أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (113) .. ليست سقطات وإنما هو نهج منحرف

حامد اغبارية

 ما هو السرّ وراء إصرار القائمة الموحدة على أن تعضّ بالنواجذ على عَظْمَة حكومة بنِط- لبيد رغم كل الجرائم التي ترتكبها هذه الحكومة الفاشية في المسجد الأقصى المبارك؟؟

وكيف يمكن تفسير ملء غالبية قيادات الصف الأول في الإسلامية الجنوبية أفواههم ماءً إزاء هذا الإصرار على البقاء في الائتلاف؟

لا تستغربوا!!

إنها الأحداث الكاشفة..

أحداث تكشف كلّ شيء، وأحداث تفتح أعيُنا كانت عمياء وآذانا كانت صمّاء، وتُنطِقُ ألسنةً طالما كانت تُكابر وتجادل بالتي هي أسوأ، وتصرّ على مواصلة الخطأ بأخطاء أكبر منه وصلت في محطات كثيرة إلى درجة الخطيئة..

أحداث كاشفة للوجوه وما خلف الوجوه، وحقيقة الجهات والتوجهات.

نعم، لا تستغربوا إذا قلنا لكم إن هذا الإصرار من طرف الموحدة على البقاء في الائتلاف الفاشي، وصمت قيادات الجنوبية المُطبق إنما نابع من إيمانهم بأن ما يفعلونه هو من صحيح الدين، وأنهم يخوضون اختبارا صعبا (ربما الأصعب!!) وأن عليهم أن يصبروا ويتحمّلوا الأذى الذي يلحق بهم من أبناء شعبهم ومجتمعهم. نعم، نعم… هذه هي قناعتهم، أو قل هذا هو ما أقنعوا به أنفسهم كي يبرروا كل هذا السقوط لشطر المشروع الإسلامي في أحضان المشروع الصهيوني الذي استدرجهم ثم خدّرهم، ثم سممّهم، ثم حرف بوصلتهم، ثم هو في طريقه إلى إنهائهم كتيار إسلامي وتدميرهم نهائيا، لتسقط بعدها نظرية “السياج والحفاظ على الإطار”.

وإنك لو راجعت تاريخنا القديم والمعاصر ستجد نماذج من هذه القناعات التي ألحقت بالأمة كبير الأذى وتسببت في إحداث اختراق في جسد الأمة، في الوقت الذي استقر في صدور هؤلاء أنهم يحسنون صنعا وأن عليهم أن يصبروا ساعة حتى ينالوا الشفاعة، كما قيل، بينما في الحقيقة أنهم لا يدرون أنهم خُدِعوا، ثم قُيِّدت أيديهم ثم باتوا يمارسون الخداع على أهلهم وشعبهم، كي يبرروا استمرارهم في السير في طريق عرفوا بالدليل من اللحظة الأولى أنه لا يؤدي إلى شيء مما وعدوا به الناس، وأن الشيء الوحيد الذي يؤدي إليه هذا الطريق هو الخسران المبين.

نعم، هناك نماذج كثيرة مثل هذه لديها قناعة، بلا سند ولا دليل شرعي من القرآن والسنة وسائر مرجعيات ديننا، وبلا دليل واقعي على صورة إنجازات حقيقية، بأن ما يفعلونه يصب في خدمة الدعوة وفي صالح المجتمع.

وحتى لا يبدو الأمر وكأنه تجريح أو إساءة لأشخاص، فإنني لن أشير إلى أسماء، وإنما إلى أحداث ومواقف، كما حدث في الانقلاب على ثورة الشعب المصري وعلى الرئيس الشرعي محمد مرسي، فقد رأينا جميعا كل أولئك السفهاء من علماء السلاطين الذين برروا كل خطأ وكلّ خطيئة وكل جريمة وكل سفك للدماء واعتداء على الأعراض والحرمات على أنه كلّه… كلّه يصب في مرضاة الله.. وأنه درجة من درجات الجهاد في سبيل الله، وأن كل ما يجري سوف يستفيد منه الشعب في نهاية المطاف، وأنه ستأتي على ذلك الشعب لحظات يأكل فيها السمن والعسل ويشرب من نهر الكوثر وسوف تكون أحلامُه كلُّها سعيدة… وكانت المصيبة الأكبر أن هناك من صدّق وما يزال يصدق أن هؤلاء السفهاء هم رؤوس الدين وعلماء العصر بلا منازع..

هذا المشهد ومثله من مشاهد مشابهة في سوريا وفي اليمن وفي ليبيا وفي العراق وفي تونس… من حالات التبرير والإيهام بوجود سند شرعي للسلوك أو الموقف نجد مثله عندنا أيضا في سلوك الموحدة، التي غاصت حتى الأذنين في مستنقع الأسرلة بمسوّغات شرعية ما أنزل الله بها من سلطان، ومبررات من الواقع ليس لها رصيد على أرض الواقع.

إنني أسمعهم الآن وكأنهم يقولون: عَضُّوا على الموقف بالنواجذ، فإنما النصر صبر ساعة، اصبروا وصابروا ورابطوا… وستنجلي هذه الأزمة وتعود المياه إلى مجاريها، وتعود المجاري إلى مياهها، وسيطفح جهاز الصرف الصحي بأشياء كثيرة من المخلَّفات والتخلفات والفضلات، وسيعلم الذين ظلمونا من أبناء جلدتنا وأهلنا أي منقلب ينقلبون…

نعم، هكذا باتت قناعة قيادات الموحدة وبعض قيادات الصف الأول في الحركة الجنوبية، وليس هناك أي تفسير آخر لهذا الصمت الصاعق وذلك الإصرار الماحق، في وقت ترى الدنيا كلّها ما ارتكبته وترتكبه قوات الأمن الاحتلالية ضد الأقصى وضد أهل الأقصى ورواده ومرابطيه.

ثم إنها المكابرة والمعاندة أمام الخصوم السياسيين (المشتركة) الذين ينتظرون فشل مشروع الموحدة ونهجها، فترى الموحدة بقياداتها ومن خلفها تنظيمها الداعم، أيديهم على قلوبهم وهم يتمنون أن تنتهي الأزمة الحالية “على خير…”، وأن تنقضي الأيام السود، لعل وعسى يتحقق “عشم إبليس بالجنّة”. فهم بدون إنجاز لا يمكنهم العودة إلى جمهورهم بخفي حنين، فجمهورهم يغلي كالبركان وقياداتهم بدأ بعضها يرى مآلات هذا الطريق فرفع صوته منبها ومحذرا. لذلك تراهم متمسكين بالبقاء لعل وعسى.

ولربما أنهم لما جاءوا يمايِزون بين أمرين أحلاهما علقم ابن أم أبي علقم؛ البقاء أو الانسحاب وهدم المعبد، وجدوا أنهم حتى لو هدموا المعبد فوق رأس نفطالي بنط وزبانيته، فإنهم لن يُستقبلوا استقبال الفاتحين من قبل أبناء شعبهم، لذلك وجناهم يعالجون الفشل بفشل أفشل منه وبخطأ أكبر منه..

مثل هكذا مواقف ومثل هكذا قيادات، ومشورات واستشارات ومشاورات، فإنه لا يُرجى منهم شيء.. ولا تُعقد عليهم آمال.

لماذا؟ لأنها ليست مسألة سقطات وأخطاء وسوء تقدير وسوء اختيار وفشل تجربة عابرة في السياسة وسوء فهم للأمور، بل هو النهج وهي القناعات التي أُشربت في القلوب.. وهنا مكمن الخطر.. هنا العقدة الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى