أخبار رئيسيةمقالات

هم يراهنون ونحن نراهن

الشيخ كمال خطيب

في هذه المرحلة العصيبة من حياة الأمة الإسلامية، فإنهما إرادتان تتصارعان، إرادة أعداء الإسلام وهم يسعون لترسيخ أن الإسلام قد انتهى دوره وأنه أصبح خارج التاريخ وأنه لم يعد قادرًا على قيادة البشرية لأنه لا يملك مقومات القيادة وليس لديه ما يقدمه، وبين إرادة أبناء الإسلام الصادقين المخلصين الذين يسعون لإيقاظ الأمة عبر ترسيخ أن الإسلام ما يزال حيًا ونابضًا بالحياة، وأنه المنقذ ليس لأمة الإسلام فحسب، بل للبشرية من الضنك الذي وصلت إليه ومما تعانيه من أمراض وأسقام.

أما إرادة أعداء الإسلام فإنها ومع الأسف يخدمها ويلتقي معها ويحقق أهدافها مسلمون، إمَّا بجهل منهم في فهم حقيقة الإسلام ورسالته، وإما لعلمهم أن عودة الإسلام لقيادة البشرية، فإن ذلك لن يمر ولن يكون إلا على حساب مصالحهم الخاصة ومكتسباتهم في المال والحكم والشهوات التي غرقوا في مستنقعاتها، وسواء كان هؤلاء من الزعماء أو العلماء أو من عامة الناس.

وأما إرادة أبناء الإسلام فإن من يحملها ويرفع رايتها في الغالب هم العلماء والدعاة من أصحاب الفهم الإسلامي السليم ومعهم الشرائح المباركة وجيل الصحوة التي تتسع قاعدتها، والتي يحملها رجال صادقون ومثقفون وأصحاب كفاءات في كافة العلوم، وإن كانت هذه الدعوات تحمل أسماء مختلفة ولافتات متعددة تختلف من قطر لآخر، لكنها كلها على نفس القناعة من العمل لعودة الإسلام إلى الحكم والقيادة، وسواء كانت هي جماعات أو أحزابًا أو كتلًا. وإن منها من طرحت نفسها عبر آلية اختيار الحكم المعتمدة في كثير من دول العالم وقد حققت إنجازات واضحة.

فأعداء الإسلام ومن أجل تحقيق أهدافهم، فإنهم يعتمدون آليات ويراهنون لتحقيقها، وأبناء الإسلام يعتمدون آليات وقناعات وعليها يراهنون ومنها:

 

تبرد الشمس ولا تبرد همتنا

إن أعداء الإسلام يراهنون على أن الإسلام قد مات وشُيّع إلى مثواه الأخير ولم يبق منه إلا مسلمين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، وأنه ومنذ المسمار الأخير الذي دُق في نعشه قبل 100 سنة في العام 1923 بإعلان إسقاط وإلغاء الخلافة، فإنها لن تقوم له قائمة، وإن مشاريع الاستشراق الفكرية والثقافية وتشويه صورة الإسلام في أذهان أبنائه عبر مضخة وسائل الإعلام التي استخدموها ومناهج التعليم التي وضعوها قد آتت أكلها.

أما أبناء الإسلام فإنهم يراهنون على أن الإسلام وأمته يمكن أن يمرضوا لكنهم لن يموتوا، ويمكن أن يكبوا ويتعثروا لكنهم سينهضون من كبوتهم وعثرتهم، وأنهم يمكن أن يُهزموا في جولة أو جولات من جولات الصراع، لكنهم لن يُهزموا بالضربة القاضية وسرعان ما يستعيدون قوتهم وثقتهم بأنفسهم ويردون الضربة ضربات والجولة جولات.

لما انتصر علينا الأعداء في جولة الأندلس وأخرجوا المسلمين منها بعد حكم ثمانمائة سنة، قيل إن الإسلام قد مات وانتهى أمره، فكانت الصاعقة تنزل عليهم لما دخل الإسلام عاصمة دولتهم البيزنطية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية في العام 1453.

ولما انتصر أعداء الإسلام وأعلنوا سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في العام 1423 وأقاموا المشاريع القومية والوطنية المشبوهة، وما عرفوا أنه لن يكتمل القرن إلا وصحوة إسلامية عالمية تعم الأرض وتسعى لإعادة الخلافة، وبرزت معالم الصحوة في تركيا نفسها التي فيها كانت الضربة الموجعة ليتمثل فيهم قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} آية 38 سورة الأنفال.

إنهم ولغبائهم وفشل رهانهم قد ظنوا أنه بقطع بعض أغصان الشجرة فإنهم قد قضوا عليها، وما علموا أن الشجرة صاحبة الجذور العميقة الضاربة في الأرض، لا تلبث أن تبرعم وتزهر وتثمر من جديد، بل ليكون من أغصانها وفروعها ما يُصنع به فؤوس تهدّ أركان الباطل كما قال الشاعر أحمد مطر في قصيدته:

خطفوا الزهرة.. قالت: من ورائي برعم سوف يثور

قطعوا البراعم.. قالت: غيره ينبض في رحم الجذور

قلعوا الجذور من التربة

قالت: إنني من أجل هذا اليوم خبأت البذور

كامن ثأري بأعماق الثرى

وغدًا سوف يرى كل الورى

كيف تأتي صرخة الميلاد من صمت القبور

تبرد الشمس ولا تبرد ثارات الزهور

نعم تبرد الشمس ولا تبرد همتنا وإرادتنا في أن نعيد للإسلام قوته وهيبته وكرامته، ويعود لحكم الدنيا ولشفائها من أسقامها ولإسعادها من جديد.

 

أمة تمرض ولا تموت

إن أعداء الإسلام يراهنون على أن لهم من أبناء جلدتنا عملاء هم عكاكيز لهم، بل هم كرابيج بهم يلهبون ظهور الشعوب ويقهرونهم ويكسرون إرادتهم، وسواء كان هؤلاء أصحاب فخامة أو جلالة أو سمو، فإنهم يأتمرون بأمر أسيادهم في واشنطن وموسكو وتل أبيب. فإذا كانوا هم يراهنون على أشخاص وعلى أحزاب وعلى أنظمة، فإننا نحن نراهن على شعوب خيّرة منها تتشكل أمة الخير التي نعتز بانتمائنا إليها، عنها قال النبي ﷺ: ” “مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره”.

وإذا كانوا هم يراهنون على قوانين بشرية، فإننا نراهن على شريعة سماوية، وإذا كانوا يراهنون على أجهزة قمعية دموية، فإننا نراهن على عاطفة إيمانية جيّاشة تتحدى وتواجه كل قمعهم وكل شرورهم، وإذا كانوا يراهنون أنهم نجحوا في إجهاض ثورات الربيع العربي، فإننا نراهن على ثورات شتاء إسلامي مبارك قادم سيجرف أمامه كل شرورهم ومكائدهم، وإذا كانوا راهنوا على التآمر واغتيال رئيس شرعي منتخب هو الشهيد محمد مرسي كان رئيسًا لدولة مصر، فإننا نراهن على خليفة للأمة كلها سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا وتكون عاصمة حكمه القدس الشريف.

قل لمن يحسب أنا أُمَّة          أنكرت أمجاد سعد والوليد

نحن شعب لم يعد يخشى الردى   أو يبالي برصاص وحديد

قطع العهد وفي أعماقه          دعوة التوحيد والدين الرشيد

كلما أطفئ منها قبس          أشرق القرآن بالفجر الجديد

قد رجعنا راية زاحفة           بعد أيام ضياع وشرود

ومضينا نحو آفاق العلا       يسلم الراية جد لحفيد

 

احتلالهم سيزول ومكرهم سيبور

إن أعداء الإسلام يراهنون أنهم أصحاب إمكانات رهيبة، وأنهم متقدمون، بل ومتفوقون عسكريًا واقتصاديًا، إنهم يراهنون أن في معسكرهم قوة أمريكا وروسيا وحلف الناتو وإسرائيل. إنهم يراهنون أن الإعلام العالمي صاحب التأثير الشيطاني كله تحت تصرفهم وتحت إمرتهم، به يجعلون الحق باطلًا والباطل حقًا، وبه يصنعون الزعماء والعملاء، وبه يشوّهون الشرفاء والأصلاء.

إنهم يراهنون أن مصير الشعوب وغذاءها وسلاحها واقتصادها بأيديهم، وأنهم يحركون قادة الدول واقتصادها ويوجهونهم عن بعد كما يوجه ويتحكم بالأجهزة الإلكترونية عن بُعد.

أمَّا نحن فإننا نراهن على اعتمادنا وتوكلنا على القوي الجبار الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إننا نراهن على من جعلناه غايتنا ولا نسعى إلا لرضاه عبر العمل بطاعته وتحكيم شريعته وجعل كلمته هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} آية 13 سورة الطلاق. {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} آية 217 سورة الشعراء. وإننا نراهن على أن أممًا في التاريخ وحضارات كانت أكثر منهم قوة وآثارًا في الأرض فما أغنت عنهم قوتهم من بأس الله وقدرته لما حق عليهم {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} آية 15 سورة فصلت. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} آية 7 سورة الفجر. {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَٰفِرِينَ أَمْثَٰلُهَا} آية 10 سورة محمد.

إننا نراهن على أن التاريخ يخبرنا عن إمبراطوريات قد تقاسمت حكم الأرض والنفوذ عليها، الفرس والروم والإغريق واليونان والفينيقيون وغيرهم، فأصبحوا من ذكريات الماضي، وأن بريطانيا العظمى كانت لا تغيب الشمس عن مستعمراتها، وأن الاتحاد السوفيتي كانت ذراعه الطويلة وهيبته تصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، فأصبحوا أسماء في كتب التاريخ.

وإننا نراهن على أن هذه الأرض المباركة فلسطين والشام، ليس أنها قد شهدت عشرات الحملات الصليبية، وإنما سرعان ما حلت بهم الهزائم، وأن فلسطين بالذات قد مر عليها ثمانية عشر احتلالًا وأن الاحتلال الإسرائيلي هو التاسع عشر، وأننا نراهن أنه كما طويت صفحة كل تلك الاحتلالات ورحلت، فإن هذا الاحتلال كذلك سيرحل وأنه إلى زوال.

 

يراهنون على العباد ونراهن على رب العباد

إن أعداء الإسلام يراهنون على أنهم إذا قالوا سُمع لقولهم وقالت الدنيا سمعنا وأطعنا، وأنهم إذا أشاروا من بعيد اهتزت وارتجفت منهم الزعامات، وأنهم إذا وعدوا أوفوا بوعودهم ونفذت قراراتهم.

إنهم راهنوا على وعد بلفور، وراهنوا على قرارات مجلس الأمن، وراهنوا على خارطة طريق كلينتون، وراهنوا على شرق أوسط جديد روّج له شمعون بيرس، وراهنوا على مشاريع التطبيع المشبوهة والفاشلة، وراهنوا على صفقة القرن التي صاغت ترامب الداعر.

أما نحن فإننا نراهن على وعد الله تعالى لنا بأن يتم نوره وينصر دينه ولو كره الكافرون والمشركون والمنافقون {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} آية 28 سورة الفتح. {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} آية 4-5 سورة الروم. وإننا نراهن على وعد رسول الله ﷺ القائل: “ليبلغن هذا الأمر ،يعني الاسلام، ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا وأدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزّا يعز الله به الإسلام وذلًا يذل به الكفر”. وقال: “إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها”. والقائل ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”. والقائل ﷺ: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. والقائل ﷺ: “لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلًا من أهل بيتي يملؤها عدلًا كما مُلئت جورًا”.

وإذا كانوا هم يراهنون على نجاحاتهم في الماضي في جولات كسبوها ضد الإسلام والمسلمين، فإننا نراهن على الحاضر الذي ما أكثر مبشراته وإشاراته وعلاماته.

إنَّ الأمة الإسلامية تشهد مخاضًا عسيرًا مؤلمًا، ولكن بعد المخاض حتمًا سيكون ميلاد مبارك لعهد جديد ومرحلة جديدة وخلافة جديدة بإذن الله تعالى.

هم يراهنون على مكرهم وكيدهم وتدبيرهم ونحن نراهن على تدبير الله لنا بعد إعدادنا بالأخذ بأسباب النصر والفرج والتمكين، ونراهن على أن الإسلام حيّ ينبض بالحياة، وإلا فلو كان ميتًا أو ضعيفًا ما كان استحق منهم كل هذا المكر والتدبير وحشد الطاقات. إنهم يراهنون على العباد ونحن نراهن على رب العباد.

 

سنُفشل رهانهم

إنهم إذن يراهنون على ما ذكرت وأكثر منه في حسم هذه الجولة من جولات الصراع بيننا وبينهم، وإننا نحن نراهن على ما ذكرت وغيره من أسباب ثقتنا ويقينا بأننا نحن من سينتصر وهم من سيُهزمون. نعم سيفشل رهانهم بإذن الله وسنفشله بأيدينا وبعزيمة الصادقين من أبناء الأمة {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} آية 2 سورة الحشر.

إننا يملؤنا اليقين والثقة بقرب اليوم الذي فيه سيعضون أصابع الندم على فشل رهانهم وهزيمة مشروعهم وبوار مكرهم، وإن غدًا لناظره قريب.

لا عزاء للمحبطين والمتشائمين واليائسين.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى