أخبار رئيسيةمقالاتومضات

نملة أم وزيرة اقتصاد؟!

ليلى غليون

سأل سليمان الحكيم عليه السلام نملة: كم تأكلين في السنة؟ قالت: ثلاث حبات، فأخذها ووضعها في علبة ووضع معها ثلاث حبات. ومرّت السنة ونظر سيدنا سليمان عليه السلام فوجدها قد أكلت حبة ونصف فقال لها: كيف ذلك؟ قالت: عندما كنت حرة طليقة كنت أعلم أن الله تعالى لن ينساني، أما بعد أن وضعتني في العلبة فقد خشيت أن تنساني فوفرت من أكلي للعام القادم.

إنّ في فلسفة هذه النملة حكمًا بليغة، ودروسًا عظيمة في فن التدبير والاقتصاد فضلًا عن حسن الثقة بالله تعالى الرزاق الوهاب صاحب الأمر كله جل في علاه. ونحن في هذه الأيام ونحن نكتوي بنيران أزمة اقتصادية حادة والتي لم تحرق ما في الجيوب فقط، ولن تحرق ما في الأرصدة فقط هذا إن بقي هناك أرصدة، ولكنها ستحرق الأعصاب والصحة وتحرق هداة البال والاستقرار النفسي والأسري والاجتماعي وتجعل حياة الفرد أشبه ما تكون ببحر عميق ليس له ساحل تتلاطم أمواجه بالديون والقروض ليغرق فيه، فلا منقذ له ولا مجير ولا معين ،تختنق أنفاسه بحال عصيب لا يعلم شدته إلا الله.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم “، فما أحوجنا لترسيخ هذه المفاهيم الاقتصادية في نفوسنا وفي هذه الأيام بالذات التي باتت مظاهر الإسراف اللامعقول تطغى على كل شيء، نعم على كل شيء في حياتنا، على أفراحنا وأتراحنا، على مأكلنا وملبسنا، في بيوتنا في رحلاتنا وسفرنا، في نمط استهلاكنا الجنوني في رمضان والأعياد وغيرها. فشهوة الامتلاك وهاجس الأسواق مستشر عند الكثير لا بسبب الحاجة بل لمجرد شهوة الشراء، فكم من السلوكيات الاستهلاكية بحاجة إلى تقويم والتي يفرض واقع الحال والظرف الاقتصادي الصعب إلى ترشيدها، كما فعلت تلك النملة العاقلة التي أحسّت أن الظروف قد بدأت تضيق عليها لتستهلك نصف قوتها وتدّخر النصف الآخر تحسبًا للظروف وللطوارئ، ولكن واقع الحال يشهد غير ذلك، فهو يشهد بأن معظم الناس بعيدون كل البعد عن حسن التدبير ومتمسكون بمقولة خاطئة بل مهلكة تقول: “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب” فالفقير أو صاحب الدخل المحدود يريد وبأي طريقة أن يعيش معيشة الأغنياء ولو على حساب القروض البنكية والتعامل بالربا، فلا بأس لو غرق بالديون ولا بأس لو كانت نهايته السجون، المهم أن لا يحرم من رحلة أنطاليا أو اسطنبول أو شرم الشيخ أو غيرها من الأماكن السياحية، والمهم بأن لا يقال عنه بأنه يملك أقل من فلان أو أن سيارته أو أثاث بيته أو عرس ابنه أو ابنته أقل فخامة من غيره (فما في حدا أحسن من حدا).

نعم، هذا هو في الغالب واقعنا الاستهلاكي المدمر والذي إن لم نتداركه سيأتي على استقرارنا وحاضرنا ومستقبلنا، ولن يكون ذلك إلا بالوعي والترشيد الاستهلاكي المنبثق من شريعتنا الاسلامية التي حثّت على الاقتصاد والوسطية في كل شيء.

وهذه حزمة من الارشادات أوجهها لك بالذات أيتها المرأة لأن مفتاح الاستهلاك والشراء غالبًا ما يكون بيديك فأحسني استعماله وتعلمي من النملة:

– التعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية ومع أي أزمة مثيلها، ينبغي أن يكون بالالتزام بفقه الأولويات والضروريات التي لا غنى عنها والابتعاد قدر الإمكان عن الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها.

– الاعتدال والوسطية في النفقة فلا حاجة لشراء ما لذّ وطاب من الأطعمة والمشروبات والأمتعة، بل تهذيب النفس على الرضا والقناعة.

– تربية الأبناء على احترام وتقدير النعم والمحافظة عليها وتهذيبهم وتعويدهم على تناول أي طعام تُعدّه الوالدة ولو كان على غير مزاجهم.

– تدريب الأبناء على الادّخار من مصروفهم اليومي بل التنافس بينهم على ذلك وتخصيص جائزة للذي يسبق أخاه في الادخار.

– أن تحرص المرأة عند التسوق على شراء ما تحتاجه فقط ولا داعى للتجول بين الرفوف لتكون النتيجة سلة معبئة من المشتريات والتي ربما يكون أكثر من نصفها ليست بحاجة إليه.

– أن تكون المرأة على وعي تام من حملة الإعلانات التجارية التي تجذبها جذبًا للسوق ومن ثم إغراؤها لتقع ضحية في الشباك لتشتري ما تحتاجه وما لا تحتاجه.

– افحصي ثلاجتك يوميًا فربما فيها من المواد الغذائية المنسية والتي ستفقد صلاحيتها قريبًا إن لم تقومي باستعمالها أو استهلاكها، أو ربما تعتقدين أنك بحاجة لمواد معينة وهي في الحقيقة موجودة لديك ولكنك غافلة عنها.

– إياك ثم إياك بدفع زوجك للاقتراض من أي مصدر كان من أجل كماليات في البيت يمكن الاستغناء عنه، أو من أجل رحلة أو سفر للخارج، وقاومي بشدة التقليد والشكليات والمظاهر الخادعة التي باعتقادي الجازم مصدر خراب البيوت وغرقها بالديون.

– هناك الكثير من الأشياء المنوعة في بيتك يمكن تدويرها وإعادة تصنيعها تكون أجمل وأرقى مما نزل في السوق من جديد.

– وأخيرًا، هل تستطيعين أن تكوني مثل هذه النملة التي استطاعت بحكمتها أن تجد لها حلًا لأزمتها الاقتصادية الطارئة ؟…أرجو ذلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى