أخبار رئيسية إضافيةمقالات

معركة الوعي (112) حملة أمنية مسعورة ومعركة على وعي جمهور الداخل

(حول الخدمة وردة الفعل على تصريح أيمن عودة)

حامد اغبارية

بغضّ النظر عن الأجندة التي وقفت وراء تصريح عضو الكنيست الإسرائيلي أيمن عودة بخصوص دعوة الشبان العرب إلى عدم الخدمة في أجهزة الأمن الإسرائيلية، وبغضّ النظر عن استغلال أجواء معينة ذات تأثير على الجمهور، واختيار مكان محدد لتصوير الفيديو الذي ورد فيه التصريح (منطقة باب العمود في القدس)، وبغضّ النظر أن أيمن عودة حاول في لقاء تلفزيوني عبري تلطيف الأجواء لتخفيف الهجوم (الوسخ والذي يقطر عنصرية كما تقطر الأفعى السم الزعاف)، وذلك التساذج في تأكيده أنه ذكر كلمة (سلام) أكثر من مرة خلال ذلك التصريح، وكأن علينا دائما أن نطأطئ ونبرر ونشرح ونوازن من أجل نيل الرضا، وحتى يكون النفَس العنصري وفحيح الكراهية لطيفا نوعا ما ، لا يصل – لا سمح الله- حد القطيعة، أو سحب الحصانة البرلمانية أو – لا قدر الله-  يصل إلى المحاكمة؛ بغض النظر عن هذا كله، فإن أيمن عودة أعاد بتصريحه فتح ملف مليء بالمتفجرات، رغم أنه ملف قديم والحديث فيه ليس جديدا، والموقف منه معروف على الملأ وعلى رؤوس الأشهاد. فلأي شيء تلك الزوبعة التي أثارتها جهات رسمية وسياسية وإعلامية وشعبوية (شوارعية) إسرائيلية؟

لقد اعتاد هؤلاء على التقاط كل مناسبة وتصيّد كل موقف يمكن أن يخدم أجنداتهم، خاصة أثناء غليان الشارع على خلفية أحداث كالتي جرت وتجري في الأيام الأخيرة، وإلا فإن موضوع خدمة العرب في أجهزة الأمن الإسرائيلية قد سال في وادِيه حبرٌ كثير طوال سنوات مضت.

إنها المعركة على وعي الجمهور سعيا إلى تجميل قبح صورة المؤسسة الإسرائيلية.

لذلك تخوض المؤسسة الإسرائيلية، بكافة أجهزتها السياسية والأمنية والإعلامية منذ أيام تلك المعركة على وعي الجمهور، وخاصة الجمهور الفلسطيني في الداخل، فيما يتعلق بجملة من القضايا تميَّز! بها المشهد الدامي الذي تشهده البلاد مؤخرا.

تحاول هذه المؤسسة، التي تعيش واحدة من أسوأ أزماتها، أن تبني في الأذهان صورة جميلة للعربي الذي يخدم في الشرطة وفي حرس الحدود وفي الجيش الإسرائيلي الذي هو بالنسبة للفلسطيني جيش احتلال بكل المفاهيم والأبعاد، وكل جهاز أمني يساند جيش الاحتلال هو أيضا جزء من الاحتلال، ويساهم في أشكال القمع المختلفة وفي جرائم الاحتلال على اختلاف صورها. هذا هو الموقف الواضح والمبدئي الذي أعلنه أبناء مجتمع الداخل الفلسطيني، ليس الآن فقط، وليس من خلال تصريح أيمن عودة فقط، بل منذ عقود طويلة، وخاصة في العقدين الأخيرين، وتحديدا منذ هبة القدس والأقصى عام 2000، عندما وجدنا الشرطي العربي وعنصر حرس الحدود العربي والجندي من عرب الداخل (وهم في الحقيقة عرب إسرائيل بكل ما تعنيه الكلمة) يتقدم القوات التي تقمع أبناء شعبه والتي تطلق عليهم الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز والصوت، ويقمعهم بالهراوات والسحل والإهانة والسبّ والشتم والاعتقال ومحاولات الإذلال، وتلك القائمة الطويلة من الممارسات القميئة التي كنا نراهم في أغلبها أنهم يستمتعون بممارستها (أحيانا بساديّة مفرطة) ضد أبناء شعبهم وأبناء جلدتهم ومن أهلهم ومن مجتمعهم ومن بلدهم؛ من مدينتهم ومن قريتهم.

أنها معركة على الوعي يحاولون من خلالها تجميل صورة الشرطي والجندي وعنصر حرس الحدود وسائر الوحدات الأمنية المعروفة  (وغير المعروفة) في عيون أبناء شعبهم، وهم هم الذين يقمعونهم على أبواب المسجد الأقصى، وهم الذين يمدّون أيديهم القذرة إلى الحرائر من المسلمات على مداخل الأقصى، وهم الذين تتقيأ ألسنتهم سبابًا وشتائمَ موجهة للنساء (خاصة) بألفاظ يندى لها الجبين.

إنها معركة على وعي الجمهور لتحسين صورة الذين تضعهم المؤسسة الإسرائيلية في “بوز المدفع” ثم تتدفأ على نارهم التي يحترقون بها وهم يطلقون النار على أهلهم.

هكذا كان يفعل الاستعمار الغربي في بلاد العرب والمسلمين. كان (ولا يزال) يجنّد ضعاف النفوس والمنتفعين والوصوليين، ويغريهم بالمال، ويمنّيهم بالفردوس (المفقود) وبجنات النعيم، ليخدموا أجندته الاستعمارية.

وبعيدا عن إطار المواطنة الإسرائيلية ومقولة إن “هؤلاء مواطنون يخدمون في أجهزة دولتهم الأمنية”… فإن هذا الوضع عُرف في التاريخ ويُسمى في العلوم السياسية عمالة للمستعمر أو عمالة للاحتلال، ولا توجد تسمية أخرى تلطف الأجواء وتجمّل الصورة بأسماء وأوصاف وتعبيرات ليس لها رصيد على أرض الواقع. فالقُبح لا يمكن تجميله بالتضليل والكذب والدجل الإعلامي والسياسي. هكذا هي الأمور، وهكذا يجب أن تسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية.

تخيل أن القائد العام للشرطة “نطز” هو الآخر و”قبّ شعر راسه” لتصريح أيمن عودة فأطلقها مدويّة مزلزلة!! بأن أفراد الشرطة العرب هو “إخواننا” …

لا… إنهم ليسوا إخوانكم من رجال الشرطة العرب، ونحن نعرف جيدا (وهم بالمناسبة يعرفون) كيف تنظرون إليهم وكيف هم في عيونكم. هم مجرد خدام يؤدون دورا على أبواب الأقصى وفي المظاهرات والاحتجاجات. هم إطلاقا ليسوا إخوانكم.. حتى يمكنكم أن تسألوا الجنرال جمال حكروش عن ذلك. ويمكنكم أيضا أن تسألوا “إخوانكم” الدروز الذين سفكوا دماءهم لأجل مشروعكم وسفكوا دماء أبناء شعبهم لأجل عيون مشروعكم، ورغم ذلك ما زالت أراضيهم تصادر وحقوقهم تُهضم وبيوتهم تهدم وما يزال ظلم المؤسسة يرفرف عابسا فوق رؤوسهم. اسألوهم فهم أعلم الناس بالحقيقة، وأعرف الناس بأفاعيلكم.

إنها معركة على وعي الجمهور. ومن حق قادة الجمهور والنخبة السياسية والمثقفة والاجتماعية والفكرية أن تشرح لجمهورها حقيقة هذه المسألة، وحقيقة الموقف من قضية الخدمة في أجهزة الأمن الإسرائيلية على اختلاف تخصصاتها. وإن الأجواء المشحونة هذه الأيام لا تعطي لأيٍّ كان الحق في بث روح الترهيب والتخويف في أوساط الناس كي لا يعبروا عن موقفهم من مختلف القضايا، بما فيها هذه القضية وغيرها من القضايا العالقة والمتعلقة. حرية الموقف وحرية التعبير عن الرأي وحرية التعبير عن الانتماء وعن الهوية هي مسائل كانت وستبقى في المقدمة، وهي أهم بعشرات الأضعاف من أية مسألة أخرى مهما كانت أهميتها ودرجة خطورتها، عند مَن يزعم أنه يتبنى الديمقراطية ويصدّع بها الرؤوس صباح مساء.

ويجب ألا ننسى أن هذا هو جانب واحد من المشهد الكلي. فعلى الشطر الآخر نجد تلك الحملة الأمنية المسعورة ضد أبناء مجتمع الداخل الفلسطيني، دون أي مبرر أو مسوّغ سوى قمع حرية الرأي وحرية الموقف وحرية الانتماء، من خلال اعتقالات عشوائية، وتوجيه تهم باطلة، وملاحقات حتى على الكلمة وعلى الحرف وعلى الفاصلة وعلى الحركة وعلى السكون.

هذا سلوك لا يفعله إلا خائف مرعوب… الدول القوية لا تفعل ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى