أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (131) المبدأ صحيح… الممارسة كارثيّة

حامد اغبارية

صدق عضو الكنيست الدكتور منصور عباس عندما قال (في مقابلة مع يديعوت أحرونوت الجمعة الماضية) إنه يجب عدم الانشغال بتعريفات المواطنة: مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية. لكنّه واصل ذات النّهج الكارثيّ عندما قال إنه يمارس مواطنته كواقع مُعطىً ويبحث من خلال ذلك عن التأثير وتحقيق المواطنة الحقيقيّة. ثم تساءل: من لديه حلول أخرى فليتفضل ويعرضها! وهو بقوله الأخير هذا ينطلق من منطق أنه لا توجد حلول لقضيتنا إلا من خلال نهجه، فحصر الحلّ في نفسه وفي النّهج الذي اختاره، ناسفًا بذلك نضال 74 سنة من مراغمة المشروع الصهيوني.

إن مبدأ عدم الانشغال بنوع المواطنة ودرجتها التي قررتها لنا ظروف النكبة بغير إرادة منا هو مبدأ صحيح إذا ما تعاملنا معه بالشكل الصحيح، وفهمنا أبعاده وتداعياته. فنحن فلسطينيي الداخل، كجزء أصيل من الشعب الفلسطيني، والذين عليهم وعلى آبائهم وأجدادهم أوقعت النكبة عام 1948، ما تزال آثار هذه النكبة تلسع ظهورنا بسياطها، ومن ذلك مسألة المواطنة هذه، التي يعرف الدكتور عباس، كما نعرف جميعا، أن المؤسسة الإسرائيليّة اضطرت لمنحنا إياها، بعد أن فشلت في إنهاء الملف وإغلاقه إلى الأبد. ومن ثمَّ تعاملت معنا من منظور أمني خالص، ولم تشهد سياساتها العمليّة منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم غير ممارسة الإقصاء والنفي والملاحقة والتضييق والتعامل ليس فقط مع مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وإنما مع مجموعة معادية ليس لها حقوق أصلًا. لذلك فإن السؤال ليس إذا ما كنا مواطنين درجة أولى أم ثانية، وإنما هل تتعامل المؤسسة الإسرائيلية بكلّ دوائرها ومؤسساتها معنا كمواطنين؟ وإذا كنا مواطنين فعلا، فلماذا نحن درجة ثانية في كل شيء حتى في الطعام والشراب؟ ويتبع ذلك سؤال آخر: هل يمكن أن نصبح ذات يوم مواطنين درجة أولى تماما، ليس كالإشكنازيين، ولا كالحراديم، ولا حتى كالشرقيين السفراديم، وإنما كالأثيوبيين الذين تتعامل معهم دولتهم التي أحضرتهم (زيادة عدد) كمواطنين من الدرجة الرابعة؟ هل يمكن أن ينجح نهج الدكتور منصور عباس ونهج التنظيم الذي يحتضنه في حلّ هذا اللغز، كما يُفهم من كلامه في تلك المقابلة؟

هناك مليون سؤال وسؤال حول هذا الفكر وهذه الفكرة وذلك النّهج..

لماذا يجب عليّ أن أمارس مواطنتي كواقع مُعطىً؟ وما معنى هذا الكلام؟ أيمكن أن يعني أنني أستسلم للواقع الذي فرضته عليّ ظروف قاهرة ليس لي يدٌ فيها، ثم أزعم أنني، من خلال الاستسلام لهذا الواقع والرضوخ لكل تفصيلاته القاهرة، سأحاول أن أبحث عن التأثير لتحقيق المواطنة الحقيقية؟

هذا تماما ما يقوله الدكتور منصور عباس.

ولماذا أرضخ لذلك الواقع المُعطى بدلا من أن أعمل على مقاومة هذا الواقع وتغييره؟

قد يأتي من يقول: ولكنَّ الرجل يتحدث فعلا عن تغيير الواقع من خلال التأثير من الداخل؟

وهذا ما يسمى ذر الرماد في العيون، لأنّ تغيير الواقع لا يكون بالرضوخ له والممارسة من موقع المستسلم الضعيف الذي ينتظر أن يمنّ عليه الطرف القويّ بفتات يسميها هو إنجازات. إن تغيير الواقع يتحقق من خلال وسيلتين: الأولى- رفض هذا الواقع ورفض التعاطي معه بالقبول والرضا، والثانية مواجهة هذا الواقع ومراغمته، بالوسائل المتاحة، من خارج الأطر والمؤسسات التي هي نتاج ذلك الواقع، ومنها، بل وعلى رأسها الكنيست. إذ لم يسجل التاريخ أن مجموعة سكانيّة لها امتدادات أوسع من كونها أقليّة عددية داخل أكثرية استطاعت أن تغيّر واقعها من خلال الاندماج داخل الطرف الذي فرض هذا الواقع. وكلّ التجارب التي سجّلها تاريخنا المعاصر في المنطقة العربية، والتي حاولت المشاريع الاستعمارية فرضها على الشعوب المقهورة، ثبت فشلها، ولم تنجح تلك الشعوب في فك قيودها إلا عندما قررت ممارسة حقها في الحريّة والنهوض والتطور والانعتاق من خارج تلك المشاريع الاستعمارية. وما انسحب على غيرنا ينسحب علينا كذلك. وها نحن عشنا – وما نزال- تجربة التعاطي مع مؤسسة الكنيست كوسيلة (وهميّة خادعة) لحلّ مشاكلنا والنهوض بأنفسنا دون نتائج تذكر، بل كان الثمن الذي دفعناه أكثر بكثير مما توقعه السائرون في ذلك الطريق الخطير. ومن آثار هذا السير أن يأتي شخص كالدكتور منصور عباس ويحاول إيهام الجمهور بأن نهجه وطريقه هو الحلّ!!

وسؤال آخر: ما هي المواطنة الحقيقيّة التي يريد الدكتور منصور عباس تحقيقها؟

أولا هذا اعتراف غير مباشر بأن مواطنتنا في المؤسسة الإسرائيلية غير حقيقية حتى الآن. هل يمكن فهم المسألة بطريقة أخرى؟ هل لها معنى آخر؟ أنا لم أجد تفسيرا آخر…

وطالما أن مواطنتنا غير حقيقية، فإن أسوأ ما يمكن أن يمارسه أي مواطن غير حقيقي هو أن يتعاطى مع هذا النوع من المواطنة كواقع مُعطى..

ولو فرضنا جدلا أن هذا النهج وصل إلى “الحلّ السحري”، وحققنا المواطنة الحقيقية، ما الذي يعنيه ذلك؟

ليس لهذا إلا معنًى واحدًا: أن تكون مواطنا إسرائيليًا متساويا تماما مع الاشكنازي والشرقي والحريديّ والروسي والأوكراني والإثيوبي في كل شيء، وفق معادلة: حقوق مقابل واجبات. فهل يمكن فهم المواطنة الحقيقية بغير هذا المنطق؟!!

بطبيعة الحال فإن الوصول إلى ما يتحدث عنه عضو الكنيست عباس يستحيل تحقيقه. فالمؤسسة الإسرائيلية بطابعها العنصري (وفق مؤسسات دولية أيضا)، والمشروع الصهيوني كمشروع قائم على عنصرية العرق والدين ليس في أجندته إطلاقا الوصول بنا إلى تلك “المواطنة الحقيقية”، حتى لو خرج منها من يقول: تريدون حقوقا فعليكم تأدية الواجبات… فهذا كلام استهلاكي تقف خلفه عقلية عنصرية مريضة لا تقصد ما تقول، حتى لو قبل الطرف الضعيف (الذي هو نحن) بأداء الواجبات. فهذا مشروع قائم على أخذ كل شيء وعدم إعطاء أي شيء، لأننا؛ أنا وأنت وأنتم ونحن، بمن فينا الدكتور عباس، يُنظر إلينا من فوّهة المجهر الأمني. وحتى الفئات التي قبلت على نفسها أن تكون جزءًا من المؤسسة الإسرائيلية في كل شيء، بما في ذلك الخدمة العسكريّة والأسرلة الذاتية حتّى النخاع إلى درجة عبرنة حياتها تفكيرا وسلوكًا ونظام حياة، و “طعوجت” لسانها بلكنة اشكنازية لم تتمكن حتى الآن من الوصول إلى “المواطنة الحقيقية”، رغم أنها “تمارس مواطنتها كواقع مُعطىً” منذ سبعين سنة!!

العجيب أن الدكتور عباس يعطيك الجواب على ذلك كلّه من خلال قوله في تلك المقابلة: “إن الحلّ الوحيد لوقف الصراع هو السلام وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل”!

ورغم أن أكبر كذبة يعيشها شعبنا الفلسطيني منذ اختطافه وسرقة إرادته هي كذبة حل الدولتين، فإنني سأفترض أن هذا هو الحل، فلماذا لم يتحقق حتى الآن، وتحديدا منذ خديعة أوسلو، رغم أن الدنيا كلّها (وليس فقط منصور عباس) تتحدث عنه، بل ووُضعت له خططٌ وبرامج وخرائط طريق لا تحصى، ووقعت اتفاقيات وعقدت مؤتمرات وصدرت عن الأمم المتحدة قرارات تحمل أرقاما ضخمة؟؟؟

الجواب: إن حل الدولتين مجرد خديعة دولية ورطت فيه “القيادة” الفلسطينية شعبها في مشهد عبثي كان ثمنه دماء كثيرة، ونتائجه مزيد من الاستيطان والتوسع والتهويد والكثير الكثير من الظلم والقهر…

فإذا كان هذا لم يتحقق، وهو لن يتحقق، لأن الهدف منه زيادة التمكين للمشروع الصهيوني، فهل سينجح نهج منصور عباس في تحقيق المواطنة الحقيقية من خلال ممارسة المواطنة (غير الحقيقية حتى الآن) كواقع معطًى؟

والسؤال الأخير: من قال إن الحل الوحيد لوقف الصراع هو السلام وحل الدولتين؟

ألا يمكن أن يكون هناك حل آخر لوقف هذا الصراع وإنهاء هذا الملف، مثل أن نُحمّل على شاحنات (قديمة) ويُلقى بنا من وراء الحدود؟؟؟؟

أنا لا يهمني أن أكون مواطنا بأي درجة كانت. ما يهمني أنني أمارس دوري لمواجهة الواقع وتغييره دون أن أضطر إلى دفع ثمن من كرامتي أو التنازل عن ثوابتي أو تقديم التنازلات لأرضي هذا وذاك، متمسكا بهويتي وانتمائي دون طـأطأة ودون تأتأة. لا أريد تلك “المواطنة الحقيقيّة” ولا أريد التساوي مع أحد، فأنا صاحب قضيّة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى