أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

ماذا وراء الجولة الآسيوية لولي عهد السعودية؟

ـ الجولة الآسيوية جاءت بعد نحو شهر ونصف من تعيين محمد بن سلمان رئيسا للوزراء، ومع ازدياد التهديدات الأمريكية بمعاقبة السعودية إثر خفض أوبك إنتاجها النفطي

شكلت جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الآسيوية، تأكيدا لتوجه البلاد الجديد نحو تنويع شراكتها بعيدا عن تحالفها التاريخي والاستراتيجي مع الولايات المتحدة، الذي يمر بأحلك مراحله.

فالسعودية تطمح في المرحلة المقبلة للتحول من دولة نفطية إلى اقتصاد متنوع الدخل، وفق رؤية 2030، بل وتوطين عدة صناعات خاصة العسكرية منها على لا تكون رهينة للولايات المتحدة، وتقلبات سياسييها.

لذلك جاءت زيارة ولي العهد السعودي إلى إندونيسيا، للمشاركة في قمة العشرين، وأيضا إلى تايلاند، بالتزامن مع انعقاد قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، وقبلها إلى كوريا الجنوبية، حيث تم التوقيع على اتفاقيات بعشرات المليارات من الدولارات.

فالسعودية تبحث عن فضاءات للشراكة والتعاون والتحالف في عالم يتوجه بسرعة ليكون متعدد الأقطاب، تسعى الرياض لتكون أحدها، ولن يتحقق ذلك إلا بشبكة من التحالفات مع القوى الدولية الصاعدة بعيدا عن الهيمنة الأمريكية، ودون أن يؤدي ذلك إلى فض الشراكة معها.

 

ـ قمة العشرين.. الجلوس مع الكبار

على الرغم من أن ولي العهد السعودي غاب عن القمة العربية بالجزائر بعدما منعه الأطباء من السفر بالطائرة لمسافات طويلة، إلا أنه فضل عدم تفويت فرصة الجلوس مع الزعماء العشرين الكبار في العالم.

ففي قمة العشرين تصنع سياسات العالم، وتعقد التحالفات، رغم أن هذه القمة شهدت غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شريك الرياض في “أوبك+”، لكنها سمحت لولي العهد السعودي بلقاء عدد من القادة وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك.

كما التقى ولي العهد السعودي رئيس الإمارات محمد بن زايد، رغم أن الأخير ليس عضوا في مجموعة العشرين، ولكن اللقاء كان بمثابة نفي ضمني لما شاع عن خلافات بين الرجلين بشأن الملف اليمني.

فقمة العشرين التي عقدت في جزيرة بالي، بإندونيسيا، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، شكلت فرصة لتعزيز التعاون بين السعودية وأكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، والاقتصاد الأسرع نموا في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ.

ولكن عدم اجتماع ابن سلمان، مع الرئيس جو بايدن، على هامش قمة العشرين، شكل رسالة أخرى على أن العلاقة بين البلدين ليست في أحسن أحوالها.

 

ـ كوريا الجنوبية.. شريك اقتصادي وعسكري

30 مليار دولار حجم اتفاقات الاستثمار التي وقعتها السعودية مع الشركات الكورية الجنوبية، على هامش الزيارة التي خص بها ولي العهد السعودي سيول، ما يعكس توجها لمنح الصفقات الضخمة خاصة مشروع مدينة نيوم، للشركات الكورية على حساب الشركات الأمريكية.

ليس ذلك فقط، إذ تعهدا زعيما كوريا الجنوبية والسعودية “بإقامة علاقات أقوى في مجالات الطاقة وصناعة الدفاع ومشاريع البناء”.

هذا رغم أن التعاون في مجال الطاقة والبناء، واضح باعتبار السعودية ثاني أكبر مُصدر للنفط وكوريا الجنوبية من كبار المستوردين له، وأيضا التعاون في مجال إنتاج الهدروجين الأخضر، باعتباره طاقة المستقبل النظيفة.

كما أن السعودية تسعى لبناء مدينة فريدة من نوعها (نيوم) وبحاجة إلى شركات عقارية عملاقة لها خبرة في بناء المدن الجديدة، بما فيها البنية التحتية وشبكات المواصلات، والشركات الكورية لها شهرتها في هذا المجال.

لكن التعاون في مجال الدفاع أمر مستجد، رغم أن كوريا الجنوبية مصنفة كخامس أكبر جيش في العالم، وتعتبر من البلدان المصدرة للسلاح وعرفت طفرة في تصنيع وتصدير الأسلحة عالية التكنولوجيا، في ظل التهديد الذي تواجهه من جارتها الشمالية.

وتسعى السعودية لتعزيز شراكتها مع كوريا الجنوبية، خاصة في مجال الدفاع الجوي لمواجهة الصواريخ البالستية والطائرات الانتحارية التي تستهدف أراضيها من الحوثيين في اليمن، والأهم من ذلك توطين هذا الصناعات ونقل التكنولوجيا العسكرية.

فإذا كانت الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على السعودية من أجل عدم استيراد أسلحة من روسيا والصين، وفي نفس الوقت نفسه ترفض تزويدها بما تريد من صناعات دفاعية، فإن كوريا الجنوبية تمثل الشريك المثالي ليس فقط لعقد صفقات سلاح بل أيضا لصناعته في السعودية.

 

“أيبك”.. نصف تجارة العالم

ليست السعودية عضوا في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (APEC)، لكن تزامن زيارة ابن سلمان لتايلاند مع احتضانها للمنتدى، كان مقصودا، خصوصا وأن الأخير التقى عدة زعماء في المنظمة.

ومنتدى “أيبك”، يضم 21 دولة ليس كلها من آسيا على غرار منظمة الآسيان، بل تضم الدول المتشاطئة للمحيط الهادئ، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا والصين وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وأغلبية الدول الأخرى من آسيا على غرار تايلاند وإندونيسيا وماليزيا..

ويمثل اقتصاد هذه الدول نحو نصف التجارة العالمية، وأكثر من 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتواجد السعودية في هذا النادي، ولو كضيف شرف، يحقق هدفها في تقوية حضورها الدولي، ويوفر فرص لعقد شراكات وتحالفات مع أطراف العالم، وتعزيز التجارة في المحيط الهادئ، خاصة مع النمور الآسيوية.

وتمثل الجولة الآسيوية لولي العهد السعودي، ومشاركته في قمة المناخ بالقاهرة، أولى جولات ابن سلمان، بعد تعيينه رئيسا للوزراء، في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، وهو المنصب الذي يحتكره في العادة الملك.

كما تشكل هذه الجولة الآسيوية تحد للرئيس بايدن، الذي تعهد قبيل فوزه برئاسة الولايات المتحدة بجعل السعودية منبوذة، لكن بعد عامين من حكمه، مازال ابن سلمان حاضرا في أبرز المحافل الدولية التي يشارك فيها قادة أمريكا، حتى بعدما ساءت العلاقات أكثر عندما قلصت أوبك من إنتاجها النفطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى