالى، ثابتا على ذكر الله”.
علاقة طيبة بالجميع
الدكتور حسن مقاري (طبيب أطفال) قال متأثرا على فراق زميله: “من الصعب الحديث عن الدكتور حسين، معرفتي بالأخ والحبيب بدأت أيام المدرسة وكان يكبرني بسنة وتربطنا علاقة من تلك الأيام واستمرت حتى بعد ذهابه إلى دراسة الطب في المانيا، وأنا ذهبت إلى إيطاليا وطوال الوقت كنا نتواصل مع بعضنا البعض واستمرت العلاقة حتى بعد التخرج والدكتور حسين تخصص بالأمراض الباطنية وأنا طبيب أطفال، أي إنسان عرف الدكتور حسين عرفه كإنسان وطبيب، ولا أعتقد أنه في يوم من الأيام أساء إلى إنسان أو أغضبه، كانت علاقته طيبة بجميع الأطباء والممرضين، كان يهب لعلاج أي مريض حتى لو لم يكن مسجّلا”.

نافعا في حياته وفي موته
أمّا الدكتور يوسف عواودة -محاضر جامعي- فقال: “عرفت الدكتور حسين مبتسما شاكرا في حياته وعرفته محتسبا صابرا في مرضه، كان نافعا في حياته ونافعا في موته، كان في موته رسالة بالغة لنا جميعا قدمها لنا، الرسالة تقول: من يريد أن يبقى له أثر طيب في هذه الحياة عليه أن يقدم لما بعد الموت، الدكتور حسين قدم لأهله كل الخير، أحب مجتمعه فأحبوه، نفعهم وقدم لهم النموذج الخيّر كانسان مؤمن عامل صابر، لذلك ترى الجميع يشهد له بالخير، أسال الله ان يوفق شباب هذا البلد وشباب مجتمعنا في الداخل الفلسطيني في أن نسير على درب الدكتور حسين وكل فاعل خير، رحم الله الدكتور حسين وإنا لله وإنا اليه راجعون”.

