ثوابتنا بين الدكتور محمد البلتاجي والشيخ رائد صلاح

الشيخ كمال خطيب
# يوم أمس 25 يناير
مرت يوم أمس الذكرى السابعة لثورة الشعب المصري العظيم ضد الطاغية حسني مبارك، والتي عرفت بثورة 25 يناير والتي انتهت بخلعه بعد وقفات العز في ميدان التحرير في القاهرة. كانت ثورة 25 يناير ثمرة من ثمار ثورات الربيع العربي شملت كلًا من تونس حيث كانت البداية ثم مصر ثم اليمن ثم ليبيا وسوريا.
صحيح أن من نزلوا إلى الميادين ومن وقفوا في مواجهة أجهزة أمن حسني مبارك ومن سقطوا شهداء، هم من كل أبناء الشعب المصري بكافة مركباته السياسية والدينية والفكرية، لأن كل هؤلاء كانوا يعيشون ظروف القهر والظلم والاستبداد مارسها نظام حسني مبارك مدة ثلاثين سنة، امتدت منذ العام 1981 وحتى العام 2011 ، لكن أحدًا لا ينكر أبدًا أن أبناء المشروع الإسلامي عمومًا وأبناء جماعة الإخوان المسلمين خصوصًا كانوا هم عماد هذه التحركات، وهم من أعطاها زخم الاستمرارية وأمدها بمقومات التوهج باعتراف من خالفوهم الرأي كونهم الجماعة والحركة الأكثر انضباطًا والأوسع شعبية، قال الدكتور صفوت حجازي: ” إنه لولا تصدي شباب الإخوان وشجاعتهم أثناء الثورة في ميدان التحرير لحدثت مذابح رهيبة للعشرات، ولذبحت الثورة مؤكدًا أن الإخوان حموا الثورة وأن %80 ممن وقفوا على حواجز للمواجهة مع البلطجية في ميدان التحرير يوم موقعة الجمل من شباب الإخوان”.
وإذا كان الدكتور حجازي من الإسلاميين، وإن كان ليس من الإخوان المسلمين فإن الدكتور محمود خليل رئيس قسم الصحافة بكلية إعلام القاهرة وهو ليس من الإسلاميين، فإنه يقول وتحت عنوان – الإخوان ليسوا بعبع – :” لقد لعب الإخوان دورًا أساسيًا في حماية الشباب المصري خلال الأيام التي انقضّ فيها رجال أمن وموظفوا وبلطجية الحزب الوطني البائد على المتظاهرين في ميدان التحرير مستخدمين الخيول والبغال والجمال، كذلك قاموا بدور مهم في تنظيم عملية الدخول إلى الميدان خلال التظاهرات المليونية التي شهدتها الأيام التالية”.
لقد كان من أهم نتائج ثورة 25 يناير ليس فقط خلع حسني مبارك، وإنما لأنها أسفرت أنه وللمرة الأولى يستطيع الشعب المصري انتخاب رئيس له عبر صندوق اقتراع، وليس أن يأتي الرئيس عبر انقلاب عسكري، فكانت الانتخابات الأولى بعد الثورة التي أسفرت عن فوز جماعة الإخوان المسلمين بنسبة 44.5% من أصوات مجلس الشعب ثم فوز مرشحهم الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية. لم يمض أكثر من سنة إلا ويقع الانقلاب على الرئيس الشرعي يوم 3/7/2013 ثم كانت مجزرة رابعة يوم 14/8/2013 وما أعقبها من اعتقال ما يقرب من ستين ألفًا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منهم رئيس الجمهورية محمد مرسي ورئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتناني ومرشد الجماعة الدكتور محمد بديع وقياديون كثيرون.
لم يكتف السيسي الانقلابي وزمرته بما فعلوه بل قام بحظر جماعة الإخوان المسلمين وحلّها بل واعتبارها تنظيمًا إرهابيًا، وإعلان الحرب السافرة عليها. وها هي أربع سنوات مضت وحرب استئصال يخوضها السيسي يسانده في ذلك حكام السعودية والإمارات، وبدعم غير مسبوق من إسرائيل وأمريكا، بينما قادة الجماعة صابرون ثابتون رغم سقوط الشهداء منهم داخل الزنازين.
لقد كانت محاولات كثيرة من أجل الإقرار بحكم السيسي والقبول به مقابل التخفيف من وطأة الملاحقة الأمنية للجماعة، لكن قادتها وأبناءها رفضوا المساومة وأصروا وما زالوا يصرون على عودة الشرعية وعلى إنهاء الإنقلاب وعدم التفريط بمنجزات ثوره 25 يناير.
وقبل أيام قليلة كانت الرسالة المسربة التي كتبها في سجنه الدكتور محمد البلتاجي، أحد أشهر قادة جماعة الإخوان المسلمين والتي يؤكد فيها البلتاجي على استمرار أهداف الثورة، واستمرار وفاء جماعة الإخوان المسلمين للثوره وللشعب المصري، لقد كان من جمله ما قاله:” أردت أن يدرك ثوار يناير الذين جمعتهم الثورة العظيمة بكل طيفهم السياسي والوطني ثم فرقتهم الأحداث بعد ذلك بسبب حجم التآمر، ليس فقط على نتائج الثورة بل على تاريخها وصفحاتها الوضاءة، لعلنا نستدرك ما فات ونعيد الاصطفاف الوطني على قاعدة أكثر صلابة مستفيدين من دروس وأخطاء الماضي التي وقعنا فيها جميعًا.
أردت أن يعلم الجميع أننا سددنا ومازلنا نسدد من أرواحنا ودمائنا وحرياتنا وأولادنا فاتورة ثورة يناير المجيدة، نقول هذا ليس منّة على الوطن وعلى الثورة وإنما فداءً للحرية وللكرامة التي حلمنا بها وجاهدنا في سبيلها، وحفاظًا على مستقبل وطن حلمنا لكل من فيه بالحياة الكريمة العزيزة ترفرف عليهم رايات الحق والعدل والحرية وصونًا لحقوق 25 يناير، وكلنا أمل في مستقبل عظيم لأمة ووطن عظيم نفتديه بأرواحنا ودمائنا، قل عسى أن يكون قريبا “.
هكذا إذن يكتب الدكتور البلتاجي عن الوطن وعن الثورة وعن المستقبل وعن الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها. ولعلها أربع 4 سنوات عجاف عاشها الشعب المصري في ظل حكم الطاغية السيسي وصل من خلالها الى حقيقة تراجع كل نواحي الحياة في مصر، وأن الإنقلاب كان ليس ضد جماعة الإخوان المسلمين، وإنما ضد كل الشعب المصري، لكنها في المقابل جماعة الإخوان المسلمين التي أكدت أنها قد قدمت وستظل تقدم، وأنها عصية على الاقتلاع.
لم يكن أشرس من حكم الملك فاروق الذي قام بحل الجماعة عام 1948 ثم عبد الناصر وقد تلفع بعباءة القومية فقام بحلّ الجماعة المرة الأولى عام 1954 والمرة الثانية عام 1965، ثم بعده السادات الذي تظاهر ببعض انفتاح لكن استمرار حربه الشعواء على الجماعة كذّب ذلك التظاهر، وعلى نفس المنهج كان حسني مبارك.
لقد رحل فاروق وعبد الناصر والسادات ومبارك وبقيت جماعة الإخوان المسلمين. وسيرحل السيسي وستظل جماعة الإخوان المسلمين تعطي للوطن، ويعرف الوطن المصري كيف يعطيها ويرد لها الجميل في الوقت المناسب.
# اليوم 26 يناير
مساء هذا اليوم الجمعة 26 يناير ستنعقد ندوة فكرية في مدينة أم الفحم لإشهار وقراءات في الكتاب الجديد الذي كتبه الشيخ رائد صلاح فك الله أسره وهو بعنوان ” معركة الثوابت”، مع أن صاحب الكتاب سيكون هو الغائب الحاضر حيث هو معتقل في سجون الظلم الإسرائيلية منذ 15/8 /2017.
ولأن شيخ الأقصى صاحب الكتاب معتقلٌ بتهم باطلة وملفقة، وكلها يراد من خلالها الضغط لمحاولة النيل من مواقفه التي تمثل مواقفنا والسعي للوصول إلى حالة تنازل أو تراجع في الثوابت التي آمنا بها وفي مقدمتها المسجد الاقصى المبارك ووحدانية حقنا فيه كمسلمين ورفض الاقرار باي حق مزعوم فيه لغير المسلمين.
نعم إن السجن ليس هواية ولا نزهة ولا أمنية يتمناها الإنسان أيًا كان، ولكنه إذا كان ثمنًا ملزمًا وضريبة لابد منها من أجل الدفاع عن العقيدة والثوابت الإيمانية والوطنية فليكن السجن و ما هو أصعب منه.
يقول أخي الشيخ رائد في مقدمه كتابه: ” ولذلك فكما أننا على صعيد الفرد والمجتمع والشعب والأمة، قد نضطر إلى خوض معركة الدفاع عن أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا إذا أصبحت في خطر فقد نضطر كذلك إلى خوض معركة الدفاع عن ثوابتنا إذا أصبحت في خطر، وإذا ضاعت للفرد منا والمجتمع والشعب والأمة أرض وبيوت ومقدسات فهي خساره موجعة، ولكنها ليست خسارة أبدية ويمكن أن تسترد ويمكن أن تعود الأرض والبيت والمقدسات ولو بعد حين.
ولكن إذا ضاع لهذا الفرد والمجتمع والشعب والأمة الثوابت، فهي ليست مجرد خسارة موجعة بل هي هزيمة نكراء لا يمكن أن تسترد إلا بتجديد العهد والوفاء مع الثوابت من جديد وإلا سيتلو ضياع الثوابت ضياع الأرض والبيت والمقدسات”.
إن قدرنا نحن أبناء المشروع الإسلامي في الداخل الفلسطيني ونحن نعتز بانتمائنا وهويتنا الإسلامية والعروبية والفلسطينية، أن ندفع الثمن بسبب هذا الإنتماء ولا يضيرنا ذلك، وإلا فإن الذي يريد العيش العزيز بشعور الشموخ والكبرياء فإن لذلك ثمنًا، ومن يرض السير في ذيل القافلة، وأن يكون ضمن مواكب العبيد فإنه يستطيع ذلك ولكن الثمن كرامته.
يقول الشيخ رائد في كتابه: “على ضوء هذه الثوابت يمكن لنا أن نقيم معسكرًا اسلاميًا عروبيًا فلسطينيًا في مقابل المعسكر الأمريكي والمعسكر الصهيوني والمعسكر الروسي والمعسكر الإيرانى والمعسكر الأوروبي، وسيكون هذا المعسكر الإسلامي العروبي الفلسطيني هو النصير لكل قضايانا الإسلامية والعربية بما في ذلك القضية الفلسطينية، وسيكون من الواجب علينا الانحياز إلى هذا المعسكر وإعلان البراءة من كل ما سواه من معسكرات مهما كان عددها ولو كان مثل زبد البحر ومهما كانت أسماؤها براقة وخداعة”.
ها نحن إذًا بين يوم أمس ذكرى ثوره 25 يناير وما نتج عنها من فوز جماعة الإخوان المسلمين بثقة الشعب المصري ثم ما أعقب ذلك من انقلاب ومذابح وسجون وملاحقات وحلّ الجماعة والزج بما لا يقل عن ستين ألفًا من أبنائها وقياداتها في سجون السيسي، ولكن تاريخ هذه الجماعة ومواقفها على مدار تسعين سنه فإنها أثبتت أنها تحمل رسالة وتنتمي إلى هوية و أنها لا تساوم أبدًا على ثوابتها وهويتها مهما كان الثمن، وهذا ما بيّنه الدكتور محمد البلتاجي في رسالته.
وأما مساء اليوم فإنها القراءات في كتاب معركة الثوابت التي نؤكد فيها عبر قلم الشيخ رائد صلاح أن أبناء المشروع الإسلامي في الداخل الفلسطيني هم حملة فكره، وأصحاب دعوة، وأنهم لا يسعون لشيء من حطام الدنيا لأشخاصهم، شعارهم “وأموت مبتسمًا ليحيا ديني”.
نعم إن هذا كلفهم وما يزال، ملاحقات وتضييق وسجن، وصل الى حد إعلان قرار حظر الحركه الاسلاميه يوم 17/11/2015 واعتبارها تنظيمًا إرهابيًا خارجًا عن القانون. وهاهم الأخوة من عشاق الأقصى ما يزالون يحاكمون، وها هو الشيخ رائد صلاح ما يزال معتقلًا. ليتبين لنا في الصورة الثانية للمشهد كيف أن الطاغوت العربي لا يختلف عن الطاغوت الصهيوني، وأن سياسات نتنياهو لا تختلف عن سياسات السيسي، وأن معسكر الباطل وإن اختلفت لافتاته إلا أنه يجمع ويلتقي على حرب أبناء المشروع الإسلامي.
ولكننا وبكل الثقة واليقين نؤكد على ثباتنا، وتمسكنا بمنهجنا مهما كان الثمن، واثقين مطمئنين أن الدعوات لا تهزم وأن العقائد لا تستسلم، لا بل إنها التي في النهاية ستنتصر بإذن الله .
وإذا كنا نعتز بانتمائنا إلى المعسكر الإسلامي الفلسطيني، فليهنأ طواغيت العرب وفي مقدمتهم السيسي وابن سلمان وغيرهم بالانتماء إلى المعسكر الأمريكي الصهيوني.
لن يطول الزمان وسيرحل كل هؤلاء بإذن الله، وسنصبر نحن على جراحاتنا ، ولكننا سنتعافى وسنعيش بإذن الله فرحة النصر والفرج يوم تلتقي هذه الأجزاء المبعثرة والمتناثرة من الدعوات ومن الحركات من أبناء المشروع الإسلامي. نعم ستلتقي وتلتحم ويجمع شملها تحت راية واحدة، هي راية معسكر الحق في مواجهة الباطل، والخير في مواجهة الشر، والنور في مواجهة الظلام، والهدى في مواجهة الضلال والاسلام في مواجهة كل أعدائه.
رحم الله قارئا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون