أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

“هذه شهادتي”..

الشيخ رائد صلاح يواصل استدعاء ذاكرته حول بدايات العمل الإسلامي في الداخل.. المهرجان الإسلامي الأول والثاني في أم الفحم.. الدخول إلى العمل البلدي وانعكاسات ذلك على النشاط والحيوية الإسلامية.. المسار السياسي قد يحدث تصادمًا وفجوة مع الثوابت كما حصل مع القائمة الموحدة.. كيف يمكن استعادة "الصفاء الأول"؟

“هذه شهادتي”..

 

الشيخ رائد صلاح يواصل استدعاء ذاكرته حول بدايات العمل الإسلامي في الداخل.. المهرجان الإسلامي الأول والثاني في أم الفحم.. الدخول إلى العمل البلدي وانعكاسات ذلك على النشاط والحيوية الإسلامية.. المسار السياسي قد يحدث تصادمًا وفجوة مع الثوابت كما حصل مع القائمة الموحدة.. كيف يمكن استعادة “الصفاء الأول”؟

 

طه اغبارية، عبد الإله معلواني

 

تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المرئية ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب” وصفحة موقع “موطني 48” على “فيسبوك”.

في هذه الحلقة (العاشرة) تطرق رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا في العام 2015 ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، إلى انطلاقة العمل الإسلامي والدعوي خارج المساجد عبر إقامة المهرجانات الإسلامية الجامعة لأبناء الصحوة من مختلف البلدان، مفصلا حول استضافة أم الفحم لباكورة المهرجانات، كما أسهب في مقاربته حول الصحوة في بداياتها مقارنة مع المشروع والعمل الإسلامي في هذه المرحلة، مشيرا إلى مواضع خلل حالية يمكن تجاوزها واستعادة ما وصفه بـ “الصفاء الأول”.

 

المهرجان الإسلامي الأول في أم الفحم

يكمل الشيخ رائد صلاح ما توقف عنده في الحلقة السابقة بخصوص بدايات العمل الإسلامي وما اصطلح عليه بالصحوة الإسلامية، وتطرق إلى بداية انطلاق العمل الدعوي خارج حدود المساجد وعدم اقتصاره على الدروس وخطب الجمعة والمواعظ في بيوت العزاء، ساردًا قصة أول مهرجان إسلامي تنظّمه الصحوة في أم الفحم والذي أقيم قبل الاعتقالات التي تمت في أوساط أبناء الصحوة الإسلامية في الداخل على خلفية الملف المعروف بـ “أسرة الجهاد” وكان الشيخ رائد أحد المعتقلين على تلك الخلفية.

مفصّلًا حول الموضوع: “يمكن اعتبار إقامة أول مهرجان إسلامي في أم الفحم بمثابة مغامرة، وقررنا تنظيمه في منطقة حي “الميدان” وكان علينا الإعداد جيدًا لكل التفاصيل من حيث إحضار الكراسي وتجهيز التشريفات وبناء منصة المهرجان، وقد قمنا في الصحوة الإسلامية بذلك والحمد لله. تحدث في المهرجان عدد من أبناء وقيادات الصحوة الإسلامية، أذكر منهم: المرحوم الشيخ حامد البيتاوي، والمرحوم الشيخ سعيد بلال، والمرحوم الشيخ محمد فؤاد أبو زيد، والمرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش، وكنت أنا عريف المهرجان. كنت في مقتبل العمر (22 عامًا)، وكنت هزيلًا جدًا من حيث البنية الجسمانية، فكان الموقف مهيبًا بالنسبة لي. أنهينا المهرجان بعد منتصف الليل وكان الوقت رمضان ولم نكن قد صلينا العشاء والتراويح. توجّهنا إلى مطعم للحاج مجيد دعدوش- كان من أوائل شباب الصحوة- وصلينا عنده العشاء والتراويح وتناولنا السحور في المطعم”.

ويسهب في سرد تفاصيل المهرجان الإسلامي الثاني في أم الفحم، وذلك بعد نجاح المهرجان الأول وتحوله لحديث الساعة حينها في أم الفحم والبلدات العربية.

وتابع بالقول: “في المهرجان الثاني كان الوقت رمضان أيضا، وبعد نجاح المهرجان الأول من حيث الحضور والرسائل التي طرحها، جزمنا أنَّ الحضور في المهرجان الثاني سيكون كبيرًا تضيق به منطقة الميدان، فقررنا تنظيمه في ملعب حي “الباطن”، لكن المهمة كانت في غاية الصعوبة، من حيث إعداد الكراسي في الملعب، والتجهيز للحدث، واستقبال الضيوف من خارج أم الفحم والاهتمام بإفطارهم فهم في صوم. في مسألة الكراسي ونظرًا لعدم وجود محلات لتأجير الكراسي في تلك الفترة، رأينا أنَّ الحل الوحيد لهذه المعضلة هو نقل كراسي مدارس أم الفحم إلى الملعب ثم إعادتها بعد المهرجان، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى موافقة من السلطة المحلية في أم الفحم والتي وقف على رأسها في تلك الفترة المرحوم محمد مصطفى حاج داوود (أبو ماجد)، توجّهنا إليه في المجلس برفقة عدد من الوجهاء في البلد، وطرحنا عليه طلبنا فسألنا إن كنّا نريد كل كراسي المدارس، فقلنا: نعم. فأخذ ورقة وكتب فيها: “أرجو أن تسهلوا لهم نقل كراسي المدارس للمهرجان”. ثمّ بدأت عملية نقل الكراسي إلى الملعب، ولم تكن سيارات نقل، فتوجهنا لأصحاب الجرارات مع مقطورة، فلم يقصّروا، وأذكر منهم الأخ أبو إبراهيم الحاج داوود والأخ الرجعي، وكذلك استخدمنا بعض السيارات العادية، أذكر من أصحابها الأخ محمود الحاج نمر. عشية المهرجان، جهزنا كل شيء لاستقبال الأهالي من أم الفحم وخارجها. وبقيت مسألة غير محلولة وهي إطعام الصائمين من الضيوف الوافدين إلى أم الفحم، فأعلنّا للأهل في أم الفحم عمن يستطيع استقبال الضيوف على مائدة رمضان في بيته، وقد تنافس أهلنا على استقبال الضيوف لدرجة أن البعض لم يحظ بشرف استقبال ضيوف على مائدته، وكنتُ أحد هؤلاء”.

وواصل الشيخ رائد: “كذلك حرصنا أن تكون كلمة في المهرجان لرئيس المجلس المحلي المرحوم أبو ماجد. وفي هذا المهرجان تمّ الإعلان عن المبلغ الذي جمعته لجنة الزكاة في أم الفحم وكان رئيسها الحاج مفيد أحمد، وقد كان عريف المهرجان الشيخ هاشم عبد الرحمن، فأعلن عن المبلغ الذي جمعته الزكاة بطريقة مشوقة شدّت الجماهير على أرض المهرجان، كذلك كان لفرقة النور للنشيد الإسلامي إطلالة رائعة ألهبت حماس المشاركين”.

 

أين الخلل؟!

في ردّه على سؤال الإعلامي عبد الإله معلواني، بخصوص ميزة الصحوة الإسلامية في تلك الأيام (أواخر السبعينيات) مقارنة مع اليوم، قال الشيخ رائد: “هذا السؤال ليس بسيطًا وقد تناوله العديد من مفكري الصحوة الإسلامية المعاصرة، منهم المرحوم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه “أين الخلل”، وكذلك تناوله المرحومان الإمام حسن البنا وسيد قطب في كتابه “معالم في الطريق”، وتناوله المفكر شكيب أرسلان… وغيرهم. أمّا بخصوص قناعتي  بهذا الخصوص، فأعتقد أن انتشار العلم الشرعي من خلال حملة الشهادات والمتخصصين في العلوم الإسلامية، اليوم، أدّى لأن يتعرف الناس على الرُخص فبدأوا يميلون إليها بدل العزائم، وهذا انعكس على فتور الهمم، بسبب تعدد مصادر التلقي من خلال عدة مدارس إسلامية، وهذا جعل الناس في حالة ارتباك في هذه الأيام، وذلك بخلاف البدايات الأولى للصحوة الإسلامية، حيث كانت الهيكلية واحدة ومصدر التلقي واحدًا. ثم أنَّ وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة ذات الصبغة الدينية تعد اليوم بالمئات، ما أدخل الناس في بحر من الاجتهادات المختلفة، وهذا أيضا أدى إلى ارتباك. ولعل البعض يميل إلى الاجتهاد الأقرب إلى الهوى والنفس والمصلحة. كذلك أشير إلى مسألة- وإن كانت في الأصل إيجابية- وهي ازدياد طلاب العلم الشرعي، وهذا الازدياد مبارك، لا شك في ذلك، ولكن تعدد الاجتهادات والآراء، خلق ارتباكًا عند الناس، شيخ يقول كذا وشيخ يختلف معه”.

وأضاف: “كذلك فإن الميل إلى الدنيا والشهوات تفاقم هذه الأيام، وأقصد أنه لما بدأت الصحوة الإسلامية وفي مراحلها الأولى، كنّا في وضع يغلب فيه الحياء، ما انفتحت علينا الدنيا كما اليوم، كنّا نفهم أن السير في ركب الصحوة متعب ومرهق. الآن انفتحت علينا الدنيا بشكل عام، وهذا موجود في مشاهد كثيرة، اللباس، الطعام، وسائل الإعلام… مثال على ذلك: وصلت جيل 30 عامًا وما كنت أعرف السفر خارج البلاد، ولكن اليوم تجد أطفالًا في جيل الروضة وأصغر من ذلك، سافروا إلى العديد من الدول خارج البلاد. في الطعام مثلًا، كانت الأسرة تجتمع على أي شيء تعدّه الأم، ولكن اليوم تجد كثيرا من الناس يطلبون الأكل السريع في ساعات متأخرة من الليل. نحن اليوم- برأيي- نعيش في خطر، من حيث استهلاك الطعام السريع مثل الهامبورغر والبيتسا وغيرها من مظاهر الاستهلاك، وفي هذا خطر التنازل عن ثقافتنا وتراثنا والاندماج بدون وعي في ثقافة ووعي الآخر وتراثه. حتى السلوكيات تغيّرت نحو مظاهر سلبية انعكست على حياتنا في كل شيء ووصلت إلى الأسرة والتفكك الاجتماعي”.

 

السياسة والفجوة بين الثوابت

وأردف الشيخ رائد: “هناك شيء آخر، وهو بحاجة إلى حديث مسهب، وأرجو أن يتفهمني الجميع، وهو الانخراط في المشاريع السياسية، هذا الانخراط بدأ يُحدث بعدًا ما بين البداية ومسيرة المشاريع السياسية حتى أصبحت فجوة بين الثوابت. إلى أين وصلت المسيرة السياسية في البعض منا؟ أضحّي بنفسي للمثال: ما قبل دخولي لبلدية أم الفحم بوقت قصير، كنت أصلي في مسجد المحاجنة، وكان هناك حلقة ثابتة بعد كل صلاة فجر، نجلس ونقرأ في كتاب “الفتح الرباني” لسيدنا عبد القادر الجيلاني، إلى جانب وظيفة روحانية مع الأوراد. ولكن مرة واحدة، وإذ بإخواننا في الصحوة الإسلامية، قرروا: “يا رائد نريد أن نرشحك لرئاسة البلدية”، فمن كتب الجيلاني لرئاسة البلدية!!، قلت: “سمعنا وأطعنا”، ودخلت المضمار السياسي. صحيح أننا انتقلنا إلى مرحلة مهمة، ولكن الامتحان كان صعبًا. أذكر في أول يوم لي كرئيس للبلدية، صليت الفجر في المسجد وتناولت الفطور في البيت مع العائلة والزوجة الصابرة “أم عمر”، ثم توجهت إلى البلدية وأخذت معي مصحفًا ووضعته على طاولة رئيس البلدية، وأعترف أنه بعد الانخراط في العمل البلدي، مضت عليّ أيام وقد فارقتني “المسبحة” التي كانت دائمًا معي ثم الحمد لله عدت أحملها. كذلك أذكر في مرة من المرات، كنت جالسًا في مكتب رئاسة البلدية وأذَّن لصلاة الظهر، فدخل عليّ الدكتور سليمان أحمد وكان ضمن طاقم العمل البلدي، فقال: ماذا تفعل؟ اذهب وصل مع الناس، وفعلًا خرجنا وصلينا في المسجد القريب “أبو عبيدة”. هذه أمثلة لها دلالات هامة، في أنه قد يحدث ابتعاد بين الثوابت ودالة المسار السياسي، وقد يصل إلى مرحلة تسجّل مآخذ صعبة على من واصل السير في المشوار السياسي إلى حدّ إحداث صدام ما بين الموقف السياسي والثوابت، وهذا ما تعثّرت به القائمة الموحدة في مسيرتها بالكنيست وخاصة الدكتور منصور، في مواقف لم يجد لها أحد عذرًا. وهذا ما قصدته بـ “الصفاء الأول” حين كنّا وعاء واسعًا ضم كل الناس، لمّا دخلنا في المسار السياسي، بدأت جدلية: أنت وخصمك السياسي الذي كنت تحتويه لما كنت إطارًا لكل الناس”.

 

كيفية العودة إلى “الصفاء الأول”؟

حول كيفية استعادة ما وصفه بـ “الصفاء الأول” الذي اتّسمت به بدايات العمل الإسلامي، يقول الشيخ رائد صلاح: “جواب هذا السؤال في القرآن الكريم وأي جواب آخر فيه فشل. وذلك من خلال قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5)). نحن الآن في مطلع عام 2023، بأمسّ الحاجة إلى هبّة روحية وتزكية الأنفس وطاقة روحية وهمم، وهذه الطاقة الروحية وتزكية الأنفس، ليس من أجل التحلي والتمني، ولكن نريد أن نتزود بهذا الزاد حتى يكون لدينا إرادة ناشطة وهمّة حيّة، وحتى نتحرر من الفتور والتثبيط واليأس، ونُقبل بتفاؤل على حمل هموم الناس، إن كانت جائحة العنف الأعمى، وإن كان غيرها من القضايا كالفقر، والتخبط الاجتماعي، والخطر الذي يهدد الأسرة. نحن بحاجة الآن إلى همم تنقل مجتمعنا إلى بر الأمن والأمان. إذًا نحن نحتاج إلى إرادات تميل إلى الآخرة وتستعد للقاء الله تعالى وتبذل وتعطي بدون مقابل، بحاجة إلى إنكار الذات، ونفسيات تحمل هذه الأبعاد. والقول الثقيل الذي ورد في السورة الكريمة، هو حمل المشروع الإسلامي وتبعات المشروع الإسلامي وإبلاغ كل الناس على صعيدنا الإسلامي العروبي الفلسطيني وكل أهل الأرض، وذلك تحت عنوان “حتى تُملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن مُلئت جورًا. هذه قناعتي وأي بديل آخر، يعني أن نتعثر”.

 

شاهد الحلقة هنا :

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى