أخبار رئيسيةمقالاتومضات

المســــــجد الأقصى.. الواقـــــع السياســـي والتحديات

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

 

مدخل..

منذ أن تشكّلت حكومة اليمين واليمين الديني، وأعضاء هذه الحكومة يتحدثون عبر صفحاتهم الاجتماعية وصحافتهم الالكترونية عن مرحلة جديدة دخلتها مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المُبارك، والعنوان العريض الذي تحت رايته يخططون ويعملون على تنزيل الحكم والنظام.

وزير الأمن القومي ووزير المالية يتحدثان علنًا عن العمل على فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى، وهدم عشرات البيوت في رمضان في أنحاء مختلفة من مدينة القدس بحجة البناء غير المرخص.

الحرب التي أعلنها بن غفير على القدس والمقدسيين والمسجد الأقصى، ترافقها سياسات خبيثة من المؤسستين الأمنية والسياسية، تجادل العلاقات الدبلوماسية مع الحكومات العربية وسلطة رام الله عبر البوابة الأمنية والضغط الأمريكي، لتحقيق تمرير سياسات المتطرفين وفرض حقائق على المسجد الأقصى والقدس، تروم الوصول إلى بناء الهيكل، وفقًا لما يشير إليه حاخامات التيار الديني الصهيوني، وتحقيق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد كمقدمات للخلاص من الوجود الإسلامي عليه.

هذا الطرح تؤكده العديد من التصريحات الصادرة عن المستوى السياسي الحاكم ومئات صفحات التواصل الاجتماعي التي تدعم وتوافق سياسات اليمين الديني والسياسي.

 

الأعياد اليهودية وتعزيز القبضة الاستعمارية..

لا يمكن لزائر المدينة المقدسة أن تخطئ عينه الوجود المكثّف للجيش وحرس الحدود في المدينة وخارج أسوارها، وتزداد هذه الكثافة مع الأعياد حيث تتحول المدينة إلى ثكنة عسكرية تؤكد جوهر الاحتلال وتصبح فضاءاتها تكاد تكون خالية من الفلسطينيين بسبب الحصار الذي يفرض على ساكنة مدينة القدس. وكل ذلك لتهيئة الأرضية لتحقيق تهويد للمدينة المقدسة وسائر ضواحيها.

في الأسابيع الأخيرة، ترتفع أصوات من أطراف رسمية وحاخامية وشعبية تطالب المؤسسة الإسرائيلية بالعمل على تيسير دخول المستوطنين للمسجد الأقصى والسماح لهم بترديد آيات من التوراة ونصوص دينية بصوت مرتفع، إيذانًا بالشروع في السيطرة على المسجد الأقصى، على غرار ما فُعِلَ في الحرم الإبراهيمي، ويسبق ذلك منع المصلين المسلمين من دخول المسجد الأقصى لمدة عشرة أيام وذلك ابتداءً من الأسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك، بزعم منح المقتحمين مساحات واسعة وآمنة لممارسة طقوسهم الدينية. وكان “بن غفير” أكد هذه الطروحات يوم الجمعة الفائت، وهو ما استوجب ارسال مسؤول الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء للجلوس مع “بن غفير” لثنيه عن هذه الخطوة بعد توصيات أجهزة الأمن من خطورتها، وهو ما رفضه بن غفير وفقًا للعديد من الروايات.

مجرد الإعلان عن هذه النوايا، يحمل في طياته تحديًا ليس للمسلمين الفلسطينيين فحسب، بل هو تحدٍ للأمتين العربية والإسلامية وحكوماتها بما في ذلك المطبّعة مع الاحتلال الإسرائيلي، فالمستقبل القريب ينذر بغيوم قاتمة، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا على شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، خاصة في ظل حالتي الاحتقان والتحدي الذي تعيشه مكونات المجتمع الكولونيالي، وقد علَّمتنا التجارب أنّ هذه المؤسسة الكولونيالية في حالة أزماتها الداخلية، تعمل على تصديرها عبر لافتات مختلفة، من أهمها الملف الأمني والإرهاب والحرب عليه، ومن ثم شنّ حربٍ ضروس على شعبنا الفلسطيني. وتتأكد هذه الحالة مع مساع حثيثة تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية ودول عربية في الإعداد لحرب على إيران أو/ودفع المنطقة إلى سياسات حافة الهاوية لتحقيق ابتزاز سياسي-استراتيجي يطال هذه المرة المسجد الأقصى كثمن لحماية أنظمة عربية من السطو الإيراني والتمدد الشيعي، ليس أقله الإقرار بحقوق اليهود على الأقصى. ومن نافلة القول، الإشارة إلى خطورة “الاتفاق الإبراهيمي والديانة الإبراهيمية” كرافد لما ذكرت آنفًا، وهكذا تحوَّلت إيران وقضايا المنطقة ضمن معادلات السياسة الدولية إلى أداة من أدوات تحقيق الرؤية الكهانية والحارديلية للسيطرة على المنطقة وتفريغها من القوى الحية فيها وفي مقدمتها القوى الإسلامية.

من الواضح أنَّ أعياد اليهود هذا العام في ظل حكومة يمينية دينية، ستكون الامتحان الأول والأصعب للمصلين وللمسلمين وللمقدسيين مع هذه الحكومة وشرطتها وحرس حدودها وجماعات التطرف الديني، التي فيما يبدو قد أيقنت أنَّ هذه فرصتها التاريخية التي قد لا تعود لتمرير سياساتها وأفكارها وعقائدها الدينية والسياسية.

 

تحديات تواجه المسجد الأقصى والقدس..

تحديات المستقبل القريب والبعيد للقدس والمسجد الأقصى يحسمها الوجود الفلسطيني ومعادلات الثبات والمقاومة والمدافعة، وهذا يتطلب في هذه المرحلة رصُّ الصفوف فلسطينيًا خاصةً وأنّ الاحتلال كشف عن تشكيل مليشيات في مدن الساحل الفلسطيني في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية، وهذه المليشيات ستأخذ دورها المُعد سلفًا في المرحلة القادمة.

الواقع السياسي للقدس والمسجد الأقصى في ظل التحولات الجارية في منطقتنا وفي محيط سلطة رام الله، والانشغال بوريث عباس وكيف ستكون سلطة رام الله في نسختها الثالثة (بعد وفاة عباس ومرحلته الدايتونية، شعبنا الفلسطيني أمام استحقاق جديد مرتبط بمرحلة ما بعد عباس ومدى ارتهانها لقرار الإسرائيلي) وانشغال المقاومة في هموم القطاع والضعف والوهن الذي اعتور فصائل فلسطينية ترتهن للسلطة، هذا الواقع يشكلُ مدخلًا للتحديات الجارية والمتعلقة بالقدس والمسجد الأقصى وعبئًا مستقبليًا.

ملف القدس والمسجد الأقصى تحديدًا تنتظره تحديات عديدة يقوم عليها التيار الديني الصهيوني كحاضنة للجماعات المتطرفة ولمن يمثلونهم في حكومة اليمين الفاشي، ويتعاون معهم عدد كبير من أعضاء الليكود فضلًا عن تيار شعبوي مؤيد للسياسات الحكومية عمومًا والمتعلق بالقدس والأقصى خصوصًا.

من هذه التحديات على سبيل المثال لا الحصر، حالات التوقيف التي يقوم بها المحتل على مداخل المسجد الأقصى ومنع العديد من المصلين من دخول المسجد الأقصى وارتفاع مستمر لوتيرته مصحوبًا باستفزاز يومي للمصلين، والأمر الآخر المُتعلق بالمسجد، أعداد المقتحمين والتي هي في ازدياد مُستمر وتصاعد تحريضي واستفزازي للمصلين، والتحدي الثالث الذي يتعلق بالمسجد، الوجود المادي للشرطة وحرس الحدود والمخابرات في المسجد والأعداد المتزايدة من المحتلين الذين يقومون بجولات تفقدية و”علمية” في باحاته، يزيفون التاريخ والجغرافيا الدينية والسياسية علنًا، دون أدنى اعتراض من حراس المسجد وسدنته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى