أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (109): إنها جرائمُكم، فما ذنبُ رمضان؟!

حامد اغبارية

لو أحصيتَ عدد المرات التي تردد فيها لفظُ “رمضان” في الإعلام العبري وعلى ألسنة السياسيين الإسرائيليين في الأيام الأخيرة، وخاصة على خلفية ما يزعمون أنها عمليات طعن في القدس، لوجدتَ أن العدد يتجاوز مئات المرات…

فما السرُّ وراء هذا؟

قال لي صديق قبل أيام: الله يستُر من رمضان هالسنة!!

سألته: مالُه رمضان؟!!

قال: الجو متوتر، ويقولون إن رمضان سيشهدُ تصعيدا..

قلت: بل قل: الله يستُر من جرائم الاحتلال في رمضان، وما يخطط له في رمضان! شو دخَل رمضان حتى تقول الله يستُر منه؟؟؟!!

إن القوم يتعاطون مع اقتراب شهر رمضان المبارك وكأنه قنبلة غير تقليدية ستنفجر فوق رؤوسهم، فيحمِّلون شهر الصيام ذنبَ كل جرائمهم التي يقترفونها والتي يخططون لارتكابها في القدس والمسجد الأقصى.

وهكذا فإن الضخّ الإعلامي الخبيث في وسائل إعلام الاحتلال، ومن خلال تصريحات قيادات الشرطة وقيادات سياسية احتلالية يهدف إلى إيهام الرأي العام بأن المشكلة التي تقف خلف أي توتر أمني واقع الآن أو سيقع غدًا سببه اقتراب شهر رمضان، وبذلك ينتج أن الاحتلال بكل بوائقه وسفالات مستوطنيه وجرائم قطعانه بريء مما حدث ويحدث ومما سيحدث، وأن ارتفاع منسوب التوتر وعدد العمليات التي ينفذها الفلسطينيون عامة والمقدسيون خاصة، لها علاقة بارتفاع منسوب الإيمان لديهم، وبذلك يصبح الإيمان (الزائد) والصوم وأذان المغرب وتزيين حواري القدس احتفاء بالشهر الفضيل، والتقرب إلى الله تعالى أكثر، والارتباط بالأقصى أكثر، والرباط فيه أكثر، عبارة عن سلسلة جرائم تستحق العقاب، وإلا فإنه لولا قدوم رمضان فإن البراءة والسلام والأمن والأمان يقطر من سِحنة الاحتلال وزُقمِهِ فوق رؤوس العالمين!

يسعى الاحتلال الإسرائيلي- كما دائما وكما هو شأن كل احتلال- إلى إظهار نفسه في مظهر المسكين المُعتدَى عليه، وإلى إظهار الضحية على أنها هي المعتدي، وأنها في الحقيقة وحش كاسر يريد سفك دماء الأبرياء ومن مستوطنين وشرطة وجنود مدججين بالسلاح، متجاهلا أن الدنيا كلّها تعرف، بما في ذلك إمبراطوريات الدجل التي تدعمه، أن كل ما يجري ويقع في القدس والأقصى وفي غيرهما إنما له سبب واحد ووحيد؛ هو الاحتلال وجرائم الاحتلال ومخططات الاحتلال. أو بالمختصر المفيد: إن سبب كل الكوارث والمصائب والخراب سببه وجذوره تكمن في وجود المشروع الصهيوني وأطماعه…

في رمضان الماضي في أيار 2021 كانت جرائم المستوطنين، ومسيرة الأعلام الاستفزازية التي سمح الاحتلال بها رغم كل توقعاته بوقوع أحداث وحدوث رد فعل فلسطيني، سواء على المستوى الشعبي أو غير الشعبي، هي السبب المباشر الذي وقف وراء هبة الكرامة ووراء معركة “سيف القدس” اللتين فهم الاحتلال بعدهما أن اللعب بالنار في كل ما يتعلق بالقدس والأقصى بشكل خاص له ثمن. فالشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده له كرامة وعنده عزة وشمم، ولا يقبل الدنيّة، ولا يمكنه أن يبقى متفرجا على جرائم الاحتلال وقاذورات المستوطنين ونفايات المتطرفين الإسرائيليين على المستويين الشعبي والرسمي.

إن كل سلوك يصدر عن أي فلسطيني في القدس أو في نابلس أو في غزة أو في اللد أو الرملة أو في يافا أو في عكا أو في جنين أو في الناصرة أو في سخنين أو في أم الفحم إنما هو رد فعل مشروع أقرَّته القوانين الدولية، وهو حق للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وهو ناجم ليس فقط عن فعلٍ آني يرتكبه الاحتلال، وإنما هو نتيجة تراكمات متضخمة حتى الانفجار أنتجتها جرائم الاحتلال عبر عقود طويلة. فهل يُلامُ المُعتدَى عليه وعلى مقدساته وعلى أقصاه، وهو يسمع مستوطنا منحطًّا يسبُّ نبيَّه وقُرآنه ساخرا راقصا تحت حراسة جيش الاحتلال وشرطة الاحتلال وحرس حدود الاحتلال وحكومة الاحتلال؛ هل يُلامُ لأنه غضب واحتجَّ وخرج إلى الشارع تعبيرا عن رفضه لكل هذه الموبقات؟ هل تُلامُ الضحية وهي ترى المستوطن يقتحم مسجدها الأقصى ويدنسه بكل الأوساخ المتراكمة في دماغه المتعفن، تحيط به كتيبة أمنية لتحميه وتحرسه، بينما تُمنع الضحية من دخول مسجدها، ويُعتدى عليها بالضرب والاعتقال والإبعاد؟ كيف لا يغضب الفلسطيني لكرامته وهو يرى أسوأ احتلال عرفته البشرية تمتد أيدي قواته الأمنية إلى الحرائر تعتدي عليهن بالضرب والسحل والاعتقال؟ كيف يريدون لهذا ألّا تغلي الدماءُ في عروقه؟

إن الاحتلال يعرف الحقيقة. إنه يعرف نفسَه الممتلئة بالشر والفساد والإفساد، ويشمّ روائح قاذورات أفعاله، ويحفظ جرائمه ظهرا عن قلب، ويعلم أنه هو، وفقط هو، سبب كل ما يحدث وما يمكن أن يحدث. لكنه يبقى احتلالا، فلا يعترف ولا يقرُّ، ويبرئ نفسه ويذرف الدموع ويلطم الخدود ويشق الثوب، ويتهم الضحية ويحاكمها لأنه يجد على باطله أنصارا في كل الدنيا، بينما لا تجد الضحية لها نصيرا من الخلق، حتى من ذوي القربى الذين أصبح أكثرهم في خندق الاحتلال، ومن كان منهم غير ذلك تراه يدور في فلك أمريكا، حتى إذا جاء يعبّر عن موقف مناصر للحق الفلسطيني (الذي هو في أصله حق الأمة)، ينتهرُه سيّدُه الذي يحمي عرشه، فلا تسمع منه إلا جعجعة. بل وأشدُّ من ذلك أنك أصبحت تستيقظ كل يوم على صوتٍ فلسطيني ذي خلفية إسلامية يشارك في ائتلاف تمارس حكومتُه كلَّ هذه الجرائم بينما هذا المؤتلِف (المُؤَلَّف/ المُروَّض) قد ملأ فاهُ ماء، بعد أن كان قد نقش على رايَتِه، فيما مضى من الأيام الخوالي، نصرة القدس والأقصى، فلم تعد تسمعه يذكرهما ولو عفوَ الخاطر، ولو مر الكرام!!

إن رمضان الخير، رمضان العزة، لا ذنب له، أيها الاحتلال، بل جرائمك التي هي سبب كل شر.

سوف يأتي رمضان بكل ما يحمله من بركات ونفحات وذكريات وآمال، وسيكون رمضان كما يريده الله تعالى رغم أنف الاحتلال. وسيبقى رمضان بكل ما يعنيه، وسيزول الاحتلال، مع كل ما يملكه من جبروت وبطش وباطل، وسيرحل معه كلُّ من أيَّد وناصر وداهن ونافق ومالأَ وسكت…

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى