أخبار رئيسيةمقالاتومضات

خلّوا عيونكم ع الأقصى ولا تخذلوه

الشيخ كمال خطيب

 لا أدري هل هو الاعتداد بالقوة وأنهم يملكون أسلحة نووية، أم هو الاعتداد بالنسب وأنهم شعب الله المختار، أم هو الجهل وعمى القلب، أم هو قدر الله عز وجل يريد أن يجريه ويمضيه فيجعل كل ما ذكرت وغيرها أسبابًا تجتمع ليتحقق ذلك الوعد الرباني.

نعم، لا أدري عما يمكن أن يكون سببًا لهذه السياسات المتهورة التي تستهدف المسجد الأقصى المبارك والتي تعد لها الأحزاب والجماعات الدينية اليهودية والتي تحظى بالدعم الكامل والتمويل والحماية من قبل الحكومة الإسرائيلية.

إنها الإعلانات والدعوات التي تملأ وتزدحم بها كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، الصحف والإذاعة والتلفزيون ووسائل التواصل بكافة مسمياتها والتي تدعو لاقتحام المسجد الأقصى المبارك وتدنيسه وإقامة الشعائر الدينية فيه خلال موسم الأعياد القريب، والذي يمتد لثلاثة أسابيع بدءًا من مساء اليوم الجمعة ليلة اليوم الأخير من السنة العبرية، ويوم الأحد اليوم الأول من السنة العبرية الجديدة.

لقد حددوا كل هذه الفترة ضمن حملة إعلامية واسعة لتكون فترة اقتحامات وتدنيس وانتهاك لحرمة مسجدنا الأقصى. فيوم غد وبعد غد 16+17 أيلول حيث عيد رأس السنة العبرية، ويوم الإثنين 25/9 هو يوم ما يسمى عيد الغفران، ويوم 30/9 هو يوم ما يسمى عيد العرش حيث دعيت جموع المستوطنين خاصة والمتدينون اليهود عامة لاستباحة المسجد الأقصى وإقامة الشعائر التوراتية فيه، والنفخ في البوق، والحضور بلباس الكهانة، وتقديم القرابين النباتية (أغصان من شجر الصفصاف وسعف النخيل) في المسجد الأقصى المبارك.

وإن ما حصل في موسم الأعياد الأول في شهر نيسان حيث كان على رأس المقتحمين وزير الشرطة بن غفير، وحيث تم استباق ذلك الموسم بحملة اعتقالات وابعادات عن المسجد الأقصى طالت أعدادًا كبيرة من الشباب المقدسي، ثم التضييق على دخول المسلمين للمسجد الأقصى المبارك. فما حصل في موسم الأعياد الأول هو ما يجري لموسم الأعياد الثاني الذي سيبدأ مساء اليوم، حيث كل هذا الكيد والاعتداء السافر يجري في غمرة موجة تطبيع وتركيع لعرب ومسلمين جدد مع الدولة العبرية التي تمارس حكومتها وقيادتها هذا الاستهداف والكيد للمسجد الأقصى المبارك.

 

المسجد الأقصى، اللذة والنعيم 

ولأن الجهل والغرور وعمى القلب والاعتداد بالقوة والاستخفاف بالمسلمين وغيرها من أسباب تقف خلف هذه الممارسات التي تهيئ كلها لقدر رباني لا بد أن يتحقق {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} آية 7 سورة الإسراء. {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} آية 104 سورة الإسراء. فلأنهم غافلون تحت نشوة وسكرة وصلف وغرور القوة من أنهم بين يدي وعد الآخرة، فإننا نذكرهم، بل ونذكر معهم مسلمين كثيرين عما يعنيه بالنسبة لنا نحن المسلمين المسجد الأقصى المبارك.

كان بشر الحافي رحمه الله يقول: “ما بقي عندي من لذات الدنيا إلّا أن أستلقي على جنبي تحت السماء بجامع بيت المقدس”. وقيل له: “لمَ يفرح الصالحون ببيت المقدس؟ فقال: لأنها تُذهب الهمّ ولا تستعلي النفس بها”.

لا بل إن رسول الله ﷺ قد حدثنا أن مجرد النظر إلى مسجد القدس المسجد الأقصى المبارك، هو كسب عظيم: “وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا”.

ولقد أرّخ المؤرخون والكتاب والحفاظ عن خلجات صدورهم التي كانت تنبض بالشوق لزيارة المسجد الأقصى المبارك بالراحة النفسية والطمأنينة والأنس الذي كانوا يشعرون به ويعيشونه لما يتحقق لهم ذلك. فهذا الحافظ ابن حجر العسقلاني يقول وهو في طريقه إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك:

إلى البيت المقدس جئت أرجو     جنان الخلد نزلًا من كريم 

قطعنا في محبته عقابًا      وما بعد العقاب سوى النعيم

 

المسجد الأقصى حدود حوض المصطفى

يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: “سألت النبي ﷺ أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: أنا فاعل. قلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قال: فإن لم ألقَك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان. قلت: فإن لم ألقَك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن”.

فإذن كان أصحاب رسول الله ﷺ يحرصون على معرفة مكان اللقاء بحبيبهم لتتكحل عيونهم برؤيته يوم القيامة وقد حدد لهم مكان اللقاء، إنه الحوض موعد لقاء الأحباب بعد الفراق، وقد قال لأصحابه من الأنصار: “إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض”. فكيف وأي شعور سيكون لمن لم تكتحل عيناه برؤيته ﷺ في الدنيا ثم يلقاه على الحوض؟!

ولمزيد من التعريف بموعد ومكان ملتقى الأحباب، فإنه ﷺ يزيد من الوصف فيقول: “حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم سماء من شرب منها فلا يظمأ أبدًا”.

ولمزيد من التعريف بموعد مكان اللقاء بين المحبين يقول عليه الصلاة والسلام: “إن لي حوضًا ما بين الكعبة وبيت المقدس أبيض مثل اللبن، آنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة”.

يقول الأستاذ مخلص يحيى برزق في كتابه الرائع -الأقصى قرة عين النبي ﷺ وأمته: والمتأمل لأبعاد هذا الحديث جيدًا سيدرك أن الله تعالى قد اختار أحب الأماكن إلى قلب نبيه ﷺ لتكون حدودًا لحوضه الشريف الكعبة المشرفة من جهة وبيت المقدس من الجهة الآخرى وبينهما يتوسط المسجد النبوي الذي يحوي منبر رسول الله ﷺ كما في حديث “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي” والذي يرابط في بيت المقدس والذي يسعى لنصرته وإعادته للمسلمين عليه أن يجعل نصب عينيه حوض النبي ﷺ لتهون عليه كل التضحيات والآلام، وإنه إنما يدافع عن حق الأمة بركن من أركان حوض نبيها ﷺ”.

وإذا كانت أمنية كل مسلم أن يُسقى ويشرب يوم القيامة من يد رسول الله ﷺ ومن حوضه شربة لا يظمأ بعدها، فإن هناك من سيُحرم هذه الشربة، بل إنه سيبعد ويُطرد عن حوض رسول الله ﷺ رجال من أمته كما ورد في الحديث الشريف: “أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني -أي أبعدوا وطردوا- فأقول: أي ربي أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك”. وفي رواية فأقول: “سحًقا سحقًا لمن غيّر بعدي”.

ولعل من هؤلاء الذين سيطردون من حوض رسول الله ﷺ ليس فقط أصحاب ذنوب عادية، وإنما هم ومنهم الذين غيّروا وبدّلوا وأحدثوا في موقف الأمة من المسجد الأقصى الذي هو حد الحوض الممتد بين مكة والقدس، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى لما زعموا أن لغير المسلمين حق الصلاة فيه كما نصت اتفاقية إبراهيم التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات ودول عربية أخرى، بل الذين زعموا أن المسجد الأقصى ليس هو الذي في القدس وإنما هو هناك في الجعرانة عند الطائف من هرطقات المطبعين وأبواقهم أمثال يوسف زيدان المصري وأسامة يماني العودي وغيرهما. ألا فليعلم هؤلاء أن بإحداثهم هذه الأكاذيب وبترويجهم هذه الافتراءات وبتطبيعهم العلاقات مع من دنسوا ويدنسون المسجد الأقصى خلال الأعياد القادمة، فإنهم سيعاقبون ليس فقط في الدنيا وإنما يوم القيامة بالطرد من حوض رسول الله ﷺ وحرمانهم من أن يشربوا من يده الشريفة.

وإذا كان هؤلاء الذين غيّروا وبدّلوا وأحدثوا وتطاولوا على حق المسلمين في المسجد الأقصى المبارك، وأن حد حوض رسول الله يبلغ المسجد الأقصى، فإن هناك الفئة المؤمنة الثابتة المرابطة الصادقة ممن لا يقرون حقًا لغير المسلمين في المسجد الأقصى، هؤلاء حقًا ويقينًا إن شاء الله، سينالون يوم القيامة شرف الورود على حوضه والشرب من يديه ﷺ الذي قال: “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس”. وفي رواية: “حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قلنا: يا رسول الله أين هم؟ قال: بأكناف بيت المقدس”.

قال الأستاذ مخلص برزق: “إنه المسجد الأقصى وأكنافه المباركة يتكفله الله تعالى بالعناية والحماية بفئة فريدة من نوعها ينبتها إنباتًا كما أشجار الزيتون من حوله، فئة يكلؤها برعايته ويحفظها بحفظه، فلا يقهرهم عدو غاشم متجبر، ولا يضرهم مخالف متآمر، ولا يزعزع أركانهم كثرة المخذلين والمتخاذلين”.

وما أصدق ما قال الشاعر يحيى برزق في مناجاته للقدس والمسجد الأقصى:

تشد الرحال إلى توأميك     وحزنك باد على وجنتيك

فتهمي دموعي على قبتيك     فهل يا ترى من سبيل إليك 

نجيع الشباب يروي ثراك     فأرواحهم أوقفوها عليك 

إليك سرى المصطفى ليلة     وأصحابه الرسل كانوا لديك

وأشتاق أشتاق دومًا إليك      لأنفاس طه زكت خافقيك

لسجدة شكر بيوم انتصار     يزيل قيودًا علت معصميك 

 

ألا لا نامت أعين الجبناء والمنافقين واليائسين

لقد أسرى الله برسوله ﷺ من مكة إلى القدس ومن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في أوج أتون المحنة والبلاء لتكون بشارة لرسول الله ﷺ أن هذا الحال سيتغير وأن دعوتهم ودولتهم ستبلغ إلى المدى الذي تصل فيه بيت المقدس والشام، وهذا ما كان. وفي أوج المحن والبلاءات وتكالب الأعداء، فما أحوج المسلمين للبشريات، وهذا ما كان يوم الخندق كما ورد في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال: “لما كان حين أمرنا رسول الله ﷺ بحفر الخندق وعرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي ﷺ فجاء فأخذ المعول فقال: بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة”.

فإذا كانت هذه البشريات قد زادت من يقين المسلمين وهمتهم، فإن رد المنافقين على ما قاله ﷺ مشينًا ومقيتًا ومشككًا، بل وساخرًا لما قالوا: “يعدنا محمد أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يذهب لحاجته ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا”.

وعلى نفس نهج المنافقين واليائسين يومها، فإنهم المنافقون والجبناء والمهزومون الذين يسخرون ويشككون إذا تحدثنا بلغة الأمل واليقين عن الفرج والنصر وبخلاص بيت المقدس وجمع شمل المسجد الأقصى مع شقيقيه المسجد الحرام ومسجد النبي ﷺ. قال الأستاذ مخلص برزق: “وإنني أكاد أجزم أن بعض المهزومين نفسيًا في زماننا هذا سيختار التشبه بمنافقي يوم الأحزاب، فيقول لنا أنتم تتكلمون عن القدس عاصمة لخلافة طويلة عريضة، ونحن وكل الدول العربية غير قادرين على مفاوضة اليهود على جزء بسيط منها نتخذها عاصمة للدولة الفلسطينية”. لا عجب فالتاريخ يعيد نفسه دون أن تتغير سنن الله الإلهية النافذة”.

إنني والله لكأني أراها رأي العين جموع المسلمين وهي تدخل المسجد الأقصى المبارك يحتشدون فيه مهللين مكبرين ساجدين سجدة الشكر ويصلون صلاة الفتح دون أن يعترضهم على بوابات المسجد الأقصى وجه أغبر غريب.

وإلى أن يكون ذلك، فيا أبناء شعبنا إلى الأقصى شدوا الرحال، لا تتركوا الأقصى وحيدًا وخلّوا عيونكم على الأقصى.

لا عزاء للمحبطين والمتشائمين واليائسين.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى