ليكن غضبنا فعلًا لا انفعالًا
ليلى غليون
موجة الغضب العارمة التي هاجت في صدورنا استهجانًا واستنكارًا لاستمرار مسلسل الإساءة لشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والذي يبدو أنه لن ينتهي ولن يتوقف، وأنه ليس مجرد إساءة من قبل عابث أو مستهتر، كما لا يمكن اعتبار الأمر كحدث عابر أو وليد الصدفة، بل هو حدث وسياسة مبرمجة ومدروسة ومخطط لها بدقة متناهية يعكس حجم الحقد الدفين والكراهية العمياء للإسلام ونبي الإسلام الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.
لطالما عبرنا عن استنكارنا الشديد نصرة لحبيبنا صلى الله عليه وسلم، ولا زالت براكين الغضب تتفجر في قلوبنا فالاعتداءات مستمرة والإساءات تتلاحق، وأشقياء القوم باختلاف أشخاصهم وأزمنتهم وأمكنتهم، مصرون على استفزاز وإثارة مشاعرنا كمسلمين من خلال التعرض لشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وهذا الاستنكار وهذا الغضب إنما هو ترجمة حب وولاء ونصرة لرسول الله صلى الله عليه وتحمل في طياتها ألف رسالة لكل من تسول له نفسه من العابثين، بل المجرمين أن يتجرأ ويتطاول على نبي الرحمة، وقد غاب عنهم قول الله تعالى: (والله يعصمك من الناس)، بل طمس على قلوبهم أن العناية الإلهية تظلله حيًا وميتًا صلوات ربي وسلامه عليه. فالله تعالى حافظه وناصره، ولن يضر السحاب نبح الكلاب، ولن يحيق المكر السيء إلا بأهله، وقد حاول من قبلهم أبو لهب وأبو جهل وأبي ابن سلول وأم جميل ومن على شاكلتهم من عبّاد الحجارة، ومن بعدهم كثيرون من عباد الهوى والضلال، فلفظهم التاريخ في مزابله ولا يذكرهم إلا على صفحاته السوداء.
إن هذا الغضب بالتأكيد يظهر بجلاء مدى محبته صلى الله عليه وسلم ومكانته في القلوب، كيف لا وهذا حبيب الحق وسيد الخلق أجمعين، ولكن محبته ونصرته والغضب لأجله صلى الله عليه وسلم ليس فقط مشاعر وعواطف وردود أفعال خالية من الروح التي تجسد الطاعة الفعلية والاقتداء بمن نحب.
فكلنا تنبض قلوبنا بحب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهذا الغضب ينبغي أن يظل مشتعلًا وألا يذهب أدراج الرياح عندما تهدأ العاصفة وتخمد نار هذا الحدث، فكل فترة تثور هذه العاصفة ويتجدد الحدث، فهل نثور إذا ثارت ثم لا نلبث أن نخمد إذا خمدت؟!
إن المطلوب ترجمة فعلية لهذا الغضب وليس انفعالية، وذلك باتباع سنته صلى الله عليه وسلم والذب عنها والعض عليها بالنواجذ.
نعم لطالما غضبنا لكل إساءة بحق نبينا صلى الله عليه وسلم، وحق لنا أن نغضب ونثور، وهذه الإساءات جاءت من غرباء حاقدين لا تجري في عروقهم دماء إسلامية، ولكن هناك من الإساءات التي نقوم بها نحن كمسلمين، والتصرفات والأفعال التي من خلالها نسيء نحن لديننا ونبينا ولا يقابلها ردة فعل غاضبة، بل في كثير من الأحيان يتم السكوت عنها أو التغاضي عنها وكأن الأمر عادي.
فلماذا لا نغضب عندما نرى سنة رسول الله تنتهك من قبل بعض النساء أو الفتيات اللواتي يخرجن متعطرات متبرجات يرتدين أزياء صممت في بلاد العم سام، لقد باتت مدارسنا وشوارعنا ومؤسساتنا العامة منها والخاصة تعج بهذه الأزياء ولا أحد يحرك ساكنًا، فإذا عجزنا أن نطلقها غضبة عامة، فلتكن على الأقل غضبة على المستوى الشخصي، كأن يغضب الأب أو الأم من الأزياء التي ترتديها ابنتهما، أو الأخ لأخته أو الزوج لزوجته، فلو أغلق كل ولي أمر الأبواب أمام منكرات الأزياء في بيته لما استفحلت الموضة وطغت في مجتمعاتنا. أليس في سكوت أولياء الأمور لهذا المنكر إساءة لسنته صلى الله عليه وسلم وهو القائل (يا أسماء إذا بلغت المرأة لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه).
أليست منكرات الأعراس والتبذير ومظاهر البذخ التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليست هذه عين الإساءة لما جاء به من تعاليم وأخلاقيات؟!
أليست نشأة الأبناء على غير منهج الإسلام أعظم إساءة لسنة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام؟
أليست صور عقوق الوالدين والتي باتت منتشرة في الكيان الاجتماعي حيث تمرد الأبناء على ذويهم وتمرد البنات على الأمهات ليعلو صوت البنت في كثير من الأحيان على صوت أمها، وتفضيل الابن زوجته وتقديمها على أمه في بعض الحالات، أليست هذه المخالفات الشرعية قمة الإساءة لما جاءت به السنة المطهرة التي منحت حق الأولوية للأم بحسن الصحابة ليأتي الأب في المرتبة التي تليها؟!
أمّا عن مظاهر العنف بأشكاله المتعددة فلتتحدث شهرزاد حتى الصباح ولا تسكت عن الكلام المباح: عنف في المدارس، عنف بين الجيران، عنف في المجتمع، بل قل هي الحرب بعينها، عنف زوجي وعنف أسري والقائمة طويلة. أليس كل هذا يشكل خرقًا فادحًا للتعاليم النبوية التي أضاءت الكون بعدلها وسماحتها ودعت الناس إلى البر والإحسان وحسن الخلق والأخوة في الله انطلاقًا من أساس: “الدين المعاملة”؟!
إن أشقياء القوم من خلال إساءاتهم المتكررة وتجرئهم على نبينا صلى الله عليه وسلم قد استهانوا بنا وبمشاعرنا كمسلمين، ونحن عبرنا ولا زلنا نعبر عن استنكارنا الشديد وتنديدنا بهذه الفعلة الشنعاء النكراء من خلال ردة فعل غاضبة، والتي برأيي المتواضع سيكون تأثيرها أقوى ونتيجتها حاسمة وموجعة عندما نقيم سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في حياتنا في بيوتنا في أنفسنا، ونحياها ونحييها قولًا وعملًا وسلوكًا، عندها سيكون لنا شأن آخر.



