ألف فيها جزءا من أشهر كتبه.. شاهد عيان يروي قصة 96 يوما قضاها القرضاوي في فلسطين
جاب العلامة الراحل الدكتور يوسف القرضاوي أرجاء المعمورة والتقى ما لا حصر له من الأعراق والأجناس، لكن زيارته لفلسطين وتحديدا لمدينة الخليل رغم أنها استمرت لأسابيع قليلة فإنه كان لها وقع كبير على نفسه وكانت ذات فائدة وبركة كما يقول أحد سكان المنطقة.
زار الدكتور القرضاوي في أوج شبابه عدة مدن فلسطينية بين النكبة والنكسة، وأقام نحو 3 أشهر في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية صيف 1966، ومنها انطلق في زيارات قصيرة إلى باقي المدن.
جاءت زيارة الشيخ لفلسطين قادما من الدوحة، كعادة أهل الخليج الذين يبحثون عن مصيف معتدل بعيدا عن أجواء بلدانهم الحارة.
ورافق الشيخ في زيارته زوجته و3 من بناته، وأقام 96 يوما، وفق تحسين النتشة (74 عاما) في حديثه للجزيرة.
وفق تحسين، أقام الضيف في منزل عائلة النتشة في الجهة الغربية من المدينة، مطلا على المسجد الإبراهيمي شرقا وأراضي الخليل الخضراء، وفي شرفتها المطلة كتب جزءا من كتابه “فقه الزكاة”.
ورشة عمل
خلافا لفكرة الاستجمام أو الراحة التي يسعى إليها المصطافون عادة، شغل القرضاوي وقته وحوّل الخليل إلى ورشة فكرية، صعد المنابر خطيبا وخاصة في مسجدي “القزازين” و”السنية” في محيط المسجد الإبراهيمي، ألقى محاضرات في دواوين العشائر وزار أعيانها وزاروه.
يقول النتشة إنه حضر أغلب خطبه “كانت طويلة، لكنها جذابة حتى ودّ المصلون لو كانت أطول”.
يضيف أنه سأل القرضاوي خلال الزيارة عن سبب اختياره لمدينة الخليل مع وجود خيارات أكثر رفاهية في العالم، فكانت إجابته “جمال المدينة وتديّن أهلها وانتشار المساجد فيها”.
انبهار بخضرة المدينة
وفق تحسين النتشة، فإن القرضاوي كان منبهرا بخضرة مزروعات الخليل، وسأله عن كيفية ريّها، فأجابه بأنها تعتمد على مياه الشتاء فقط، فقال القرضاوي “إنها بركة المكان في الأرض المقدسة”.
عن تلك الأيام قال “الخليل مدينة تستريح إليها النفس، وتشعر بها بالعبق الإسلامي أينما ذهبت”.
وأضاف أنه تعرف فيها “على عدد من الإخوة الكرام على رأسهم أسرة عبد النبي النتشة: الحاج عيسى عبد النبي، والدكتور حافظ، والحاج عبد الغني وابنه الحاج صالح، وقد نزلت ضيفا عليهم، ووسعني كرمهم وحسن ضيافتهم، وزرت مصنعهم لتعليب المنتجات الزراعية”.
وذكر ممن تعرف عليهم “الشيخ شكري أبو رجب (…) فوزي النتشة الشاعر، الذي زادت صلتي به بعد ذلك، بعد مجيئه إلى قطر مُعَلِّما بها. والأخ القارئ المتقن محمد رشاد الشريف”.
وقال إن أيامه في الخليل “كانت من أكثر الأيام فائدة وبركة، وقد ألقيت أكثر من محاضرة بها”.
وفي ختام الزيارة قال القرضاوي بحسب النتشة “بعد قضاء أكثر من شهرين في مدينة الخليل الجميلة، الحافلة بكل المعاني الخيرة، والمشاعر النبيلة، وبعد أن امتلأنا من هوائها، وشبعنا من غذائها، وارتوينا من مائها، ونعمنا بفواكهها، وصلينا في مساجدها، واستمتعنا بصداقة أهلها، وعشرتهم الطيبة، طفقنا نعد العدة للعودة إلى الدوحة، وهذا يستلزم أن نقوم بجولة في مدن الضفة الشرقية”.
حشد كبير في نابلس
بعد الخليل، اتجه القرضاوي شمالا لزيارة مدينتي نابلس وجنين، وألقى محاضرة في مدينة نابلس “احتشد لها عدد كبير”.
وتابع “ثم دعاني عالمها الفاضل الشيخ مشهور الضامن إلى بيته، وهيأ لنا في اليوم التالي غداء دعا إليه عددا من الرجال وذوي الشأن فيها، ثم التقيت بالإخوة في نابلس لقاء خاصا”.
مسك الختام
وتابع أنه زار جنين وألقى فيها محاضرة، ثم توجه إلى مدينة القدس “ومنها وليت وجهي شطر أولى القبلتين (…) فكانت زيارة القدس مسك الختام لمدن الضفة الغربية”.
يقول القرضاوي إن زيارته للقدس كانت الأولى له، ووصف قبة الصخرة بأنها “تحفة فنية رائعة”.
في القدس يروي الشيخ أنه التقى رئيس الهيئة العلمية الإسلامية في رحاب المسجد، الشيخ عبد الله غوشة، وزار مسجد عمر بن الخطاب وصلى فيه، ثم كنيسة القيامة، وأهم معالم المدينة العربية الإسلامية.
وتابع “رأيت السلك الشائك الحاجز بين القدسين الشرقية (تحت سيطرة الأردن آنذاك) والغربية (تحت سيطرة إسرائيل)”.
غفلة ومكيدة
عن أهل القدس قال “كان أهل القدس الشرقية يمارسون حياتهم العادية، يغدون ويروحون، ويبيعون ويشترون”.
لكنهم -وفق القرضاوي- كانوا “في غفلة عما يجري من حولهم، وما يدبر لهم من مكايد العدو الذي يحيط بهم إحاطة السوار بالمِعْصَم، وكان محتلو القدس الغربية في عمل دائب، وسهر دائم، يواصلون الليل بالنهار، لبناء المستقبل على أنقاض فلسطين والفلسطينيين”.
أشار القرضاوي لزيارته مخيمي “العرّوب” شمالي الخليل، و”عقبة جبر” بمدينة أريحا، للاجئين من نكبة 1948.
كما ذكر في مذكراته أن وصوله ومغادرته كانت من مطار القدس “فقد كانت الطائرات تأتي من الدوحة إلى القدس. ثم من القدس إلى الدوحة”.
وقد شارك القرضاوي في قوافل كسر الحصار عن غزة عام 2013، كما سبق أن زار القطاع في خمسينيات القرن الماضي.
وأُعلن الاثنين عن وفاة المؤسس والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن 96 عاما، تاركا أكثر من 170 كتابا، ومئات المحاضرات والحلقات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية.
ونعت رابطة علماء فلسطين “العلامة الرباني” وأعلنت عن استقبال المعزين مساء اليوم الأربعاء، في ديوان عائلة النتشة في الخليل.