أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

العلّامة في الفيزياء وعلم الفلك الراحل محمد جبارين (أبو سامح).. حوّل بيته إلى مدرسة في التربية والتوجيه، شعاره في الحياة “أشرب المرّ وما أزعّل حدا”

موطني48|طه اغبارية

فقدت الحركة العلمية والثقافية في مدينة أم الفحم والداخل الفلسطيني، يوم الجمعة الفائت، العلّامة في الفيزياء وعلوم الفلك والرياضيات، الأستاذ محمد يوسف حسن عبد الفتاح جبارين (أبو سامح)، بعد أن وافاه الأجل عن 75 عاما، جراء مضاعفات معاناته مع مشاكل في القلب.

توقف قلب “أبو سامح”، لكن نبض عطائه في المئات من طلابه الذين كانوا بمثابة الأبناء، سيبقى حاضرا كلّما ارتقى أحدهم في سلّم العلم.

عطاء لا ينضب

رغم المرض والمعاناة “لم يكلّ ولم يملّ من العمل بنشاط واستقبال طلابه من حملة الشهادات العليا في بيته، هذا إلى جانب إشرافه على العشرات من الأبحاث في الفيزياء لطلاب المرحلة الثانوية”، تقول الحاجة المربية جهاد جبارين، أرملة المرحوم أبو سامح.

حول سيرة المرحوم “أبو سامح”، تضيف الحاجة جهاد “بعد انهائه المرحلة الثانوية مارس المرحوم مهنة التدريس لسنة واحدة في الطيبة، ثمّ التحق بالجامعة العربية في القدس وتخرج منها بين الأعوام 74-75 في موضوعي الفيزياء والرياضيات، وكان ذلك في الفترة التي تزوجنا فيها، ثمّ عُيّن معلما في المدرسة الثانوية في أم الفحم، واستمر فيها نحو اربع سنوات، وبسبب مواقفه السياسية والمضايقات من الدولة لم يواصل التعليم، وتفرغ للعمل مع الطلاب المتفوقين في مجال علم الفلك والفيزياء، وكان ذلك بتكليف من الحركة الإسلامية قبل دخولها إلى العمل البلدي، ثمّ لاحقا جرى تعيينه في قسم المعارف في البلدية زمن الكتلة الإسلامية لمواكبة الطلاب المتفوقين في الفيزياء والعلوم بشكل عام”.

كان أبو سامح- تقول زوجه- موسوعيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى وتنوعت مجالات معرفته ومطالعاته في شتى العلوم الإنسانية والفلسفة والعلوم التجريبية.

يشار إلى أن المرحوم “أبو سامح” كان ناشطا سياسيا وتعرض للملاحقة السياسية من قبل السلطات الإسرائيلية وفتح ضده ملف في المحاكم الإسرائيلية بمزاعم التحريض حيث نشط في كتابة المقالات السياسية المؤيدة لانتفاضة الشعب الفلسطيني (انتفاضة الحجارة) مطلع الثمانيات.

الزوج المثالي

الفاجعة برحيل “أبو سامح” كانت كبيرة على الحاجة جهاد، وحين سألناها كيف كان كزوج ورفيق درب، قالت بتأثر بالغ “صاحب أخلاق عالية نبيلة، وكما يقال “اللي بثمّه مش إلو”، فقد كان معطاء بلا حدود، اهتم بأدق تفاصيل تلاميذه وقدّم المساعدات لمن احتاجها بدون حدود، اسأل الله تعالى أن يجعل أعماله هذه في ميزان حسناته”.

أهم الصفات التي تحلى بها المرحوم “أبو سامح”- وفق زوجه- كانت التسامح “كان فعلا اسما على مسمى “أبو سامح”، عشت معه قرابة الـ 45 عاما، لا أذكر أنه اغضبني في يوم من الأيام، فطبيعته كانت كذلك، لا يعرف المغيبة أبدا، ولا يمكن أن ينقل عنه حديثه بسوء عن أحد، حتى لو طاله الأذى من شخص ما، كان يقول لي دائما “أنا بشرب المرّ وما بزعل حدا””.

البيت المدرسة

حوّل أبو سامح بيته إلى مدرسة ومكتبته المنزلية الغنية جدا، إلى مرجع لطلابه وطالباته من الثانويين وخريجي الجامعات من حملة الشهادات العليا، وكان يواكب حياة أبنائه من الطلاب لحظة بلحظة ويبقى على تواصل معهم يفتقدهم إن تخلفوا عن زيارته، وحثّهم دائما على المزيد من العلم والتعلم والارتقاء في مراتب العلم.

كان أبو سامح- تضيف زوجته- ينظر إلى المجتمع العربي في الداخل كوحدة واحدة ينتمى إليها، لذلك جاءه الطلاب للاستفادة وتلقي النصح من أم الفحم والمنطقة وسائر البلدات العربية.

 

مشروع لم يكتمل

كشفت الحاجة جهاد جبارين عن كثير من الانتاج العلمي والأدبي الذي عمل عليه المرحوم “أبو سامح” لكنه لم ير النور بعد، برغم إلحاح العديد من طلبته عليه للبدء بطباعتها وإصدارها إلا أن الأجل وافاه قبل أن يقوم بذلك.

وتعتبر الحاجة جهاد أن مشروعها الآن هو التفرغ لإصدار انتاجات المرحوم العلمية والأدبية مع عدد من طلابه الأوفياء مثل الدكتور راشد محاميد، فهي كما تشير “انتاجات قيّمة جدا، ومن حق المرحوم عليّ ان أخلد ذكراه، ومن حق مجتمعنا العربي أن يطّلع على إبداعات المرحوم نظرا لما فيها من فائدة علمية وتربوية عظيمة”.

 

شكر وتقدير

في ختام حديثها إلى “موطني 48″، توجهت الحاجة جهاد جبارين بالشكر والتقدير إلى كل من واكبوا المرحوم بالاطمئنان عليه خلال مكوثه في المستشفى، ولم يفارقوه في أيامه الأخيرة، كما بعثت بعظيم شكرها وامتناناها -باسمها وباسم المحامي رفيق جبارين (شقيق المرحوم) وكافة أفراد العائلة- إلى كل الذين تقدموا بمواساتهم للعائلة بمصابها برحيل “أبو سامح”.

المرحوم أبو سامح مع المتخصص في الهايتك محمد محاميد والبروفيسور نضال مهنا (خلال دراستهم الثانوية في إحدى الرحلات العلمية)

ما هذا الغياب؟!

 الدكتور راشد محاميد من مدينة أم الفحم، المتخصص في هندسة الميكرو ميكانيكيات، وهو من طلاب المرحوم “أبو سامح” وأحد اقرب المقربين إليه، كتب عبر صفحته على “فيسبوك” بعد وفاة المرحوم: “في السادس عشر من شهر حزيران 2022 في تمام الساعة 14:55 بعد الظهر بينما كنت جالسا أهُم بالخروج من البيت وإذ بهاتفي ينبّهني بوصول رسالة. أخرجت هاتفي من جيبي لأفحص الرسالة فإذا بها تقول ‘ما هذا الغياب..’ عندما قرأتها شعرت وكأن قشعريرة دبّت في كل جسدي. كان لها صدىً لم أشعره من قبل. ما هذا الشعور الغريب الذي انتابني؟! هذه كانت آخر رسالة وصلتني من أستاذي ومرشدي ومعلمي أبو سامح رحمه الله”.

وأضاف محاميد “سأفتقدك واشتاق للقائك الاسبوعي في بيتك. فيه تحدثني عن آخر ما قرأت من كتب العلوم، الفيزياء، الفلسفة، السياسة، التاريخ والدين وتعلمني من حِكم الحياة. حتى وأنت على فراش الموت تعلمت منك، سألتك حينها عن آخر كتاب قرأت فبدأت بالحديث عن كتاب ‘نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب’ بدون تردد وأنت تلتقط أنفاسك بصعوبة. عرفتك الانسان المعطاء، المتفاني في عمله، صاحب الهمة العالية وملهم طلاب العلم. نقي القلب، إذا أساء إليك أحد أكرمته. تحب أهل أم الفحم بخيرهم وشرهم. كنت متواضعا بعلمك ومعتزا بإسلامك وعروبتك. سردت لي قصصا من حياتك المليئة بالأحداث وبأدق التفاصيل ليس إلا لتعلمني منها العِبر. سأفتقد جلوسي على رأس طاولة بيتكم بينما الحاجة جهاد تجلس عن يميني وانت تجلس عن يساري وكأني طفلكم المدلل… لا أنسى كيف كنت ترافقني لسيارتي بعد كل لقاء لتلوح بيدك مع السلامة ونظراتك لا تفارقني حتى أرحل من أمام بيتك. سأشتاق لك.. وسأظل أردد ما هذا الغياب يا مرشدي أبو سامح… رحمك الله وجمعني الله وإياك بالجنة”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى