أخبار رئيسيةمقالاتومضات

الاعتداءات على المـــسجد الأقصى والصمت الــعربي

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

 

منذ مطلع شهر رمضان المبارك والمؤسسة الاحتلالية الإسرائيلية يوجهها اتجاه المسجد الأقصى ، حقد دفين استحال إلى سياسة قتل ممنهج ضد عموم شعبنا الفلسطيني، إذ وصل عدد الشهداء إلى لحظة كتابة هذه السطور 98 فلسطينيًا بما فيهم الشهيد الطبيب محمد العصيبي، تم ترجمته وفق ما اسمته حكومة بينيت بسياسة كاسر الأمواج ،وتجلت رسميًا هذه الأحقاد بما خرج من فم رئيس جهاز الشرطة شبتاي في سياق التسريبات التي صرح بها عن طبيعة القتل بين العرب ومواقفه الفاشية منهم ، فضلًا عن العقلية الحاكمة التي قالت يومًا العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع، وأيديولوجيا دينية تعمل جادةً على فرض سيادتها على المسجد الأقصى طامعة أن يتراجع المسلمون ممن يمكنهم الوصول إلى المسجد للصلاة فيه عن شد الرحال إليه والصلاة فيه والاعتكاف في ليالي رمضان المباركة .وتزامنًا مع دعوات القيادات السياسية والدينية الإسرائيلية لاقتحام المسجد الأقصى، قام الاحتلال بتفريغ المسجد من المعتكفين ليلة الأربعاء، ووصلت عدد الإصابات أكثر من مئتي إصابة واعتقال المئات، وقمعت بعد الفجر المصلين ضمن سياسات فرض السيادة والتقسيم المكاني للمسجد الأقصى المبارك.

لم تكن ولن تكون هذه الاقتحامات الأخيرة، فالاحتلال ماضٍ في سياسة فرض السيادة على المسجد الأقصى وهو مستوعب لحساسية الموضوع عند حكام العرب ممن وقّع معهم الاتفاقيات الرسمية والتطبيع، ويترك للجانب الأمني الحديث في الغرف المغلقة بهذا الشأن.

الاحتلال في ظل حكومة الرؤوس الثلاثة بن غفير-سموطريتش-نتنياهو، تعمل على تحقيق أجندة الصهيونية الدينية الحاريدلية الساعية لتنفيذها راهنًا معتبرة أنها أمام فرصتها التاريخية التي قد لا تتكرر، خاصة بعد الاحتجاجات التي أغرقت الشارع الإسرائيلي والعوار الذي بدأ يضرب اليمين خاصة الليكود من الداخل.            من الضرورة إدراك أن هذه الأجندات الصهيودينية في جوهرها أجندات يؤمن بها نتنياهو، ولذلك ثمة موافقات بين هذه الشخصيات على تحقيقها وخاصة فيما يتعلق في الضفة الغربية  وتحديدًا مناطق “ج” سعيًا لضمها رسميًا وقانونيًا والمسجد الأقصى، ولذلك سعيًا لتحقيق سيادة يعترف بها الفلسطينيون والعرب علنًا، فالاحتلال مدركٌ من خلال مفاوضاته السرية مع سياسيين عرب وفلسطينيين مطبعين كما الأجهزة الأمنية في تلكم الدول، أن موقفهم من مجمل القضية الفلسطينية ومن القدس والمسجد الأقصى فيه مرونة وقابل للتفاوض على عكس الموقف الشعبي الفلسطيني وكذا العربي، ولأن الفلسطيني من يتقدم المواجهة فالاحتلال يعمل على إخضاعه بعلم من المطبعين والموقعين، بل ولا أبالغ إذا قلت بمباركتهم. الشاباك الإسرائيلي بدوره أعلن الثلاثاء المنصرم عن إحباط أكثر من مئتي عملية ويخوض ومعه الجيش الأكثر تسليحًا وتقنيًا حربًا على مستويات متعددة من الفلسطيني إنسانًا ومقاومةً ، وهذه الحرب في بياناتها الأولى تشير إلى خسارات مستمرة للفلسطينيين ، لكن في الوقت ذاته خلقت إرباكًا هائلًا لدى الإسرائيلي المحتل دفعته إلى مزيدٍ من القتل واستباحة الدماء، ولعل الإشارة إلى مقتل الطبيب العصيبي بدم بارد مطلع الأسبوع في ساحات المسجد الأقصى وتضارب الروايات الشرطية ومن ثم تبني رئيسها شبتاي الرواية المهلهلة، يكشف جانبًا من هذا التوتر والإرباك وفي الاستراتيجيات يقولون أن الارباك والتوتر والخوف أسباب حية وكبيرة في الهزيمة النفسية والمادية.

الاحتلال في ملف المسجد الأقصى يُمنى يوميًا بخسارات كبيرة وإلا فما معنى دعوات اليمين للمقتحمين للمسجد الأقصى مصحوبة بإغراءات مالية . أي عقيدة هذه وأي أيديولوجيا تحركهم .في هذه الإعلانات ما يشي إلى حجم الأزمة التي باتت تعترض هذه المجموعات المتشددة التي تحظى بدعم كبير من أجهزة الأمن الإسرائيلية ومن المستوى السياسي.

الصمت العربي ورسائله إلى المحتلين

الاحتلال يمارس سياسات القمع ضد الفلسطينيين في ظل سياسات صمت عربي مطبق يكشف صورة من صورة الفعل السياسي في منطقتنا عن دورٍ مبطن لهذه الأنظمة المستبدة، ولأنَّ القضية ذات ارتباط بالأردن صاحبة الوصاية وفقًا لقرار جامعة الدول العربية من أربعينيات القرن الفائت، فإن أسئلة كثيرة تُثار في جدل العلاقة القائم بين الاحتلال والأردن في هذا السياق ومن ثم يحق لنا أن نطرح عدة تساؤلات في هذا الجانب من مثل: هل هذه الاقتحامات تجري بتوافق مع السلطات الأردنية وحتى سلطة رام الله وحدها الأساس تجنب سقوط شهداء وتجنب منع المصلين في العشر الأواخر من الاعتكاف خاصة في ليلة ” القدر”؟ وهل ما يجري في المسجد الأقصى عمومًا من تمدد شرطي استعماري في المسجد الأقصى بموافقة من الجانب الرسمي الأردني؟ وهل تطرقت مهاتفة بن زايد ونتنياهو- بغض النظر من اتصل أولًا- إلى ما يجري في المسجد الأقصى، إذ التسريبات تطرقت فقط إلى من اتصل أولًا والتأكيد على الاستمرار في تمتين العلاقات بين الطرفين، وهل في هذه الكلمات إشارة إلى أن موضوع المسجد الأقصى خارج رادار السياسات بين الطرفين؟ وفي السياق ذاته هل كانت زيارات بينيت البعيد عن الأجواء السياسية المتكررة خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى الإمارات لإعادة مسار العلاقات من جديد خاصة بعد اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، وهل سعى فعلًا بينيت لتجنب تجميد العلاقات على إثر هذا الحدث؟

عمليًا في ضمن تلهف الاحتلال للاعتراف به عربيًا واستحالته إلى لاعب أساس في منطقتنا معترف به شعبيًا ورسميًا، وذلكم في ظل التحولات الإقليمية والدولية الجارية وبسرعة كبيرة باتت تبشر بميلاد نظام عالمي جديد تدرك المؤسسة الاحتلالية معالمه وتراهن على المضي على حبل دقيق، يذكرنا بالتحولات التي جرت في خمسينات القرن الماضي والانتقال من محور لندن باريس إلى محور واشنطن بعدئذ تركت نهائيًا الاتحاد السوفيتي يمكن للعرب بما يملكون من أدوات تأثير دولية وقف النزيف الجاري في المسجد الأقصى المبارك إلى حين لحظة التحرير التي لا بدَّ قادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى