أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (133) عندما تتكلم الأغلبية الصامتة!

 

حامد اغبارية

 

1) باعتراف الجميع، بدءًا من المؤسسة الإسرائيلية ومراكز أبحاثها واستطلاعات الرأي فيها ووسائل إعلامها، وانتهاءً بأحزاب الكنيست الناطقة بالعربية، فإن غالبيّة أبناء الداخل الفلسطيني سيقاطعون انتخابات الكنيست القادمة، وأن النسبة هذه المرة قد تتجاوز 65%. هذا مع علمنا جميعًا أن الأغلبية قاطعت انتخابات سابقة، غير أنها لم تسجّل هذه النسبة المرتفعة، سوى مرة واحدة عندما قررت معاقبة إيهود براك على سفكه دماء أبناء شعبنا في هبة القدس والأقصى عام 2000، وظلت نسبة المقاطعة تتراوح بين 51-55%.

وقد أدركت تلك الجهات (الإسرائيلية والناطقة بالعربية) هذه الحقيقة وبدأت – بناء على هذا الإدراك- تسعى بكل ما تملك من وسائل للتأثير على هذه الأغلبية من أجل خفض نسبة المقاطعين إلى أدنى حد ممكن. ولأن الجهة الأكثر تضررًا من ارتفاع نسبة المقاطعة هي أحزاب الكنيست الناطقة بالعربية فإنها تعيش حاليا حالة من الضغط والقلق وضبابية الرؤية، حتى يبدو الأمر وكأن مصير بعضها أصبح على كفّ عفريت، وبات مستقبلها السياسي مهددًا تهديدا حقيقيا.

تعلم هذه الأحزاب أن الجمهور قد فقد الثقة بها لأسباب عديدة، كلّها من صُنع يديها، خاصة بعدما بدأ كثيرون من أبناء مجتمع الداخل يدركون أن تأسيس المشتركة عام 2015 قد جاء على قاعدة المصلحة الحزبية، وأنه لا علاقة له بـ “إرادة الشعب” و “قرار الشعب” و “مصالح الشعب” و “نهضة المجتمع” و “دحر الصهيونية” و “إسقاط اليمين” و “التأثير من الداخل” و “تجديد الخطاب الديني”. فكل هذه كانت مجرد شعارات أدرك الجمهور أن الأحزاب كانت تخدعه بها، وعلى وجه أخص ما شهدناه من ممارسات وسلوك وخطاب سياسي دون المستوى خلال السنة الأخيرة، والتي كشفت للكثيرين من الذين خدعتهم الشعارات العاطفيّة أنهم كانوا ضحيّة لعملية خداع وغسيل دماغ.

إزاء هذا المشهد العبثي لا يكفي أن تقرر الأغلبيّة المقاطِعة أنها لن تذهب إلى صناديق الاقتراع، بل من واجب كل واحد فيها أن يخرج عن صمته ويرفع صوته ويجهر به ويقول كلمته. فالصمت في مثل هذه الحالات سيسجل لصالح الانتهازيين، إذ ليس هناك فراغ مطلق. فإذا لم تكن أنت موجودا في الميدان فإن غيرك سيملأُه. وإذا واصلتَ الصمت فإن أصوات الوصوليين ستملأ الدنيا ضجيجا فارغا، كما هي العادة.

لذلك على الصامت أن يخرج عن صمته، وأن يقول ما يؤمن به ولو بكلمة، ولو بتعبير بسيط.

ولا تقل في نفسك: وماذا يفيد صوتي وخروجي عن صمتي أمام هذه الماكنة الإعلامية الرهيبة والأموال الطائلة الذي تعمل من أجل دفع الناس للتصويت للكنيست الصهيوني والسقوط في مستنقع الأسرلة؟

عليك أن تلاحظ أن الماكنة الإعلامية تمارس الكلام أيضا. وأنت تدرك أن الكلام له تأثير، فعلامَ صمتُك إذًا؟؟!

أمامك فرصة لإسماع صوتك وقول رأيك، وسوف تلاحظ أن كلمتك لها تأثير أكبر بكثير من الماكنة الإعلامية تلك، والأموال الطائلة تلك. وذلك لسبب واحد: أنهم يكذبون وأنت تعبر عن موقفك بصدق.

من حقك أن تمارس حريّة التعبير عن رأيك، بل هو واجب في ظروفنا الحالية. فأنت بذلك تدافع عن وجودك وعن هويتك وعن انتمائك وعن مستقبل مجتمعك.

ووسائل الخروج عن الصمت والجهر بالصوت والنطق بكلمة الحق في وجه الباطل كثيرة، تبدأ بالجلسة العائلية ولا تنتهي بوسائل التواصل الاجتماعي.

إن صمتك عن قول الحق سيترك الساحة لانتفاش الباطل، وانتشار الكذب والخداع الذي يمارسه السحرة على عقول الناس.

فلا تترك الساحة لتجار السياسة يعيثون فيها تخريبا.

2) إذا كان جمهور الداخل الفلسطيني قد مارس واجبه في مقاطعة الانتخابات لرئاسة الحكومة الصهيونية على خلفية جريمة حكومة إيهود براك أثناء هبة القدس والأقصى عام 2000، فإن على هذا الجمهور أن ينظر حوله ليرى أن سفك دماء أبناء شعبنا، في العام الأخير على الأقل، هو أضعاف أضعاف ما سُفك من دماء عام 2000. لذلك على الجمهور أن يتخلص من الفخ الذي نجحت المؤسسة الإسرائيلية ومعها الأحزاب المصلحية الناطقة بالعربية في إسقاط الكثيرين فيه من خلال إقناعهم بالفصل بين الانتخابات وبين النكبات. فالنكبات ما تزال تنصب فوق رؤوسنا.

3) بعد أن نجحت أصوات الحق النقيّة في إسكات الداعمين للشواذ من أحزاب الكنيست الناطقة بالعربية، بحيث لم يعُد أيٌّ منها يجرؤ على الاقتراب من هذه القنبلة التي كلفتهم غاليا، يبدو أن هذه الأحزاب قد قررت تغيير الخطاب هذه المرة بمائة وثمانين درجة، فيما يبدو بنصيحة “المستشارين الدعائيين (ولا أقول الإعلاميين والاستراتيجيين)، فبدأت تستخدم العزف على العاطفة الدينيّة ظنّاً منها أن هذه الخديعة ستنطلي على الجمهور، وهي لا تدرك أنها تخاطب جمهورا ذكيّا فطنًا عركته السياسة وعركها.

أيمن عودة، الذي يمثل حزبًا لا دينيا، بل حزبًا محاربا للدين، وهو حزب لم يترك قضية عليها إجماع برفضها في مجتمعنا إلا ودعمها مثل قضية الشواذ، يستخدم في دعايته الانتخابية آيات قرآنية.

بطبيعة الحال هذا الأسلوب سيفشل فشلا ذريعا، لأن الجمهور ليس غبيا ولا مغيّبا، وستبقى هذه الأساليب وصمة على جبين مستخدميها، فهي أسوأ استخدام للمقدسات من أجل أهداف انتخابية لمؤسسة تشريعية صهيونية تحارب القرآن والإسلام وتلاحق أهله وتضيّق عليهم وتسجنهم وتشيطنهم وتكمم أفواههم. هذه فعلة لن يغفرها الجمهور لمن يقترب من مقدساته بسوء.

ولا بدّ من التنبيه إلى أن على الجمهور أن يخرج بكل قوة ووضوح ضد هذه الاستخدامات السيئة والمسيئة لآيات القرآن والمقدسات لممارسة الخداع عليه، شأنها كذلك شأن الذين يلجأون إلى مآذن المساجد في الساعة الأخيرة من يوم الانتخابات لاستجداء الأصوات، تلك الفعلة النكراء التي تتكرر في كل جولة انتخابات، دون حياء ودون وازع.

إن على الجمهور أن يبذل كل ما في وسعه من أجل وقف هذه المهزلة. وإنَّ أفضل وسيلة هي الإعلان المبدئي عن مقاطعة الانتخابات. كذلك يجب مطالبة هؤلاء فورا، من خلال صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي والاتصال المباشر، بالكفّ عن التلاعب بالمقدسات من أجل أهدافهم الانتخابية…

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى