أخبار رئيسيةمقالاتومضات

التحديات التي تواجه الوجود الفلسطيني في ظل حكومة اليمين الديني

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

 

تمهيد..

مع تكشف الاتفاقيات المُبرمة بين الأحزاب الدينية الحاريدية والقومية مع الليكود، تتضح شيئًا فشيئًا أبعاد هذه الاتفاقيات وآثارها المُباشرة والبعيدة المدى على الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس والقطاع والداخل الفلسطيني، وتطال هذه الاتفاقيات الإنسان والأرض والحضارة.

هذه الاتفاقيات تتطلب من المسؤولين وقفة جادة وتفكيكها وتحليلها ووضع الخطط المُناسبة لها، وقديمًا قيل: “ما حكَّ جلدك غير ظفرك”، ومن ثمَّ فمن واجب الهيئات الفلسطينية العليا في الكل الفلسطيني، وفي الداخل الفلسطيني، وفي مقدمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، الوقوف مليًا أمام هذه الاتفاقيات التي تشكِّل حالة تحد سقفها مرتفع يستهدف إعادتنا إلى الحكم العسكري وما دونه عبر بوابات القانون.

فقد أدرك التيار الديني الصهيوني أنَّ القانون من جهة وحملات شعبوية منظمة ومدفوعة الأجر من جهة ثانية، تحركها ماكنة إعلامية محمية قانونًا وسياسة، هي الوصفة الأكثر فاعلية في تحقيق أجنداتها السياسية والأيديولوجية.

كل متابع للشأن الإسرائيلي يعلم أنَّ التيار الديني الصهيوني يملك من الأدوات الفكرية والعملية ما يمكنه من فرض أجنداته على المستوى السياسي والأمني والعسكري بطرق مختلفة، في مقدمتها القانون، ولذلك رأينا على سبيل المثال لا الحصر، كيف عمل هذا التيار على إدخال قضاة من خريجي المدرسة الدينية الصهيونية ومن المستوطنين الساكنين في الأراضي المحتلة عام 1967.

التيار الديني الصهيوني وانطلاقًا من عقليته الصهيو-يهودية، يعمل جادًا ودون كلل أو ملل عبر لافتاته على تنفيذ برامجه حتى أضحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ مطلع هذه الألفية، تعتمد عليه في كثير من المخططات التهويدية والاستيطانية خاصة فيما يتعلق في تحقيق معادلات جديدة في الجغرافيا السياسية في الداخل الفلسطيني وخاصة في المدن الساحلية، فضلًا عن احتلال أراض في المنطقة “ج” في الضفة الغربية، ضاربين عرض الحائط اتفاقية أوسلو ومعززين قيم الاستيطان لمصلحة تهويد الأرض، حيث وصل عدد المستوطنين اليهود في هذه المنطقة 425 ألف مستوطن مقابل 250 ألف فلسطيني، وهي تسعى راهنًا لتمكين الاستيطان في الداخل الفلسطيني، ويبدو واضحا أنَّ النقب سيكون في مقدمة البرامج التهويدية والاستيطانية في هذه الحكومة.

 

التحدي كحالة استراتيجية..

التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني في فلسطين “التاريخية” والداخل الفلسطيني جزء منه في جوهرها، أزمات تستوجب التعامل معها باعتبار أن هذه التحديات تشكل خطرًا على أمننا الجماعي والفردي، وبالتالي تستحيل إلى حالة من الأزمات تعصف بمجتمعنا الفلسطيني، وتستوجب ابتكار الحلول لمواجهة مرحلة جديدة من المواجهات التي ستحمل كما تبدو ملامحها أبعادًا أمنية وسياسية، وهذه التحديات في جوهرها تحمل بعدين، بعدٌ قومي/ ديني متصهين ومتحردل معبأ بالأيديولوجيا الموجهة وستتقارب في هذه الحالة مع الوضع الجاري في الضفة الغربية وشرقي القدس، والبُعد الثاني سيرتبط عمليًا بالمعتدى عليهم أي بالفلسطينيين من أبناء الداخل وكيف سيتصرفون، هل سيكون تصرفهم رد فعلٍ أو الاكتفاء بالشجب والاستنكار، أم المواجهة ستكون محملة بقيم حضارية عمودها الفقري منظومتا الثبات والبقاء وكلا المنظومتين لهما أدواتهما ومنطلقاتهما.

لقد كانت التحديات في سياقات الفعل الإنساني والسياسة جزء منه، أساسًا للفعل الحضاري باعتبار أن التحديات تستوجب إجابة عليها، ولذلك اعتبر “توينبي” أنَّ الشعوب والأمم عندما تتعرض للتحديات والمخاطر ويكون توازن القوى بغير صالحها، تعود مباشرة إلى مخزونها وإرثها الحضاري في مواجهة التحدي، ويكون منطق التحدي قائمًا على أساس من العدل المتعلق بالمواجهة، إذ عدالة القضية وأحقيتها هو ما سيفرض منطق الاستجابة ولو بالقوة.

في سؤال الراهن المُعاش والضعف الذي يعتري الجسد الفلسطيني خاصة في الداخل الفلسطيني الذي يعيش راهنًا انتكاسة حضارية تدفع نحو سؤال المواجهة كوسيلة للإجابة على سؤال الفعل الحضاري القابل لمواجهة التحديات مهما كانت مستوياتها وصعوباتها، ومن نافلة القول أن نشير إلى الظرف الراهن للداخل الفلسطيني الممهور بتفكك مجتمعي وانهيار قيمي وأخلاقي يؤسسان لمسألتي الاستخذاء والوهن.

التحدي من حيث هو تعريف صرف، مصطلح يتوسل معنى الأزمات والصعوبات المتعلقة بالقضايا السياسية ذات التأثير المباشر على مجموعة بعينها تقتضي المواجهة، وهي استراتيجية بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية، باعتبارها بالضرورة من الأهداف العليا المعمول على تحقيقها، فتتحول قوتها وثقلها تبعًا لمكانتها في الفعل السياسي للمؤسسة الإسرائيلية. ولبيان ذلك، فعلى سبيل المثال لا الحصر، بعد توقيع حركة “عوتسما يهوديت” الاتفاق مع الليكود صرَّح بن غفير التصريح التالي “قمنا الليلة بخطوة هامة جدًا في إنشاء حكومة يمين طاهرة.. إعادة الأمن إلى الشوارع، الاهتمام بالنقب والجليل والحصانة الوطنية والاهتمام بالمواطنين القدامى وإنشاء مراكز شبابية وكذلك الاهتمام بالمواقع التراثية في إسرائيل.. إنني فرح أنَّ الوزارات التي سنتولاها ستمكننا من تنفيذ وعودنا للناخبين ولتعزيز الأمن في الجليل والنقب”.

هذه التصريحات المشفوعة بجملة من الاتفاقيات والقوانين منها، مثلًا، تأسيس وحدة أمنية “شاباكية” في الشرطة لفرض النظام، وهذه الوحدة التي يتوقع الكثيرون منها العمل على مواجهة العنف والجريمة المنظمة، ستكون تابعة للجهاز العام الذي بدوره سيستمر في عمله الساعي لإحكام الرقابة على مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وتنفيذ أجندات “عوتسما يهوديت” ذراع القومية اليهودية المتعلقة بالصهيونية الدينية اليهودية، وهو ما يؤكد سؤال المواجهة والمتابعة وتفكيك هذه السياسة عبر التفكير داخل الصندوق وخارجه، لتكون المدافعة قائمة على أساس من الفعل الحضاري الذي مركزه الإنسان والوجود/ الأرض والفكرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى