أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

قبر يوسف بنابلس.. صراع الروايات والوجود

يشكل “قبر يوسف” بؤرة صراع بين الفلسطينيين والصهاينة منذ 55 عامًا، إذ يدعي الصهاينة أنه “قبر النبي يوسف” عليه السلام، فيما يؤكد الفلسطينيون على أنه مقام لرجل مسلم صالح يدعى “يوسف دويكات” وأن رواية الاحتلال ليست أكثر من مجرد رواية سياسية استيطانية.

يقع “قبر يوسف” في بلدة بلاطة شرقي مدينة نابلس، وهي منطقة خاضعة لسيادة السلطة الفلسطينية، لكنه يشكل بؤرة صراع بين الفلسطينيين والصهاينة منذ احتلال المدينة عام 1967، إذ أصبح  وجهة دائمة للمستوطنين للصلاة فيه وإقامة الطقوس التلمودية.

وفي عام 1986 أنشأ الاحتلال فيه مدرسة يهودية لتدريس التوراة، وفي عام 1990 تحول الـ”قبر” إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها جيش الاحتلال، وصنفته ما تسمى بـ”وزارة الأديان الإسرائيلية” وقفًا يهوديًا.

الرواية اليهودية

وحسب المزاعم اليهودية، فإن عظام النبي “يوسف بن يعقوب” عليه السلام أحضرت من مصر ودفنت في هذا المكان، ويستند اليهود على رواية في سفر التكوين، أحد أسفار التوراة، تقول أن “النبي يوسف أوصى بني إسرائيل بنقل عظامه ودفنها شرقي مدينة شكيم”، وهي مدينة نابلس الكنعانية.

وبذلك بات القبر مرقدًا يهوديًا للصلاة والحج، يذهب إليه المتدينون اليهود في نهاية كل شهر ميلادي للصلاة فيه والمكوث لمدة يومين، يبدآن من منتصف الليل وحتى طلوع الشمس في اليوم التالي.

لكن خبراء الآثار والمؤرخون ينفون صحة هذه الرواية، ويؤكدون أن عمر القبر لا يتجاوز الـ200 سنة، بدليل أن النبي موسى عليه السلام أتى بعد 200 عام على وفاة النبي يوسف عليه السلام، وبقي مكان دفنه في مصر مجهولًا، أما الدليل الثاني فهو أن القبر أو الضريح مبني وفق الطراز الإسلامي، حيث تكسوه قبة، وهي عادة كانت تستخدمها بعض الطوائف الإسلامية عند دفنها لأحد الموتى.

دحض الرواية اليهودية

تشير البحوث التاريخية إلى أن القبر حديث البناء يعود إلى العصر العثماني عام 1904، حيث تم بناء الضريح تخليدًا لرجل صالح كان يدعى يوسف دويكات، قدم إلى المنطقة، وكان يقوم بتدريس وتعليم الدين الإسلامي.

وبعد وفاته كرمته الدولة العثمانية بإقامة ضريح باسمه، وبقي المكان مزارًا للمسلمين، ومعبدا لبعض الطوائف الصوفية، التي أقامت طقوسًا خاصة كختان المواليد تيمنًا بالرجل الصالح.

ويؤكد الفلسطينيون أن الموقع هو أثر إسلامي مسجل لدى دائرة الأوقاف الإسلامية وكان مسجدًا قبل الاحتلال الإسرائيلي.(علي سعادة – “قبر يوسف” في نابلس روايتان إحداهما سياسية استيطانية – عربي 21).

توظيف سياسي تحت غطاء ديني

وقال أستاذ التاريخ في جامعة النجاح الوطنية، أمين أبو بكر: كل القرائن تشير إلى أن هذا القبر ليس لنبي الله يوسف عليه السلام، وإنما هو مقام ووقف إسلامي، مسجل في الأرشيف العثماني، ولا دخل لليهود فيه.

وأضاف: “تنتشر في فلسطين وبلاد الشام المقامات بشكل كبير، ففي فلسطين وحدها يوجد 300 مقام ومزار، وبحسب الروايات يعود عمر مقام يوسف إلى 200 عام ليس أكثر”.

وتابع أن هناك عدة مقامات حملت اسم سيدنا يوسف، عليه السلام، في مصر، وجنوب لبنان، وفلسطين بمنطقة جب يوسف، في عرابة قرب جنين، وفي الخليل، وهذا دليل على أنها تسميات لا علاقة لها بالواقع.

وأشار إلى أنه “لا يعرف مكان دفن أي نبي غير قبر  النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فهي مجرد مقامات وليست قبور أنبياء”، مذكرًا أن الناس سابقًا كانوا يطلقون أسماء الأنبياء على المقامات تقديسًا لهم، ليس أكثر، فقد مرت فترة تعلق فيها الناس بالمقامات والمزارات، إحداها كان مقام يوسف.

ويضيف أمين أبو بكر أن نبي الله موسى عليه السلام نقل رفات يوسف عليه السلام من مصر بناءً على وصيته، لكن لا توجد رواية مؤكدة أن سيدنا موسى عليه السلام دخل فلسطين، ولا يعرف أين دفنت رفات سيدنا يوسف عليه السلام، على وجه الدقة.

وأوضح: “إن المسلمين يؤمنون بنبوة يوسف عليه السلام كغيره من الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم، ولو كان هذا القبر يعود له لما أخفوا هذه الحقيقة”.

وتابع: “الرحالة الأجانب الذين مروا بالمكان، لم يشيروا لوجود مجسم بنائي فوق المقام، وإنما كان كهفًا صغيرًا يتم النزول إليه بعدة درجات، كما تؤكد ذلك الرسومات والصور القديمة لقبر يوسف، والتي يعود تاريخها للنصف الثاني من القرن التاسع عشر”.

ويشير أستاذ التاريخ إلى أن مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام في الحرم الإبراهيمي بدينة الخليل أوقفت عليه العديد من الأوقاف، وعشرات القرى، منذ قديم الزمن، وهو ما يدلل على أنه كان يحظى باهتمام خاص من الدول المتعاقبة ومؤسساتها، بينما هناك أوقاف قليلة جدًا للنبي يوسف في فلسطين، ما يدلل على أن الحقبة التاريخية لهذا القبر قصيرة نسبيًا، ولم يتعلق به الناس إلا في فترة متأخرة.

ويرى أمين أبو بكر أن الهدف من الرواية اليهودية هو: “لي عنق التاريخ، ومحاولة فرض لرأي وحقائق غير موجودة في التاريخ من أجل التوظيف السياسي تحت غطاء الدين، إرضاءً لجماعات معينة”.

ويؤكد أن “قبر يوسف” هو مقام لأحد أولياء الله الصالحين، بغض النظر إذا كان يوسف دويكات أو شخص أخر، لكنه بالتأكيد ليس قبر سيدنا يوسف عليه السلام، متسائلًا لماذا لا يتم استخدام التقنيات الحديثة لفحص المقام، فالمقبرة الفرعونية الجديدة التي اكتشفت قبل شهرين استدعي لها فريق مختص من العلماء لإجراء فحص (D N A).

بؤرة صراع وساحة للمقاومة

شكل “قبر يوسف” طوال السنوات الماضية بؤرة صراع بين الفلسطينيين والصهاينة، وساحة للمقاومة الشعبية والمسلحة، ما أدى إلى استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين، كما قتل العديد من الصهاينة، لاسيما في هبة النقب عام 1996 حينما اشتبك عناصر من الأمن الوطني الفلسطيني مع جنود الاحتلال، ليسفر الاشتباك عن مقتل 7 من جنود الاحتلال، ومحاصرة 40 أخرون داخل المقام.

وفي عام 200 ومع بداية انتفاضة الأقصى تكرر المشهد مرة ثانية، وهذه المرة بين جنود الاحتلال وعناصر من المقاومة، ما أسف عن مقتل أحد جندي وإصابة آخرين، كما استشهد 6 فلسطينيين.

لتنسحب قوات الاحتلال من المقام، وتغلق المدرسة التوراتية الملحقة بالقبر، ومنذ ذلك الوقت يخضع المقام لسيطرة السلطة الفلسطينية، لكنه ظل بؤرة صراع دائم.

أذ لم تتوقف اقتحامات المستوطنين للمقام تحت حراسة قوات الاحتلال لتأدية صلواتهم التلمودية فيه، كما لم تتوقف محاولات الاحتلال فرض واقع جديد في المنطقة، مع تتنامى الدعوات التي يطلقها المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية لضم منطقة المقام إلى “السيادة الإسرائيلية”، وإقامة بؤر استيطانية فيها، وهو ما يعني تهديد أكثر من 30 ألف عائلة فلسطينية بالتهجير في حال جرت المصادقة على إقامة بؤر استيطانية دائمة في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى