أخبار رئيسيةمقالات

معركة الوعي (182) مستقبل نتنياهو بين حرب بلا نتائج وهدنة طويلة المدى

حامد اغبارية

لا أحد يعرف تحديدا على أية صورة ستنتهي هذه الحرب الجارية فوق سماء غزة، ولا يُعرَف من هو الطرف الذي سيخرج منها وقد سجل انتصارا ساحقا لا يشكك أحدٌ في تفاصيله. غير أن هناك شبه إجماع على قضية واحدة لها علاقة بهذه الحرب: مستقبل حكومة نتنياهو الأشد تطرفا في تاريخ المؤسسة الإسرائيلية، ومستقبل نتنياهو الشخصي، الذي يردد كثيرٌ من المحللين الإسرائيليين أنه يفعل كل ما يفعل ليس لحماية دولته وشعبه، وإنما لحماية نفسه وضمان مستقبله السياسي.

ويمكن لأي قارئ للحدث أن يقرأ على وجه نتنياهو (ورفاقه) علامات القلق الشديد. وهي علامات قد يقول قائل إنها تعكس ما يجري على الأرض في المعركة، وقد يكون هذا صحيحا، ولكنه يعكس أكثر القلق مما سيجري بعد أن تضع الحربُ أوزارها. فالزلزال السياسي الذي يتوقع كثيرون حدوثَه بعد الحرب لا يقلّ أثرا ووقعًا من الزلزال الذي استيقظ عليه الإسرائيليون صبيحة السابع من تشرين الأول الماضي. هذا مع إدراك كثيرين من الإسرائيليين أنهم سيجدون أنفسهم أمام موجات زلزالية ارتدادية لها علاقة بمجريات الحرب لم يتحدث عنها أحد حتى الآن لأنها ما تزال ضمن أسرار الحرب التي لا يمكن الحديثُ عنها.

قبل السابع من تشرين الأول، وقبل هذه الحرب المجنونة الجارية الآن، كان الشارع الإسرائيلي يعيش حالةً من التفكك والصدام جراء سياسات حكومة نتنياهو المتعلقة بمستقبل نظام الحكم والعلاقة بين سلطاته الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية. وكان أكثرُ الحديث يدور حول سلوك نتنياهو والذي ملخّصُه أنه لا يهمه شيء من حاضر دولته ولا مستقبلها بقدر ما يهمه مستقبله الشخصي ومصيره السياسي. ومثلما ناور طوال تلك الفترة السابقة للحرب الحالية لإطالة أمد الصدام الداخلي كي يمنع الوصول إلى اللحظة التي سيقف فيها أمام الحقيقة وأمام القضاء، فإنه- كما يبدو للكثيرين- يناورُ الآن ويبذل كل وسيلة لإطالة أمد الحرب الجارية لإبعاد شبح لحظة الحقيقة القادمة لا محالة، والتي سيكون هو شخصيا أول من يدفع ثمنها. يفعل نتنياهو ذلك ومِنْ خلفه تلك المجموعة التي توفر له كل المخارج الممكنة، دون الالتفات إلى آثار حربه المدمرة التي يرى العالم كله دون استثناء أن الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين هو ضحاياها، ودون الالتفات إلى أن أكثر من مليوني فلسطيني مهددون بآثار وتداعيات كارثية من أمراض وأوبئة وجوع وعطش وحرمان من أدنى أدنى مقومات الحياة.

وكما نعلم، ويعلم كثيرون، فإن ما يجري خلف الكواليس أكثر بكثير مما نراه على الشاشات المضرجة بالدماء. ولعله مما يجري وراء هذه الكواليس، كما جرت تفاصيل صفقة التبادل الحالية، أن نتنياهو يسعى حثيثا للنزول عن الشجرة العالية التي تسلقها بأقل ما يمكن من أضرار وأثمان، على مستوى الدولة وعلى المستوى الشخصي، بعد أن قاربت هذه الحرب الجارية، بين رابع أكبر قوة عسكرية وبين تنظيمات لا تكاد تملك شيئا، على إنهاء شهرها الثاني، دون أن يرى الإسرائيلي العادي أن هناك علامات وإشارات تقرّبه مما وعد به نتنياهو وقادة جيشه من تدمير حركة حماس واستعادة الرهائن بقوة السلاح.

ظنّي أن البحث جارٍ الآن عن صورةٍ ما تمنح نتنياهو مخرجا لإنهاء هذه الحرب دون أن يكون الثمن الذي سيدفعه أمام شعبه باهظا.

لا… لن تتوقف الحرب فورا، بل ستتواصل حاليا. ولكنها بعد الصفقة التي عقدت حاليا وبدأ تنفيذها، ستكون بوتيرة أقل حدّة، لأن هناك صفقات أخرى يجري الإعداد لها، ربما هي التي ستشكل جزءا من المخرج الذي يبحث عنه نتنياهو. ولكنها ليست هي التي ستمكنه من النجاة بجلده. هي فقط ستوفر له نافذه أوسع لمخاطبة شعبه بأنه أعاد الأسرى “كما وعدهم”؛ بغض النظر عن الثمن المدفوع، والذي أوّلُه تبييض السجون الإسرائيلية وليس آخره تحقيق الأهداف المعلنة للحرب.

وبوسعك أن تتخيل المشهد على حقيقته: جيش يملك كل الإمكانيات والإمكانات العسكرية يشن حربا على تنظيمات عسكرية تستخدم أسلوب حرب العصابات، لا يراها أحد، ولا يعرف ماذا تملك ولا كيف تقاتل وكم تملك من مقومات الصمود. هذا يعني أن هناك طرفين للحرب، وطالما أن الأمر كذلك فإنك إذا سألت أي خبير عسكري سيقول لك إن تحقيق الهدف يبدو مستحيلا، ولو فرضنا إمكانية حدوثه فإن ذلك سيحتاج إلى سنوات، مع العلم أن حماس فكرة وليست مجرد تنظيم عسكري.

أمام الضغط الشعبي الإسرائيلي المطالِب بإعادة أسراه، دون أن يلتفت للطريقة التي سيتحقق ذلك بها، وأمام مشاهد الدمار وعشرات آلاف الضحايا في غزة، وأمام الضغط الشعبي العالمي، حتى في عُقر دار الدول التي تدعم حكوماتها وإعلامُها تل أبيب دون تحفظ، فإنه من المستحيل أن يستمر المشهد الحربي كما هو الآن، ولا بدّ أن تأتي لحظة يتوقف فيها كل شيء. وكما يرى محللون غربيون كُثرٌ، ومعهم إسرائيليون، وخبراء عسكريون في أرجاء المعمورة، فإن تغيير الوضع في غزة يستحيل تحقيقه بالقوة العسكرية. أما تحقيق الأمن للإسرائيلي، وهو عمليا ما يبحث عنه كل فرد من الإسرائيليين، دون أن يسأل كيف ولماذا، فهو ممكن في حالة واحدة: هدنة طويلة الأمد مع غزة لخمس سنوات أو عشر سنوات. فهل هذا ما يجري بحثه الآن خلف كواليس السياسة الدولية والعربية والإسلامية؟

كانت حركة حماس قد عرضت هذه المسألة أكثر من مرة في سنوات ومواجهات سابقة، ولكن الجانب الإسرائيلي كان يرفضها دائما، لكن الظروف هذه المرة مختلفة، فما قبل السابع من تشرين الأول ليس كما بعده. هذا يعرفه نتنياهو كما يعرفه الجميع. ويبدو لي أنه إذا ما تواصلت الحرب بضعة أسابيع أخرى دون أن يتحقق على الأرض شيء مما أعلنه نتنياهو، فإنه سيجد نفسه مضطرا للقبول بهدنة تمتد لسنوات، ليرجع إلى شعبه من هذه الحرب وقد “حقق لهم الأمن” وأبعد عنهم شبح حماس لسنوات قادمة.
قد يحدث هذا، ولكن هل سيشفع لنتنياهو ويفك من حول عنقه حبل المحاسبة القادمة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى