أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (148) حكومة بثلاثة رؤوس تقود إلى مواجهة حتمية

حامد اغبارية

 

إذا قرأتَ الخارطة السياسية الإسرائيلية الحالية بتمعُّن ستكتشف أنه ليست هناك حكومة إسرائيلية واحدة برأس واحد وسياسة واحدة، بل هناك ثلاث حكومات –على الأقل- تسعى كل منها إلى جذب الخيوط إليها.

هناك حكومة هشّة يرأسها بنيامين نتنياهو، الذي كان همّه الوحيد العودة إلى رئاسة الحكومة- أيّ حكومة- كي يُفلت من مقصلة الملفات الجنائية المتداولة ضده أمام القضاء الإسرائيلي منذ سنوات. وهناك حكومة ثانية (هي الأقوى حاليا) يمسك خيوطها بن غفير وسموطرتش اللذّان كانا بالأمس فقط من زعران الشوارع. وحكومة ثالثة يمثّلها التيار الديني المتشدد ممثلا بحزبي “شاس” و “يهدوت هتوراه”. وهذه الحكومة الثالثة همّها الأكبر تحقيق أكبر ما يمكن من الميزانيات للشارع الإسرائيلي المتديّن، في وقت تضع فيه القضايا الدينية المُختلَف عليها عُقدة في مِنشار المؤسسة لتحقيق المزيد من الأهداف الخاصة بالوسط الحريدي (المتدين).

نحن أمام حكومة لا تشبه ما سبقها من حكومات، حتى تلك الخمس التي رأسها نتنياهو.

بعكس الصورة الإعلامية التي رُسمت لنتنياهو خلال حكوماته الخمس السابقة، والتي قدمته على أنه الشخص القوي الوحيد الذي يمكنه قيادة المؤسسة الإسرائيلية بنجاح، كان نتنياهو ضعيفًا، هشًّا، مترددًا، متقلبًا في مواقفه، لا يستقر على رأي ولا على موقف، يمارس الكذب حتى مع أقرب المقربين، مُخلفا للوعود، ناقضًا للعهود، يقول الشيء وعكسه في آن واحد، وهو إضافة إلى ذلك يخشى المواجهات مع الخصوم ومع الأعداء. وربما كانت هذه الصفات مغروسة في شخصيّته، ويقف خلفها أيضا ظروف حياته الشخصيّة. وهو اليوم في حكومته السادسة، أضعف بكثير مما كان عليه في حكوماته السابقة. فالملفات المتداولة ضده أمام القضاء، وغريزة البقاء المتمكنة منه بقوة أوقعته بسهولة بين فكّي اليمين الأكثر تطرفا بقيادة الثنائي بن غفير- سموطرتش والتيار الديني الأكثر تطرفا بقيادة درعي وغولدقنوبف وموشيه غافني.

إزاء هذا المشهد يمكن للمراقب أن يتوقع أسوأ سيناريو ستشهده المنطقة في الأيام القادمة، والذي سيقود في نهاية المطاف إلى مواجهة حتميّة على كل الجبهات.

أمَّا المواجهة الأشرس فسوف تكون مع الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي قد تتدحرج إلى ما هو أكبر من مجرد مواجهة محدودة كما حدث في السابق. فالخيوط الرئيسة في الحكومة الإسرائيلية ثلاثية الرؤوس يمسك بها التيار الخلاصي الأكثر تطرفا، والذي يمارس السياسة كما يمارس الصغار لعبة كرة القدم، ظنا منه أنه سيتحقق له ما يسعى إليه من تحقيق حلم إسرائيل الكبرى وبناء الهيكل المزعوم استعدادا لقدوم ملكهم المنتظر (ميلخ مشيّح) بسهولة التصريحات الرعناء التي يطلقونها صباح مساء، دون حساب للعواقب والنتائج والآثار.

تسعى المؤسسة الإسرائيلية منذ سنة تقريبا إلى فرض الهدوء الأمني في الضفة الغربية المحتلة عام 1967 دون أن تحقق شيئا ذا قيمة في الميدان، رغم ما سفكته من دماء وأحدثته من تدمير، خاصة في جنين ونابلس والخليل. كما تبذل كل وسيلة لمنع وقوع مواجهة عسكرية مع فصائل المقاومة في قطاع غزة.

ورغم كل الجهود الإسرائيلية المبذولة لتحقيق ذلك، سواء عن طريق التنسيق الأمني مع سلطة رام الله فيما يتعلق بالضفة الغربية، أو عن طريق الوسيط المصري (ووسطاء آخرين) فيما يتعلق بقطاع غزة، إلا أن الأوضاع مهيّأة للانفجار في أية لحظة، وقد تكون نتائج هذا الانفجار كارثيّة، تظهر فيها المؤسسة الإسرائيلية الطرف الذي سيدفع الثمن الأكبر، جراء سياساتها الصداميّة من جهة، وجراء سعيها إلى تحقيق أوهام المشروع الصهيوني بعيدة المدى التي تتفق عليها جميع التيارات الإسرائيلية بيسارها ويمينها ووسطها، وإن اختلفت الوسائل والآليات والتوقيتات!

ولعلّه من نافلة القول التذكير بأن قضية المسجد الأقصى المبارك، كانت وستبقى هي المحك والقول الفصل في القضية كلّها. ولذلك فإن مساعي تيار بن غفير- سموطرتش إلى فرض واقع جديد حول ملف المسجد الأقصى من شأنها أن تشعل فتيلا لا يمكن السيطرة عليه بعد ذلك.

ليست المؤسسة الإسرائيلية وحدها، ولا حكومة الرؤوس الثلاثة التي عليها قراءة المشهد على حقيقته من حيث النتائج والآثار والأثمان التي ستُدفع، بل هناك جهة أخرى تخشى من وقوع المحظور. هذه الجهة هي سلطة رام الله التي تبذل في الفترة الأخيرة كل وسيلة كي تمدّ من عمرها المتآكل، من خلال رفع مستوى التنسيق الأمني مع الاحتلال، والضرب بيد من حديد ضد مجموعات المقاومة في الضفة.

قبل يومين قال رئيس حكومة رام الله، محمد شتيّة، إن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة تجاه السلطة، من خلال خصم أموال الضرائب المستحقة تهدد بسقوط السلطة.

يبدو هذا الكلام في ظاهره اتهاما للاحتلال بالسعي إلى إسقاط السلطة. وهذا كلام للاستهلاك المحلي، لا أكثر. وهو في حقيقته أبعد ما يكون عن الحقيقة. فالاحتلال آخر من يفكر بإسقاط السلطة التي تؤدي دورا كبيرا في ضبط الأوضاع في الضفة بدلا من الاحتلال، أو لنقل، إلى جانب الاحتلال، الذي يبدو في أحيان كثيرة، كمن يؤدي دور المساند للسلطة في قمعها لأهل الضفة الغربية، من خلال الاقتحامات الدموية التي يشنها بين الحين والآخر في جنين ونابلس.

يدرك الاحتلال أن سقوط سلطة رام الله سيشكل له كابوسا مرعبا من المفضّل تأجيله أقصى ما يمكن. لذلك ليس من مصلحة الاحتلال سقوط السلطة. وما قاله شتيّة في ذلك التصريح إنما هو رسالة غير مباشرة إلى الاحتلال بأن يمنع سقوط السلطة التي تشكل أموال الضرائب بالنسبة لها جزءا أساسيا من إكسير الحياة الذي يضمن بقاءها. فسقوط السلطة يعني تلقائيا العودة إلى ما قبل أوسلو، ولكن بمظاهر مختلفة وأدوات من حيث وسائل المقاومة. وهذا آخر ما يريده الاحتلال.

هناك جبهة ثالثة، إضافة إلى جبهتي الضفة وغزة، لا تقل أهمية عنهما، بل ربما تشكل الجبهة الأهم، وهي جبهة الداخل الفلسطيني. وهذا الملف يحتاج إلى إفراد مقال قادم له، وفي مقدمته أنها جبهة مستهدفة من الحكومة التي يقودها بن غفير – سموطرتش تحديدا. بل سرعان ما سيتبين لنا أن كلّ وزارة تتعامل مع الداخل الفلسطيني على أنها هي الحكومة، وليس مجرد وزارة تقدم خدماتها المفترضة.

ختاما، أيًّا كانت محاولات هذه الحكومة ثلاثية الرؤوس لفرض أجنداتها الخطيرة، فإنها إذا كُتب لها البقاء والاستمرار سنة واحدة على الأقل، فإنها ستقود إلى حرق البيدر.

مام القضاء أوقعته بسهولة بين فكّي اليمين المتط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى