أخبار رئيسية إضافيةمقالات

الدور الوظيفي للسلطة في سياق العدوان على جنين

ساهر غزاوي  

أتت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحاشيته من أزلام المقاطعة في رام الله إلى مدينة جنين ومخيمها، الأربعاء، لتؤكد على الدور الوظيفي الذي أنشئت لأجله السلطة الفلسطينية بموجب إعلان المبادئ “اتفاقية أوسلو” الذي وقعه الطرف الإسرائيلي مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، هذه الزيارة التي أتت في أعقاب الحرب العدوانية الدموية التي نفذها الجيش الإسرائيلي والتي خلفت شهداء وجرحى فلسطينيين والدمار والخراب والأضرار الجسيمة بممتلكات المواطنين، قد رافقها الانتشار الكبير للأجهزة الأمنية الفلسطينية التي افتقدها أهالي جنين خاصة والفلسطينيون عامة وقت الاجتياح الإسرائيلي المدعوم بقوات برية وجوية على مدار يومين، كما أن هذه الزيارة أتت بعد منح إسرائيل للرئيس عباس الضوء الأخضر لزيارة جنين لمدة ثلاث ساعات شريطة عدم لقاء عوائل “الإرهابين” الذين قتلوا مؤخرًا، على حد وصف الإعلام العبري.

لذا، فليس من المبالغة أو المزايدة بالكلام القول إن زيارة محمود عباس وحاشيته إلى جنين أتت في إطار الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية المبني بالدرجة الأولى على الدور الأمني لضبط الفلسطينيين بعدم المقاومة ولا مساعدتهم على المقاومة، لا سيّما وأن محمود عباس الذي يقف على رأس السلطة هذه صاحبة الدور الوظيفي يحتقر مبدأ المقاومة ويتمسك بـ “الخيار السلمي” الذي لا خيار له سواه!! وهذا ما تريده تحديدًا إسرائيل من السلطة الفلسطينية وتريد منها أن تعمل أمنيًا لصالحها مقابل استمرار تقديم الدعم الدولي من النواحي المالية والسياسية، وحيث يرتبط الفلسطينيون خدماتيًّا بهذه السلطة، مقابل بقائها وديمومة مصالحها المالية والخدمية، ولا تريد إسرائيل للفلسطينيين حتى مجرد التفكير بإقامة دولة مستقلة.

عمليًا، إنّ بقاء السلطة الفلسطينية على نحو ما تريدها إسرائيل وظيفيًّا وسياسيًّا، هي  مصلحة إسرائيلية عليا ولا يمكن السماح لها بالانهيار، مع الأهمية بمكان أن إسرائيل لا يهمها بقاء شخص محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية من عدمه بقدر ما يهمها عدم التنازل عن فكرة أن يكون هناك طرف فلسطيني يؤدي الدور الوظيفي ويحمل هذه الأعباء والمسؤوليات في إطار الحدود التي وضعتها “اتفاقية أوسلو”، وطرف يعمل باستمرار على منع توسع نفوذ حركة حماس خاصة وفصائل المقاومة الأخرى في الضفة الغربية، وهذا ما تؤكده السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية قولًا وعملًا، وهذا ما يؤكده غضب الرئيس أبو مازن وتوبيخه وتحذيره للأجهزة الأمنية الفلسطينية من فقدان السيطرة في جنين ومخيمها وإصداره التعليمات ببدء الانتشار الكبير في المدينة خوفًا من تمكن حركة حماس من السيطرة على جنين مثلما سيطرت على غزة عام 2007، بحسب ما نشرته القناة (12) الإسرائيلية.

يحق للفلسطينيين عامة ولأهل جنين خاصة أن يعتبروا أن زيارة الرئيس عباس وحاشيته إلى جنين لا تعدو أكثر من عمل مسرحي مميز وجاءت لحصد المساعدات والتبرعات المالية من الإمارات العربية المتحدة والجزائر تحت خطاب “جئنا إلى هنا لنتابع إعادة إعمار مدينة جنين ومخيمها”، ويحق لهم كذلك التشكيك بأهداف الزيارة وبخطاب “مخيم جنين أيقونة النضال والصمود والتحدي”، فها هي مدينة جنين ومخيمها تم ذبحه أمام عباس وزمرته وأمام المئات من عناصر أجهزة السلطة الأمنية التي رافقت زيارة “الرئيس” وحاشيته إلى جنين والتي افتقدت وقت الشدة ووقت المحنة وكانوا ممن يكثرون عند الطمع (وقت حصد المساعدات المالية) ويقلون عند الفزع (وقت الاجتياح والحرب العدوانية).

ويحق للفلسطينيين عامة ولأهل جنين خاصة أن يشككوا بتصرفات السلطة الفلسطينية في مقاطعة رام الله وتنسيقها الأمني “المقدس” الذي لا يستهدف إلا الشعب الفلسطيني، هذه السلطة التي باتت سيفًا مسلطًا على رقاب الفلسطينيين تدل على أنها متفقة مع أطراف عدة شاركت في قمة النقب وشرم الشيخ على كل ما يجري من محاولة لاجتثاث المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، تحت شعار “لا يفل الحديد إلا الحديد”، ويحق لهم كذلك أن يرتابوا من زيارة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية إلى جنين التي تسعى جاهدة لتحقيق وظيفتها الوجودية في التنسيق الأمني، وما زيارتها لجنين إلا محاولة لاستعادة فرصة لتفكيك حالة المقاومة في جنين ومخيمها، لذا فلسان حال الفلسطينيين يقول للسلطة وعناصرها الأمنية التي احتشدت في جنين لتأمين زيارة عباس: أكفينا شر أذاكِ عنا ولا نريد منك شيئا!!.

ختامًا، وإن كانت جنين خلال الزيارة الخاطفة والسريعة للرئيس عباس وحاشيته قد لعقت جراحها النازفة وصبرت على أوجاعها، إلا أنها قالت كلمتها عالية وصرخت في وجه أزلام السلطة الفلسطينية قبل أيام (محمود العالول وعزام الأحمد) وطردتهم من جنازة الشهداء الذين قتلهم جيش الإسرائيلي في عدوانه على جنين، ليس لأنهم محسوبون على حركة فتح كما تروج بعض الأقلام المفتنة، فالكثير من أبناء فتح منخرطون في خيار المقاومة جنبًا إلى جنب مع باقي الفصائل، ولنزيد من الشعر بيتا، فقبل زيارة أزلام السلطة (العالول والأحمد) لجنين كان رئيس بلدية الخليل الأستاذ تيسير أبو سنينة على رأس وفد في زيارة لجنين ومخيمها الصامد لتقديم واجب العزاء، ومن منا لا يعرف أن تيسير أبو سنينة هو ابن حركة فتح وأسير سابق، لكنه استقبل استقبال الأبطال، فأهالي جنين خاصة والشعب الفلسطيني عامة يعرفون من يمثلهم ومن يُمثل عليهم ومن هو أولى بالطرد ومن يستحق الاستقبال على أساس الخيارات والمسارات وليس على أساس التقسيمات الفصائلية، ويعرفون أن السلطة عبر دورها الوظيفي ما جاءت إلى جنين إلا لمحاولة انجاز ما عجز عن فعله الاحتلال.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى