أخبار رئيسيةمقالات

نصر الله المفاوض مع إسرائيل بحرًا والملتزم بـ “قواعد الاشتباك” برًا

الإعلامي أحمد حازم

تعالوا نتحدث عن المواقف الأخيرة لنصر الله ولا سيما خطابه الأخير يوم الجمعة الماضي. بدون شك كل العالم بما في ذلك إسرائيل وقادتها من سياسيين وعسكريين كانوا ينتظرون هذ الخطاب. خرج إلينا ابن الجنوب جغرافيا وابن ايران سياسيا وطائفيا، ليقول كل شيء، ليقول كلامًا إنشائيًا جميلًا، لا يتناسب أبدا مع تصورات كل من انتظر منه شيئًا. فلا إسرائيل كانت تتوقع ذلك ولا العرب كانوا يتوقعون منه هذا الغموض.

من الناحية الفعليّة لم يأتِ نصر الله بجديد. فقد قال ما نعرفه وما شاهدناه على الفضائيات، وما قرأناه لمحلّلين عسكريين واستراتيجيين منذ طوفان السابع من أكتوبر، ونحن، بعد الخطاب بقينا على ما كنّا عليه قبله. لقد عشنا أكثر من ساعة في مشاهدة مشهد مسرحي مع النجم حسن، لم نفهم منه شيئًا، ولذلك نحتاج إلى الاستئناس برأي ليلى عبد اللطيف، لأنها أكثر جدارة منا في العرافة.

لكن هناك رسالة بين السطور أراد نصر الله ايصالها لإسرائيل بأنه لن يدخل الحرب (والمقصود هنا بشكل أوسع وأكبر). إلاّ أن نصر الله حذَّر اسرائيل من أنها “سترتكب أكبر حماقة إذا هاجمت لبنان، وأن التصعيد على الحدود مرهون بسلوك إسرائيل تجاه لبنان وأن كل الخيارات مطروحة ويمكن الذهاب إليها في أي وقت”. فردّ عليه نتنياهو قائلا: “أي خطأ سيكلفك ثمنا لا يمكنك حتى تخيله”. حتى في التصريحات يلتزم نتنياهو ونصر الله بمبدأ “قواعد الاشتباك”.

أقولها صراحة إنَّ المصالح هي التي تتحكم بالسياسة، والعاقل هو الذي يحلل بحكمة. كثيرا ما يصرّح نصر الله بأنه ضد المفاوضات مع إسرائيل، وهذا طبعا كذب. ونتنياهو ليس الوحيد الذي يكذب. كيف يمكن أن يكون نصر الله ضد المفاوضات مع إسرائيل وهو الذي قاد المفاوضات معها بشأن ترسيم الحدود البحرية ونقاط استخراج النفط من البحر؟

اسمعوا ما كتبه المحلل السياسي والنائب اللبناني السابق جان عزيز مستشهدًا بأقوال نتنياهو: “قبل سنة واحدة بالتمام، تخلى نصر الله عن مساحة بحرية توازي 4 أضعاف غزّة، أو 40 ضعف مزارع شبعا، صحيح أنّها مساحة مائية لا بشر فيها لكنّ فيها ثروة تقدَّر بالمليارات، قدّموها لنا مجّانًا واحتفلوا بذلك، حتى إنّنا سجّلنا الأمر في الأمم المتحدة اتفاقية دولية حدودية وتجارية بين دولتَيْنا. نعم بين إسرائيل ولبنان. وسكتوا كلّهم. حكّام بيروت وحزب الله وقيادته لم ينبسوا بحرف. أكثر من ذلك أقول لكم، ما زال ممثلنا الذي أنجز الصفقة يومها، على اتصال يوميّ مع طرفهم، والبيزنس شغّال. فكيف يشنّون حربًا ضدّنا؟”.

مفاوضات الفلسطينيين مع إسرائيل يعتبرها نصر الله خيانة، لكن مفاوضات لبنان مع إسرائيل حول استخراج الغاز من حقل كاريش البحري والمفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما، والتي جرت بموافقة تامة وإشراف من جانب حزب الله، يعتبرها حسن نصر الله “إنجازا”. حتى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية في تلك الفترة يائير لابيد اعتبر اتفاق ترسيم الحدود بمثابة اعتراف من لبنان بإسرائيل.

يرى الرئيس السابق لقسم الاستخبارات في جهاز الموساد، زوهر فالتي في حديث للقناة 12 العبرية، أن هناك ميلا إلى إعطاء أهمية لمصداقية نصر الله “الذي يشنّ في خطابه حربا نفسية ضد إسرائيل، وحتى ضد أميركا، وكل من يدعم إسرائيل في الشرق الأوسط”. ويقول في حديثه: “ان نصر الله يتصرف من منطلق مسؤولية تجاه لبنان، ولا يريد تكرار سيناريو حرب 2006، خاصة وهو يرى النفوذ الإستراتيجي للولايات المتحدة، وجيشها في الحرب على غزة”.

وماذا عن الرأي الفلسطيني في الخطاب؟ الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني توفيق شومان يرى أنَّ أهمية الخطاب تكمن بانطلاقه من عدم علمه المسبق بعملية “طوفان الأقصى” بمعنى أنها رسالة لإسرائيل لتبرئة حزب الله مما جرى في السابع من أكتوبر. أمّا الناطق الإعلامي لحركة فتح منير الجاغوب فقد اعتبر في تغريدة له على منصة “إكس” (تويتر سابقا) أن نصر الله “ربما خسر مشاعر الحماسة وأنه اختار شعبه وأمن لبنان بعد ضغط داخلي وقرار إيران ألا تكون جزءا من هذه الحرب”.

وأخيرًا…
إذًا نحن أمام ميدالية وجهها الأول نصر الله المفاوض ووجها الثاني حسن الآخر الملتزم بقواعد الاشتباك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى