أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتمقالاتومضات

في ذكرى حريق المسجد الأقصى: وعلى الأقصى تستمر المؤامرة

الشيخ كمال خطيب 

منذ سنوات ومع حلول الصيف وتحديدًا خلال شهري تموز وآب، وحيث تبلغ درجات الحرارة قياسات مرتفعة جدًا، فإننا نسمع عبر نشرات الأخبار وخبراء الطقس والمناخ أن هذه السنة هي الأكثر سخونة من كل من سبقها منذ بداية القياسات العلمية لدرجات الحرارة وتدوينها.

فإذا جاءت السنة التي تليها ومع اشتداد الحرارة، وإذا بنا نقرأ ونسمع أن هذه السنة كانت الأكثر ارتفاعًا في درجات الحرارة، وهكذا في كل سنة فإنهم يسلبون وسام آب اللهاب من تلك السنة ويقلّدونه لأخرى، حتى أنهم وقبل أسبوعين وموجة الحرارة التي ضربت مناطق كثيرة في العالم وصلت إلى 51 درجة في بعض الدول، وحيث سمعنا عن مصطلح علمي جديد هو “القبة الحرارية” فقد تحدث خبراء الأرصاد الجوية أن صيف العام 2023 كان الأكثر حرارة في التاريخ، ومنهم من قال أنه الأكثر حرارة منذ 130 سنة حين بُدئ بالتدوين العلمي لدرجات حرارة الطقس في العالم.

وإذا كانت إمكاناتهم المادية تساعدهم في النجاح بإطفاء الحرائق الكثيرة التي اشتعلت بفعل حرارة الطقس، فإن كل إمكانات الدنيا لن تنجح بطمس آثار محارق كثيرة كانت قد اشتعلت في شهر آب خلال السنوات الماضية. محارق لم تكن ضحاياها الغابات والشجر وإنما كان ضحاياها الإنسان والبشر.

وإذا كانت حرائق الغابات وقعت بفعل حرارة الشمس فإن محارق قد ارتكبها مجرمون وقتلة بحق شعوبهم، وشاهدها بالبث المباشر أدعياء الحرص على الغابات والحياة البرية الذين صمتوا وانخرسوا حتى لكأن الشجر المشتعل فيه النار أغلى من البشر المشتعل فيهم النار.

 

محرقه رابعة القاهرة

في مثل يوم الاثنين الماضي 14/8 وقبل 10 سنوات أي في العام 2013، في تلك السنة كان العالم كله شاهدًا على محرقة ميدان ومسجد رابعة، ارتكبها السفاح والدموي السيسي بحق المعتصمين السلميين الذين كانوا هناك منذ 3/7/2013. اليوم الذي فيه اعتقل وسجن الرئيس الشرعي المنتخب لمصر الشهيد محمد مرسي والذي مات لاحقًا في سجنه يوم 17/6/2019. إنه الاعتصام الذي استمر طوال شهر رمضان، ثم وبعد عيد الفطر بأربعة أيام كانت المجزرة وكانت المحرقة.

نعم لقد كانت مجزرة ومحرقة رابعة بالبث المباشر، حيث كان القنص والقتل والرشاشات من على سطوح المباني المحيطة ومن الطائرات المروحية، ثم قاموا بإشعال النار بالخيام بمن فيها، ثم قامت الجرافات بأخذ كل ما في طريقها، ومن نجا فإنه قد هرب إلى المسجد القريب مسجد رابعة وقد نقلوا إليه جرحاهم وقتلاهم، ولم يشفع لهم أنهم في بيت الله وإذا بجنود السفاح يشعلون النار بالمسجد وبمن فيه من الأحياء والأموات والجرحى.

إنهم آلاف الشهداء من الرجال والنساء والأطفال، إنهم من عامة الناس ومن العلماء والمفكّرين والسياسيين وحفظة القرآن الكريم الذين لم تكن لهم في نظر السيسي إلا خطيئة الوقوف ضد انقلابه والمطالبة بعودة الرئيس المنتخب محمد مرسي، فكان الردّ عليهم بالنار والرصاص، وقد تبين لاحقًا أن تلك المجزرة والمحرقة كانت بدعم وتأييد من أمريكا وإسرائيل ونظام آل سعود ومحمد بن زايد في الإمارات الذين جمع بينهم قاسم مشترك واحد وهو العداء لجماعة الإخوان المسلمين التي كان الشهيد محمد مرسي أحد أبنائها.

عشر سنوات مرّت على محرقة رابعة وما يزال عشرات الآلاف من شرفاء مصر قابعين في سجون السيسي يعانون من محرقة السجون حيث الحر الشديد والاكتظاظ الشديد، وحيث عشرات آلاف المصريين الذين لجأوا إلى كل جهات الدنيا فرارًا من قمع السيسي ودمويته، وحيث الشعب المصري يعيش أسوأ ظروف مرّت به سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا حيث يظن هذا المتألّه والفرعون الصغير أن مصر قد دانت له وإلى الأبد، وقد نسي أن طواغيت وفراعنة كثيرين مرّوا على مصر وقد كانوا أشد منه بطشًا وقد داستهم أقدام المصريين وستدوسه  مثلما داستهم، وعندها سيدرك أنه قد حجز له موضعًا ليس إلا في مزابل التاريخ.

 

محرقة غوطة دمشق

وإذا كنا يوم الاثنين الماضي 14/8 قد عشنا ذكرى محرقة ومجزرة رابعة، فإننا في يوم الاثنين القادم 21/8 سنعيش ذكرى محرقة ومجزرة غوطة دمشق في سوريا عام 2013.

عشر سنوات مرّت على ارتكاب بشار الكيماوي الدموي للمحرقة، لم تستعمل فيها النار وإنما استعملت فيها الغازات الكيماوية السامة ضد أهالي غوطة دمشق وراح ضحيتها أكثر من ستمائة من الرجال والنساء والأطفال ماتوا خنقًا وهم نيام، وقد شاهدتهم الدنيا وهم متناثرون في أفنية بيوتهم مثلما نرى الذباب بعد رشه بالمبيدات الحشرية.

جاءت معركة غوطة دمشق بعد أسبوع من محرقة رابعة القاهرة حيث لم يكن الناس قد خرجوا من صدمة ما فعله السيسي في مصر، وإذا بهم يعيشون على صدمة ما فعله بشار بأهل سوريا.

إنه نفس منطق الطواغيت بشار والسيسي ضد من يخالفهم الرأي، إنه منطق فرعون والنمرود {قَالُواْ حَرّقُوهُ وَانصُرُوَاْ آلِهَتَكُمْ} آية 68 سورة الأنبياء. {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} آية 124 سورة الأعراف. إنه منطق “يا الأسد يا منحرق البلد”.

لقد كشفت محرقة كيماوي غوطة دمشق ارتكبها بشار كذب ونفاق المجتمع الدولي الذي تظاهر بأنه سيعاقب بشار على جريمته، وزعموا أنهم ألزموه بتسليم وإتلاف مخزونه من الكيماوي، وإذا به يعود لاستعماله المرة بعد الأخرى ضد أبناء الشعب السوري، بينما كانت سياسته الحقيقية الإبقاء عليه رغم قتله قريبًا من مليون وتهجيره لقريب من 12 مليون سوري، لا لشيء إلا لأنه الأفضل ليس لشعبه وإنما لإسرائيل وقد قال في ذلك أفيغدور ليبرمان وزير حرب إسرائيل السابق: “إن الجولان سيكون أكثر أمانًا وهدوءًا مع بشار”، وقال نتنياهو: “لم تكن لنا مشكلة مع بشار وأبيه طوال خمسين سنة”.

ليس أن مجزرة ومحرقة غوطة دمشق قد كشفت كذب وتواطؤ المجتمع الدولي مع السفاح في دمشق، بل، إنها كشفت عن زيف ونفاق الزعماء العرب الذين تظاهروا بالغضب عليه والسعي لإسقاطه وإذا بهم يفتحون السفارات لنظامه في بلادهم، بل وإذا به يتصدر اجتماع القمة العربية في السعودية يوم 19/5/2023 ويقف خطيبًا أمام نفس الزعماء.

إنهم تخلوا عن الشعب السوري وتركوه للمذابح والمهاجر والسجون والفقر ليكون ذلك رسالة إلى شعوبهم أن هكذا سيكون مصيركم إذا خرجتم على حكامكم وليس لكم إلا السمع والطاعة والقبول بالأمر الواقع.

وإذا كانت عشر سنوات قد مرّت على محرقتي رابعة القاهرة وغوطة دمشق، وإذا كان بشار قد ظنّ بأن أرض سوريا الشام قد خضعت له فإنه جاهل ومغرور. وإذا كان من ظن أن دماء السوريين ستذهب هدرًا فإنه أحمق، لأن فاتورة حساب بشار لم تسدد ولن تسدد إلا بزوال هذا النظام الطائفي الدموي صاحب التاريخ الطويل في المجازر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مجزرة تل الزعتر 12/8/1976، مجزرة سجن تدمر 27/6/1980، مجزرة حماة 1/2/1982، مجزرة سجن صيدنايا 5/7/2008، مجزرة غوطة دمشق 21/8/2013.

 

حريق المسجد الأقصى

وإذا كان يوم 21/8 هو يوم الذكرى العاشرة لمحرقة الكيماوي في غوطة دمشق، فإن نفس اليوم والتاريخ هو الذكرى الرابعة والخمسين لحريق المسجد الأقصى المبارك يوم 21/8/1969.

إنه الحريق وإنها النار التي أشعلتها يد الحقد الصهيونية في المنبر الحلبي الشامي الذي صنعه حرفيو وصنّاع حلب بأمر من نور الدين زنكي ليقدمه هدية للمسجد الأقصى المبارك في يوم تحريره من الصليبيين. مات نور الدين زنكي دون أن يحقق أمنيته لكن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله قد أكمل المسيرة ونفّذ الوصية بعد معركة حطين في العام 1187.

إن دينيس روهان اليهودي الاسترالي الذي أشعل النار في منبر المسجد الأقصى كان يعلم أن المسلمين يمكن أن يصنعوا منبرًا أجمل وأثمن من ذلك المنبر، وعليه فلم يكن إحراق المنبر هدفًا بحد ذاته وإنما للرمزية التي كان يحملها المنبر. إنه أراد أن يحرق بقايا نخوة وعزة وشموخ في الأمة عاشتها وهي ترى فلول الصليبيين يرحلون عن المسجد الأقصى بعد إذ دنسوه قريبًا من تسعين سنة.

ولقد فهمت غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل يومها مكانة المسجد الأقصى المبارك ومنبره، وفهمت الحال الذي أصبح عليه المسلمون يوم قالت أنها لم تبت ليلتها تلك خوفًا من ردة فعل العرب والمسلمين على حريق المسجد الأقصى، لكنها وما أن سمعت بيانات الشجب والاستنكار حتى اطمأن قلبها وسكن خوفها وهدأ روعها.

وماذا عسى لغولدا مائير أن تسمع وهي التي تعلم أن حاكم مصر يومها جمال عبد الناصر وحاكم سوريا الفعلي يومها حافظ الأسد ما يزالان يلعقان ذلّ الهزيمة ومرارة الذلّ أصابتهما قبل سنتين خلال نكسة 1967، وكيف لأتباع جمال عبد الناصر وحافظ الأسد السيسي وبشار أن ينتصرا للمسجد الأقصى المبارك وأن يطفئا نار الإحتلال الإسرائيلي التي تهدده، وهما اللذان ارتكبا محرقة رابعة القاهرة ومحرقة دمشق.

 

وعلى الأقصى تستمر المؤامرة

يوم 17/5/2019 كتبت مقالة وألقيت خطبة الجمعة فيهما أشرت إلى دلالات ومغازي تكرار إعلاميين سعوديين كان آخرهم وأبرزهم الشيخ عبد الرحمن السديس، بتعريف الملك سلمان بن عبد العزيز بأنه “خادم الحرمين والأقصى” وذلك خلال خطبة جمعة ألقاها في المسجد الحرام.

وقد أشرت وأبديت تخوفًا من دلالات هذا التعريف الجديد وإلى احتمالات أن يكون هذا ضمن توليفات وترتيبات جديدة تجري في المنطقة في ظل حديث كان يومها عن محادثات تطبيع سرية بين إسرائيل ونظام آل سعود يصبح بموجبها لآل سعود سلطة ووصاية على المسجد الأقصى ويتم بذلك سحب البساط من تحت الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى.

يوم الأربعاء 2/8/2023 كانت زيارة مفاجئة لم يعلن عنها مسبقًا لمحمد بن زايد رئيس الإمارات إلى الأردن والاجتماع بالملك عبد الله، وبعدها بأيام وتحديدًا يوم الثلاثاء 8/8/2023 قام محمود عباس بزيارة عمان بدعوة من الملك عبد الله، وكانت الزيارة مفاجئة ولم يعلن عنها مسبقًا أيضًا.

ويوم الأحد 13/8 قام الملك عبد الله ومحمود عباس بزيارة مشتركة لمصر ولقاء السيسي، ثم أعلن أن الملك عبد الله سيزور أمريكا قريبًا جدًا وهو الذي كان في زيارة لها قبل فترة قصيرة. وقد كتب محللون وعارفون أن زيارة محمد بن زايد المفاجئة وزيارة محمود عباس المفاجئة، وأن لقاءهما مع السيسي، كان بناء على معلومات أوصلها محمد بن زايد للملك عبد الله عن ترتيبات تجري يمكنها أن تهدد الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، في ظل التقدم النوعي والسريع في محادثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل والتي يشرف عليها شخصيًا الرئيس الأمريكي بايدن، والتي ستنتهي إلى اتفاقية رسمية يوقع عليها خلال السنة القريبة.

واضح جدًا أنه في ظلّ الخلافات المتصاعدة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، فإن زيارة بن زايد لعمان لم تكن بريئة، وأن سرعة دعوة الملك عبد الله لمحمود عباس كانت لمدارسة المعلومات التي قدمها بن زايد والتي لم تكن حرصًا على المسجد الأقصى وهو صاحب “اتفاقية ابراهام” مع إسرائيل والتي تعطي لليهود الحق بالصلاة في المسجد الأقصى، وإنما كانت تطعن محمد بن سلمان في الظهر. وواضح أن تعريف خادم الحرمين والأقصى هو من يسعى محمد بن سلمان أن يكون أول من يُعرف به، وقد أصبح هو الحاكم الفعلي في السعودية.

محمد بن زايد شيطان العرب كما يوصف لشدة خبثه ومكره، يصدق فيه قول النبي ﷺ عن الشيطان الحقيقي: “صدقك وهو كذوب”. ومثله أبو مازن فإنه أول من فرّط بالقدس والأقصى بتوقيعه وهندسته لاتفاقية أوسلو المشؤومة.

قريبًا إن شاء الله تعالى سيُطهّر المسجد الحرام والمسجد النبوي من حكم آل سعود، وسيُطهّر المسجد الأقصى من حكم الاحتلال الإسرائيلي، وسيجتمع شمل ثلاثتهم تحت راية الخلافة الراشدة.

 

كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله

ومع خطورة ما يجري من تآمر على المسجد الأقصى المبارك، بل وعلى كل قضية فلسطين، ومع أن لهيب محرقة رابعة القاهرة ومحرقة الكيماوي في غوطة دمشق، إلا أننا على ثقة بالله تعالى تجعلنا على يقين أن نار حقدهم ستنطفئ وأن أيامنا لن تظل أيام حزن ولا ذكريات أسى ودموع.

إننا على يقين أنه وكما أنوار دعوة محمد ﷺ قد أطفأت نار الروم ونار المجوس، فإن أنوار دعوة محمد ﷺ التي ما تزال تتوهج ستطفئ نار المشروع الصهيوني والمشروع الصليبي بشقيه الشرقي والغربي، ومعها ستنطفئ نيران محارق عملائهم بشار والسيسي وابن زايد وابن سلمان ومحمود عباس.

ظن الطغاة بأن نار جحيمهم       أقوى من الإيمان بالقرآن

لا والذي جمع القلوب بشرعة     لا لن يدوم تغطرس القرصان

أسد العقيدة لن يداس عرينها     ستهب كالإعصار كالطوفان

ستموج لتقتلع الطغاة وتعتلي      فوق العروش شريعة الرحمن

 

نعم ستنطفئ نارهم ويبكون، وستشرق شمسنا ونفرح {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى