أخبار رئيسية إضافيةمقالات

تبعات “أوسلو” على فلسطينيي الداخل

ساهر غزاوي

ليست المسألة في التواريخ والأشهر والسنوات، وما حمله شهر أيلول/ سبتمبر من أحداث مأساوية على الشعب الفلسطيني، حُفرت في ذاكرة تاريخ ومسيرة الشعب الفلسطيني وتسببت بجروح أدمت وجدان الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومناصري الحق الفلسطيني في كل مكان، حملته أيضًا باقي أشهر السنة على مدار عقود طويلة، فكل شهر فيه حكاية ومعاناة ومآسي وفيه محطات مظلمة وأخرى مضيئة مشرقة.

شهر أيلول الذي بات يعرف فلسطينيًا بـ “أيلول الأسود” نسبة للأحداث التي اندلعت عام 1970 بين القوات المسلحة الأردنية ومسلحين فلسطينيين في الأردن، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى، وتواصل الصراع حتى يوليو/تموز عام 1971، حمل أيضًا على مدى الزمن بين طياته وقائع كبيرة وأحداث مفصلية بين مرحلة وأخرى التي ساهمت في تغيير مسار الأحداث كليًا على مستوى الصراع على أرض فلسطين، كمجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، وتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وهبًة الفلسطينيين لرفض افتتاح نفق تحت المسجد الأقصى عام 1996، واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي بضغط المقاومة من أول أرض فلسطينية محتلة (قطاع غزة) عام 2005، وهذا الانسحاب يعتبر من المحطات المضيئة في مسيرة الشعب الفلسطيني.

وفيما يخص الفلسطينيين في مناطق الـ 48، كونهم جزءًا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، سأتوقف هنا على عجالة عند اتفاقية أوسلو- ما يسمى “مفاوضات السلام”- التي وقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية والجانب الإسرائيلي في 13/9/1993. هذه الاتفاقية التي مر ثلاثين عامًا على توقيعها، تضمنت اعتراف الجانب الإسرائيلي بالمنظمة بأنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، واعتراف منظمة التحرير بإسرائيل على 78% من أراضي فلسطين، أي كل فلسطين ما عدا الضفة وغزة.

لقد عملت اتفاقية أوسلو على إقصاء وإهمال فلسطينيي الداخل وابقائهم خارج المعادلة- كما كانوا قبل الاتفاقية- على اعتبار أن مصير الفلسطينيين في الداخل، سيتقرر في سياق مكانتهم كمواطنين إسرائيليين ولن يكونوا طرفًا في أي حل دائم للصراع، فضلًا أن اتفاقية أوسلو تُلغي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بيوتهم.

وإلى جانب أن الشعب الفلسطيني في الداخل قد تشكل مجتمعه على هامش المجتمع الإسرائيلي، واعتبر مواطنوه من الدرجة الثانية والثالثة، وعانوا وما يزالون من سياسات تمييز واضحة تمارسها السلطات الإسرائيلية ضد هذا الشعب في مجالات مختلفة، فإن مكانة الفلسطينيين في الداخل ومصيرهم ووضعيتهم السياسية بقيت في حالة من الهامشية على مستوى الحركة الوطنية الفلسطينية وبقيت حلقة ناقصة في مسار مفاوضات يفترض أن يؤدي إلى حل ما يسمى “القضية الفلسطينية”، ولم يعتبر فلسطينيو الداخل- قبل اتفاقية أوسلو وبعدها- جزءًا من “القضية الفلسطينية”، ولم يتم إدراجهم في البرنامج الوطني والمشروع السياسي الفلسطيني، وتم استثناؤهم من نقاشات ومؤتمرات وندوات المستقبل الفلسطيني، عدا عن بعض الشعارات العامة التي تتحدث عن صمودهم وتجذرهم، وأنهم جزء من الشعب الفلسطيني تاريخيًا.

من الناحية العملية فإن من أهداف اتفاقية أوسلو عزل  فلسطينيي الداخل عن الحالة الوطنية الفلسطينية العامة ودفعهم للانكفاء المحلي لسياستهم وإيلاء قضاياهم الداخلية أهمية خاصة، وبذلك تسهم “أوسلو” في تعزيز بذور “الأسرلة” لدى فلسطينيي الداخل وتدفعهم للهرولة نحو مشاريع التدجين والاندماج بمسمياتها المختلفة، وهذا ما تصبو إسرائيل للوصول إليه عبر عقود طويلة من خلال جملة من السياسات العنصرية الهادفة أساسًا إلى التضييق على هؤلاء الفلسطينيين من أجل إجبارهم على الاستسلام للأمر الواقع والركوع سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا للهوية الإسرائيلية كونهم جزءًا من الشعب الفلسطيني بعامة، كما أنهم جزءًا من الأمتين العربية والإسلامية، من حيث الانتماء والحضارة والثقافة والدين، لا سيّما وأن فلسطينيي الداخل يشكلون معضلة للجانب الإسرائيلي ضمن الصيغ السياسية التي تقترح لحل الصراع على أرض فلسطين.

من المهم الإشارة هنا أن هناك من الأحزاب والحركات السياسية في الداخل الفلسطيني أيّدت ودعمت اتفاقية أوسلو، بغض النظر عن إدراكهم أو عدم إدراكهم لتبعات هذه الاتفاقية على الفلسطينيين في الداخل وعلى ظروفهم ومكانتهم السياسية والقانونية، مثل: الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحزب الديمقراطي العربي والحركة الإسلامية الجنوبية الممثلة في الكنيست، بينما أدّت الحركة الإسلامية (المحظورة) وحركة أبناء البلد وأوساط ثقافية ووطنية أخرى دورًا مركزيًا في رفض ونقد اتفاقية أوسلو.

وبالإضافة إلى الموقف الرافض والناقد بشكل واضح لبعض الأجسام السياسية من اتفاقية أوسلو، فإن هذه الأجسام، وخاصة الحركة الإسلامية (المحظورة)، قد أدت دورًا أساسيًا في دعم وتعزيز التواصل بين فلسطينيي 48 وإخوانهم في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك على النقيض تمامًا من مخرجات اتفاقية أوسلو التي تهدف إلى عزل فلسطينيي الداخل عن الحالة الوطنية الفلسطينية العامة، إلى جانب أنها حاولت التأثير المباشر في المشروع الوطنيّ الفلسطيني وعملت دومًا على رفع سقف المطالب الوطنية الفلسطينية في المفاوضات وحاولت منع السلطة الفلسطينية والأطراف العربية الأخرى من أي تراجع وتنازل في القضايا المهمة وبالذات في كل ما يتعلق بمستقبل القدس والمسجد الأقصى.

وردًا على تهميش قضية القدس والأقصى في المفاوضات، وتأجيلها حتى الوضع النهائي، جعلت الحركة الإسلامية قضية القدس والأقصى قضية فلسطينيي الداخل المركزية، وكان هذا الدور الأساسي من أهم الأسباب التي أدت إلى حظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون الإسرائيلي في 17/11/2015، وهذا الحظر ليس بعيدًا عن “بركات” اتفاقية أوسلو على الفلسطينيين في مناطق الـ 48 إن لم يكن من مخرجات هذه الاتفاقية وتبعاتها المباشرة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى