أخبار رئيسيةأخبار عاجلةتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

الشيخ رائد صلاح يحل ضيفا على برنامج “هذه شهادتي”

الشيخ رائد صلاح في الحلقة الأولى من “هذه شهادتي”:

 

  • لمَّا عشت في هذه الأجواء، شعرت أنني في جنة من جنان الدنيا اسمها أم الفحم، ويكفي أن أقول إن أم الفحم في تلك الأيام هي التي عكست في داخلي الميل إلى الأدب، والشعر، والرسم، وحب القراءة، وحب الخلوة، والميل إلى التجوال في بساتينها وحواكيرها. تلك الأيام التي عشتها في أم الفحم لا تزال ماثلة أمامي حتى في هذه الأيام.
  • بيت العائلة كان متواضعا كسائر بيوت أهلنا وبستاننا ضم كل أصناف الثمار وكان ملتقى للطيور
  • اللجون جزء من كياني ومشاعري ولا أزال على العهد معه
  • التدين في أم الفحم وسائر بلداتنا كان شعبيا متواضعا والمساجد اقتصرت على الصلوات المفروضة
  • الأستاذ ماجد سعد– معلمي في المرحلة الابتدائية- نموذج المعلم المخلص وترك أثرا كبيرا في تكوين شخصيتي

 

طه اغبارية، عبد الإله معلواني

 

حلّ الشيخ رائد صلاح رئيس لجان إفشاء السلام المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني ورئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا، ضيفا على برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني. وتبث حلقات البرنامج، كل يوم خميس في الساعة الثامنة مساء، على قناة موقع “موطني 48” عبر “يوتيوب” وعلى صفحة “موطني 48” في “فيسبوك”.

 

جنّة من جنان الدنيا

وُلد الشيخ رائد صلاح بتاريخ 10/11/1958، في قرية أم الفحم التي أصبحت مدينة في العام 1984. وحين يتحدث عن مسقط الرأس ومهوى الفؤاد تتدفق كلماته كريشة رسام ولسان شاعر، فأم الفحم- كما يصفها- “جنة من جنان الدنيا”، كيف لا؟! وهو (الشيخ رائد) الرسام والشاعر والأديب وجمع مع هذه المواهب كونه داعية وسياسيا وقائدا من الطراز الأول.

عن أم الفحم أيام الطفولة والصبا، يقول الشيخ رائد في مستهل الحلقة الأولى من برنامج “هذه شهادتي”: “أم الفحم التي كانت قرية في تلك الأعوام، شكّلت لوحة فنية جميلة لما كانت تحويه من مناظر أشجارها، وطرقها الترابية، ولما كانت تحويه من أصناف الازهار والثمار الكثيرة، ومناظر البيوت التي كانت موزعة بين أشجارها، وما كانت تحويه من أصناف الطيور وأصوات هذه الطيور التي لم تنقطع ليلا ونهارا”.

“لمَّا عشت في هذه الأجواء، شعرت أنني في جنة من جنان الدنيا اسمها أم الفحم، ويكفي أن أقول إن أم الفحم في تلك الأيام هي التي عكست في داخلي الميل إلى الأدب، والشعر، والرسم، وحب القراءة، وحب الخلوة، والميل إلى التجوال في بساتينها وحواكيرها. تلك الأيام التي عشتها في أم الفحم لا تزال ماثلة أمامي حتى في هذه الأيام”. يُكمل.

 

العائلة.. البيت والبستان

أمّا عن بيئته والعائلة، يتابع الشيخ رائد: “عشنا (الوالدين و7 أبناء و3 بنات) في بيت مثل كل بيوت أم الفحم، متواضعا من حيث المبنى، عبارة عن غرفتين- طابق أرضي-، ثمَّ أضاف والدي- رحمة الله عليه- غرفة ثالثة، إلى جانب مطبخ متواضع جدا، ودورة المياه كانت خارج البيت في مكان معزول عنه. حرص الوالد- رحمه الله- أن يزرع في الأرض المحيطة في البيت كل أصناف الثمار بدون استثناء، أذكر أنَّه كان في أرضنا القريبة من شباك الغرفة التي كنت أنظر منها إلى مناظر أم الفحم: الرمان، والتفاح، والبرتقال، والجرنك، والمشمش، والتين، والليمون والسرو. كل هذه الأشجار شكّلت بستانا يحيط ببيتنا، وكان ملتقى لكل أصناف الطيور المقيمة والمهاجرة. لذلك نشأت وأنا أعرف كل أسماء الطيور وأصواتها، ومنها: الدويري، واللغلغ، وعروسة التركمان، والصُفر، والشحيتي، والكُحّل، والكركس وغيرها من الطيور، كلها كانت تسكن البستان حول بيتنا، لكل منها لونه الخاص وعشه وصوته، كنت اعرف مواعيد تفقيصها، كنت آخذ بعض هذه الطيور وأعتني بها ثمًّ أطلقها”.

“هذه المشاهد جمعت بيني وبين الطيور بوحدة حال وعلاقة متينة جدا لا تزال حتى اليوم، مع أنَّ أم الفحم دخل عليها تغيير كبير من حيث البنيان والعمارات والطرق المعبدة، طبعا هذا التطور كان على حساب جمال أم الفحم رغم انه في الوضع الطبيعي تحافظ الدول على المناظر الخلابة إلى جانب زيادة العمران، ولكن نحن نطارد في أرضنا وبيوتنا، يطاردنا خطر الهدم والمصادرة والتضييق، وهذا ما جعل الحفاظ على معادلة الجمع بين التطور والإبقاء على المناظر الطبيعية في حالتنا، صعبا، وأثّر في نهضة كل بلداتنا في الداخل الفلسطيني”.

 

“اللجون، جزء من كياني”

عن ارتباطه بقرية اللجون المهجّرة، أرضها ومقبرتها وكنوزها، يكمل الشيخ رائد شهادته المشبعة بالعشق والاشتياق: “اللجون جزء من الكيان الذي نمى في داخلي وأصبح جزءا من مشاعري والأمل والعاطفة التي في داخلي. منذ الصغر كنت ورفاق الصبا ننتقل من أم الفحم الى اللجون، سيرًا على الأقدام، نمرّ على “عين إبراهيم”، ومصمص، ومشيرفة والبياضة. كانت الأشجار في اللجون عملاقة تشكل غابة واسعة. اللجون كنز من الجمال بكل ما تحمله الكلمة من معنى: جداول المياه (عين الحجة، عين خليل أو الواد وغيرها) يربط بينها، كل النباتات البرية التي تُعرف على مائدة الطعام الفلسطيني، كلها كانت موجودة في اللجون، وبدأت اتعرف على أسماء النباتات ومتى تنمو وكيف تُأكل وكيف نحصل عليها، من هذه النباتات: الحويرة، والحميض، والزعتر، وأبو صوي والنعنع البري، واللوف، والقُرصعنة والجعدة. وهناك التوت البري الذي لا يزال موجودا، بالإضافة إلى التوت الذي زرعه أجدادنا وكذلك الرمان والكثير الكثير من النباتات والثمار”.

حول ثقافته الواسعة بأسماء النباتات، يردف: “تواصلت مع كل هذه الأسماء ولا زلت على العهد معها، أزور اللجون وأواصل قطف هذه النباتات إلى اليوم. ومؤسف جدا أن لا تعرف الأجيال هذه الأسماء. لذلك اقترحت وسأجتهد أن أُنفّذ هذا الاقتراح أن نقوم بتصوير كل هذه النباتات ونكتب أسماءها وطريقة استعمالها، وفي أي موسم تنبت، وكيفية استخدامها في الطهي. فهذا جزء من كيان كل واحد فينا، لأن الأرض ليست مجرد حفنة تراب، إنها ما تحمل من تاريخ وتراث وجذور، وما تحمل من معالم هويتنا. هذه النباتات من معالم هويتنا، والطيور من معالم هويتنا، لذلك هناك ضرورة أن نحافظ عليها ليس من باب الحفاظ على الطبيعة، ولكن للحفاظ على أنفسنا. تصور أن تضطر الأجيال الى الرجوع إلى القاموس لتعرف ما معنى كلمة “شجيرة” أو “الزعرور” وغيرها!!، كلها كانت في متناول أيدينا نقطفها ونأكلها، وكنا نعود بكميات كبيرة منها من اللجون إلى أمهاتنا فتفرح بها وتمسح على رؤوسنا”.

عن المعالم الأخرى: “هناك مقبرة اللجون التي دفن فيها أمواتنا رحمهم الله تعالى، وفي مدخل اللجون ستجد أكواما من الحجارة هي أنقاض البيوت التي تعرضت للهدم ومن ضمنها مسجد اللجون وكان اسمه “مسجد المحاميد”، ما تمّ الحفاظ عليه هو مقبرة اللجون والجهود المباركة تواصلت للحفاظ عليها، منها جهود لحركة أبناء البلد، وجمعية المهجرين، ومؤسسة الأقصى، وبطبيعة الحال جاءت لجنة تخليد شهداء أم الفحم واللجون وأضفت بصمة جديدة على المقبرة. في بعض الأحيان إذا اشتدَّ عليّ الهم وشعرت بضيق صدر في داخلي أذهب إلى تلك المقبرة (اللجون) وأقف بجانبها واقرأ الفاتحة على الأموات والشهداء، وأجد في ذلك متنفسا عن همومي، وعملية جلاء لما في داخل الانسان من ضغط وشعور بالمطاردة، بطبيعة الحال مفرج الكرب هو الله، ولكن نحن مطالبون أن نبحث عن كل أداة سليمة حتى نحافظ على طهارة داخلنا وخارجنا. مقبرة اللجون محطة ستبقى ولا يمكن أن ننقطع عنها وأنصح كل أهلنا في أم الفحم بزيارة المقبرة وألا ينقطعوا عنها إطلاقا”.

 

“التدين الشعبي المتواضع”

بالعودة إلى أم الفحم وناسها وعلاقتهم مع التدين والصلاة والمساجد قبيل انطلق الصحوة الإسلامية، يقول الشيخ رائد صلاح: “في بيتنا وسائر بيوت أم الفحم وبيوت كل أهلنا في الداخل، كان مظهر التدين شعبيا متواضعا، لا يقوم على فهم سليم وعلم بأصول الإيمان والإحسان، ومن أهم الأسباب لذلك، أنَّ العلماء الذين خدموا الدين إمّا استشهدوا خلال نكبة فلسطين وإمّا رُحّلوا إلى أرض الهجرة والغربة في بلاد الشام ومصر والأردن، فعاش الناس منقطعين عن وجود قيادة دينية، ظلَّت المساجد بدون قيادة دينية، وغلب على ذلك الحال أن بدت المساجد كملتقى للجيل الكبير من الأجداد فقط، كان من الغريب أن تجد شابا يصلي، وقد يثير السخرية عند البعض مع شديد الأسف. المساجد كانت لأداء الصلوات المفروضات، فبعض الصلوات لم تكن قائمة. حين بدأت بالصلاة قبل مرحلة الصحوة، ما كانت تقام صلاة تراويح في رمضان. بالتالي لم يكن هناك توسع في الطاعة من صدقات فطر وزكاة ونحوها، مثلا كان مجرد الحديث عن ميراث المرأة يعتبر عيبا”.

 

رمضان وكعك العيد

هذا الحال العام الذي ساد أم الفحم- يضيف الشيخ رائد- “كان كذلك في بيتنا، حيث مرّت فترة لم يكن أحد يصلي. في رمضان شعرنا بجو ديني خاص، حيث حرص الوالد- رحمه الله- أن يصنع جوا دينيا مميزا، كان يجمعنا على السحور، وكان يحرص أن يكون الطعام مميزا على طاولة الإفطار، وكان يشجعنا على الصيام. وعندما يقترب يوم العيد كان يأخذنا إلى الدكان وغالبا لدكان عمي “حسن أبو شقرة”، كان يشتري لنا ملابس العيد. أروع ما كان يميز جو رمضان في بيتنا وكل بيوت أم الفحم هو ليالي كعك العيد، وكانت رائحة الكعك تفوح من البيوت و”الطوابين”، وحرصت نساء كل حي في أم الفحم أن يساعدن بعضهن بعضا في صناعة الكعك حتى يستوفي كل حي من أحياء أم الفحم صناعة الكعك”.

ما ميَّز العلاقات بين الناس في تلك الأيام- بحسب الشيخ رائد- هو “التراحم والجيرة الصالحة بعيدا عن التقليد والتزييف، أذكر في إحدى المرات ذهبت مع أمي لنساعد جارتنا “عمتي لطيفة”- إن لم تخني الذاكرة- ونخبز معها كعك العيد، وكانت الأجواء في تلك الليلة رائعة- أظنها كانت ليلة القدر- حيث تواجدت والدة زوج عمتي لطيفة (المرحوم عمي إبراهيم)، فبدأت هذه السيدة العجوز تردد الأهازيج الدينية والموشحات على وقع عمل أمي وباقي النساء في خبز كعك العيد، مستحيل أن انسى تلك الأيام. كذلك أذكر المرحوم الشيخ توفيق خشان وهو قريب والدتي من قرية البياضة، كان يزور بيتنا، وكان تدينه فطريا وحبب الله إليه حفظ القرآن وتلاوته مقلدا لأصوات المقرئين الذين كان يستمع إليهم في الإذاعات، تلك الأيام، كنا نستمع إليه وهو يقرأ القرآن ولا شك كان لهذا الأمر الأثر على تكوين شخصيتي. كما لا أنسى “ستي” الحاجة بلقيس وهي من دار الكيلاني وكانت مشهورة أنها درويشة وصاحبة دعاء مبارك، وكان لي نصيب من زادها المبارك. كل هذه الذكريات كانت جزءا من تكوين شخصيتي بحمد الله رب العالمين، ووجدت نفسي أميل إلى التدين والعزلة واجتناب الحرام بقدر المستطاع”.

 

مدرسة الأستاذ ماجد سعد

يدين الشيخ رائد صلاح بالكثير مما ساهم في تكوين شخصيته، إلى الأستاذ ماجد سعد من أم الفحم، معلمه من الصف البستان إلى الصف التاسع “هو نموذج المعلم المخلص، تعامل معنا كأبنائه، أذكر حين حدّثنا عن هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، تناول شخصية سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بطريقة طريفة، إذ كان الأستاذ ماجد يحمل معه دائما قطعة من “نبريش” لردع المشاغبين، فلمّا شرح لنا عن سيدنا عمر وكيف هاجر إلى المدينة متحديا المشركين، قام الأستاذ برفع “النبريش” (محاكاة للمشهد والسيف بيد سيدنا عمر) وقال كما قال سيدنا عمر للمشركين: هل من مبارز. بالتالي هذا الأسلوب المتواضع الفطري الذي اتَّبعه معنا الأستاذ ماجد، نجح من خلاله أن يحبب إلينا شخصية سيدنا عمر، فساهم بذلك في تكوين شخصياتنا، فأحببنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحببنا سيدنا عمر والتاريخ الإسلامي وجذورنا. المعلم المخلص يستطيع أن ينتج ولو كانت الإمكانيات معدومة، يستطيع أن يبني جيلا من الطلاب، كما يحب ذلك كل مجتمعنا أن يظهر هذا الجيل صاحب العلم والهوية والخُلق والعطاء، وهذا سيكون إن شاء الله”.

 

شاهد الحلقة من هنا :

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى