أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (157) في معركة الإرادات الاعتكاف يكسر شوكة الاحتلال

حامد اغبارية

في معركة الإرادات بين من يبذل الغالي والنّفيس ويقدّم النفس رخيصة من أجل تحقيق الحريّة والانعتاق، وبين من امتدّت يدُه اللئيمة إلى حقوق غيره وسرقها كاللصوص في غفلة تاريخية تعيش فيها الأمة أسوأ عصور انحطاطها، ثم لا يكتفي، بل يمد يده بالأذى إلى أغلى ما يملك صاحب الحق، فإن المعركة محسومة مسبقا لصالح الساعي إلى حريّته، وإن بدا ضعيفًا، وإن سالت دماؤه، وإن خذلته أمم الأرض كلّها، وإن انفضّ عنه من يُفترض أنهم أهلُه وعشيرتُه، وإن كان عاري الصدر، يلاطمُ بكفّه مخرز الطاغوت الأكبر. هي معركة الفصل بين الحق وبين الباطل؛ معركة ذات جولات عديدة وجبهات عديدة وأشكال وصور كثيرة. هي معركة ستنتهي يوما ما، إذ ليس في تاريخ الأمم معارك استمرت إلى الأبد. وهي معركة ستنتهي يوما ما ويدُ المظلوم والمقهور وصاحب الإرادة في الانعتاق هي العليا، ويدُ الباطل والظالم والمعتدي الدُّنيا.

ولقد كانت الصفحة الحالية من كتاب الصراع على فلسطين، والّتي سطّرت في رمضان الحالي أحد الشواهد على ذلك الصراع وتلك المراغمة بين شعب ينشد الحرية وبين احتلال إحلالي بغيض يريد كل شيء ولا يعطي ولن يعطي أي شيء. وكانت ساحة معركة الإرادات في أهم بقعة على هذه الأرض المباركة، في ساحات المسجد الأقصى المبارك، الذي صعّد الاحتلال وعصابته الاستيطانية الخلاصيّة الإجرامية التي يقودها الإرهابي بن غفير استهدافاتهم له بصورة غير مسبوقة. في هذه المعركة أيضا انتصر الاعتكاف على الاحتلال، رغم ممارسات الاحتلال في فرض أي نوع من أنواع السيادة على مكانٍ هو حقٌّ خالصٌ للمسلمين، وليس للاحتلال ولا لغير المسلمين، أيًّا كانوا، حق في نسمة هواء أو نفَسٍ أو نظرةٍ أو ذرة تراب أو موطئ قدم فيه. لقد كسر الاعتكافُ شوكةَ الاحتلال ومرّغ أنفَ عنجهية نتنياهو ومَن حوْله في التراب. ولقد أجبر الاعتكافُ الاحتلالَ على جرجرة أذيال الخيبة في حسم المعركة على المسجد الأقصى، وألزمه حدّهُ، وفرض عليه اتّخاذ قرار بعدم السماح بالاقتحامات حتى نهاية شهر رمضان. وهي جولة من جولات. لقد حسم الاعتكاف معركة رمضان في ساحات الأقصى في هذه الجولة لصالحه، رغم حملة تحريض دموية من أقذر أنواع التحريض وأكثرها انحطاطا وسفالة، تلك الّتي شنّها الاحتلال وإعلامه على رمضان وعلى الأقصى امتدت شهورا، تمهيدا لجريمة كان الاحتلال يخطط لارتكابها في الأقصى وضد أهل الأقصى من معتكفين ومرابطين، جريمة هي في الأصل ضد شعب بأبنائه وأمّة بأجيالها.

لم يأت قرار نتنياهو بوقف الاقتحامات من فراغ. وأظنّه لم يكن قرارا سهلا، بل اتُّخذ بعد مشاورات ومداولات وأخذٍ وردٍّ وتجاذباتٍ وعرضِ فرضيات واحتمالات وتبِعات؛ أمنية وعسكرية وسياسية داخلية وخارجية. ومن المؤكد أن النصائح والمعلومات العسكرية والأمنية والسياسية التي قُدّمت له، من الجهات المختصّة على مستوى الاستخبارات وعلى مستوى التقارير الاستراتيجية قد رسمت صورة قاتمة ليست في صالح الاحتلال. صورة عن تحركات واستعدادات وإمكانيات لوقوع مفاجآت على عدة مستويات وعدة جبهات لم تكن في حسابات الاحتلال في هذه المرحلة على الأقل.

مما لا شك فيه أن نتنياهو واجه، في خضمّ الأحداث، ضغوطا من كتلة اليمين الفاشي بقيادة بن غفير وسموطرتش باتجاه مواصلة الاقتحامات في الأقصى، والسعي الحثيث نحو هدفهم في بناء هيكلهم المزعوم. ومما لا شك فيه أن نتنياهو من أكثر هؤلاء شغفًا وميلًا إلى تحقيق أوهام المشروع الصهيوني في بناء الهيكل، وهو أكثر من سهّل الاقتحامات ودافع عنها واجترح لها المسوغات والمبررات. لكنّ الجولات الكثيرة التي خاضها نتنياهو في مواجهة أرادة الشعب الفلسطيني، ومنها شن حروب طاحنة على غزة، في محاولة لسحق إرادة الشعب، كانت فيها هو الطرف الخاسر، وكان هو الذي يدفع دائما الثمن السياسي، مع التّنبيه إلى أن مسألة الربح والخسارة لا تقاس أبدًا بحجم الدمار الذي يحققه أي طرف ضد الآخر، ولا بحجم الضحايا ولا بالخسائر المادية والاقتصادية وإنما بما تحقق من أهداف وضعت مسبقًا. من أجل ذلك انكمش نتنياهو وتراجع، كما يفعل دائما، لأنه يعلم أن مواصلة الاقتحامات التي يقودها حمقى حكومته ستجرُّ المنطقة إلى أماكن لا يريدها الاحتلال، بل ويخشى من مجرد التفكير بها، ومن شأن ذلك أن يشعل في المنطقة حربا دينية سيكون الاحتلال هو الطرف الخاسر والوحيد فيها..

هذه جولة من جولات الفصل الأخير في ملف الصراع على فلسطين. وستكون هناك جولات أخرى لا محالة، ستقع فيها مواجهات وتتصادم متناقضات، وتنشطر مواقف، وتشتعل أزمات، من الآن أنصح عقلاء الاحتلال، إن كان بينهم أشباه عقلاء، أن يتجنبوها بأي ثمن، لأن الاحتلال، أيّ احتلال، هو الطرف الخاسر – دائما- في معركة الإرادات التي يكون الحق المظلوم هو الطرف الآخر فيها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى