أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

أيها التشاؤم: طلقناك ثلاثًا لا رجعة فيه

الشيخ كمال خطيب

ليس سهلًا أن تكون متفائلًا في هذا الزمان، ليس سهلًا أن تغرّد خارج سرب المتشائمين ولا أن تترنم بألحان الأمل بعيدًا عن جوقة المحبطين. إنك كمن يسبح بعكس التيار وكمن يمشي بعكس اتجاه الريح، ولكن لا ضير ولا تثريب عليك أيها المتفائل بل المفعم بالأمل، فأنت لا تشرب من نفس المنبع ولا تستضيء من نفس المصباح، فالمتشائمون معاييرهم مادية وموازينهم دنيوية ورؤيتهم بشرية خالصة، أما أنت أيها المتفائل فمعاييرك شرعية وموازينك دينية ورؤيتك ربانية لأنك تستمد تصورك للحياة ماضيها وحاضرها ومستقبلها من الإسلام الذي تنتمي إليه، قال ﷺ: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنتي”. وقال ﷺ: “لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.

ليس لأنك لا تفهم بالسياسة ولا أنك لا تؤمن بضرورة الأخذ بأسباب القوة، ولا أنك لا تجيد قراءة موازين القوى العالمية، أنت تعرف كل هذا وأكثر منه أيها المتفائل ولكن المتشائمين الذين وضعوا على أعينهم نظارة سوداء قد أصبحوا يرون الدنيا سواد بسواد، وأصبحوا ينظرون إلى تفاؤلك أنه كمن ينفخ في رماد.

إنه ورغم الحقائق الإيمانية التي أمضاها الله تبارك وتعالى والتي تؤكد حتمية انتصار الإسلام وأن المستقبل له، ورغم المبشّرات الكثيرة التي أخبر عنها النبي ﷺ والتي تؤكد حتمية انتصار الإسلام وعودته لقيادة البشرية، ورغم القراءات الموضوعية من غير المسلمين قبل المسلمين والذين تحدّثوا أن قيادة العالم ستعود إلى الشرق كما كانت يومًا، وأن قيادة الغرب للعالم بشقيه الرأسمالي والشيوعي قد أوشكت على الغروب، إنه برغم هذا كله فإن المتشائمين ممن يعشقون العيش في سراديب الحياة ويتلذذون بلبس عباءة الظلام إن هؤلاء لا يرون ما ترى ولا يؤمنون بما تؤمن به أنت أيها المتفائل، قال سبحانه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} آية 55 سورة النور.

 

والله ليتمنّ الله هذا الأمر

إن القارئ المتأمل في سيرة رسول الله ﷺ فإنه يتبين أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن غافلًا عن مستقبل دعوته بل كان يفكر فيه ويخطط له في حدود ما هيأ الله سبحانه له من فرص وإمكانيات وما آتاه من أسباب، ففي الوقت الذي كان ﷺ في مكة وأتباعه قليل مستضعفون في الأرض يخافون أن يتخطّفهم الناس فإنه كان ﷺ مؤمنًا بمبدأين اثنين:

  1. إن هذا الواقع لا بد أن يزول وأن يتغير لأنه يحمل عوامل زواله، وأن البديل هو الإسلام، وأن ليل الجاهلية الحالك سيعقبه فجر صادق وما على المسلمين إلا أن يصبروا ويثبتوا ولا يستعجلوا الثمرة قبل أوانها. وإننا نعرف مدى إيمانه ﷺ بذلك المبدأ من خلال أمثلة كثيرة ومنها موقفه ﷺ لما اشتد الأذى بأصحابه وخصوصًا الضعفاء منهم، فجاءه خباب بن الأرت يشكو إليه ويستنجد به وهو متوسّد رداءه في ظلّ الكعبة فقال خباب بلسانه ولسان كل المعذبين أمثاله: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا يا رسول الله، فقال ﷺ: “قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثمَّ يُؤتى بالمِنْشَارِ فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يَصُدُّهُ ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غَنَمِه، ولكنكم تستعجلون”.
  2. وأما المبدأ الثاني الذي كان يؤمن به ﷺ فهو أن هذا المستقبل المنشود إنما يتحقق وفق سنن الله في رعاية الأسباب وإعداد المستطاع من العدة وإزاحة العوائق من الطريق ثم ترك ما عدا ذلك للإرادة الإلهية، فما يعجز عنه البشر فإنه لا يعجز رب البشر.

 

وكم لله من لطف خفي         يدق خفاه عن فهم الذكي

وكم يسر أتى من بعد عسر    وفرّج كربه القلب الشجي

وكم أمر تُساء به صباحًا        وتأتيك المسرة بالعشي

إذا ضاقت بك الأحوال يومًا    فثق بالواحد الفرد العليّ

وعليه فإن سواد وحلكة ليلنا في هذه الأيام وما نحن عليه من تكالب الأعداء وخيانة الزعماء لن يجعلنا نغرق في مستنقع اليأس والتشاؤم، وإنما نحن الذين يغمرنا الأمل والتفاؤل يصل إلى درجة اليقين بأن هذا الحال قريبًا سيتغير، بل نقول ما قاله ﷺ ونقسم “والله ليتمنّ الله هذا الأمر”.

 

سيهزم الجمع ويولون الدبر

إننا نقارع فلول المتشائمين قبل الأعداء لأن المتشائمين والمحبطين هم حجر عثرة النهوض، بل إنهم سلاح الأعداء به يحطّمون الروح المعنوية ويوهنون الصفوف. إننا نقارع هؤلاء المحبطين المتشائمين بفهمنا ليس فقط لسنن الله في الكون بل بفهمنا لسنة وسيرة الرسول الأكرم ﷺ الذي كان في أوج المحنة والبلاء يوجه أنظار أصحابه رضي الله عنهم إلى الغد المأمول والمستقبل المرتجى، ويبين لهم أن العالم يتغير وأن الأحوال تتحول، فالمهزوم قد ينتصر والمنتصر قد يهزم، والضعيف قد يقوى والقوي يصبح ضعيفًا، والدوائر تدور والأيام دول وأن دوام الحال من المحال سواء ذلك على المستوى المحلي أو العالمي وأن على المسلمين أن يهيئوا أنفسهم ويرتبوا بيتهم ويرصوا صفوفهم لما يتمخض عنه الغد القريب أو البعيد فكل آت قريب { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ*تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} آية 26-27 سورة آل عمران.

فها هو القرآن الكريم وفي سورة القمر السورة المكية يحدّثنا عن المشركين أولي القوة والشوكة والعدد والعدة والذين يسيمون المسلمين سوء العذاب والاضطهاد وإذا بآيات السماء تنزل {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ*بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} آية 45-46 سورة القمر، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يرى قوة قريش وصلفها وعنادها يقول بعد أن نزلت الآية: أي “جمع سيهزم” أي بمعنى من سيهزم هؤلاء، فلما كان يوم بدر رأيت النبي ﷺ يثب في الدرع ويقول {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فوقع ما أخبر الله وهزم مشركو قريش وقتل صناديدهم وكبراؤهم ونصر الله دينه ونبيه وحزبه المؤمنين.

وكما قلت في مقدمة مقالتي فإن المتشائمين ومعاييرهم المادية وموازينهم الدنيوية ورؤيتهم البشرية فإنه ووفق منطقهم هذا فإن ما تحقق يوم بدر ما كان له أن يتحقق لأنه بعكس موازينهم ورؤيتهم، ولكن وفق منطق المتفائلين حيث معاييرهم الشرعية وتفسيراتهم الإيمانية وموازينهم وقراءاتهم الدينية للأشياء والأحداث فإن ما حصل يوم بدر هو الشيء الطبيعي وهو الذي فسّر قول الله في الزمن الصعب الذي كان قبل بدر الخالدة.

وما كان يومها وما تحقق في مكة فإنه يمكن بل سيكون ويتحقق في زماننا هذا بإذن الله تعالى. إنها وإن اختلفت المواقع والمسميات وإن تغيرت أسماء معسكرات الطواغيت من العرب الذين كانوا يحاربون الإسلام، فإذا كان يومها أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف فإنهم اليوم بشار والسيسي وابن زايد وابن سلمان، وإذا كانت قوى البغيّ والتحالفات العالمية هي من تتحكم بالعالم الفرس والروم والأحباش فإنها اليوم روسيا وأمريكا والصين وبريطانيا وغيرها، وعليه فإذا كان المتشائمون المحبطون يتعاملون وفق موازينهم المادية وأن هذا حال لن يتغيّر وأن هؤلاء لن يهزموا فإننا نحن ووفق منطقنا نقول أن هذا الحال سيتغير بل نقسم أنه {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.

 

البقاء للأصلح

إن المسلم لا يستسلم للظروف مهما صعبت، وإنما يظلّ ينظر إلى المستقبل بأمل وتفاؤل مهما كان الواقع عليه صعبًا وثقيلًا بهمومه الآنية ومشاكله اليومية وجراحاته النازفة.

إنه يتطلع إلى مستقبل تغلب فيه الآمال يأس اليائسين، وتجف فيه دموع البائسين، وينتصر فيه الخير على الشرّ، والنور على الظلام، والحق على الباطل وينتصر فيه الإسلام على أعدائه لأن المسلم على قناعه لا تتزعزع بأن قانونًا ربانيًا اسمه “البقاء للأصلح”.

نعم ليس البقاء للأقوى إنما للأصلح لأن القوة مهما أوتيها قوم فإنهم إما أن يضعفوا بعد قوتهم أو أن يأتي قوم هم أشد منهم قوة فيصبح أولئك ضعفاء قياسًا بأصحاب القوة الجديدة الصاعد.

ولقد سطّر التاريخ واحتوت آيات القرآن الكريم سيرة وقصص أقوام كانوا مضرب الأمثال في القوة والجبروت {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ*وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} آية 6-12 سورة الفجر. لقد دارت الدائرة على هؤلاء وجاءت أمم أقوى منهم. ذهب الفراعنة والأكاسرة والنماردة، وأصبحت قصورهم وعواصمهم تنعق فيها الغربان.

وإذا كان البعض يظن أن ما كان يومها لن يكون اليوم، وأن ما حصل في الماضي لن يتكرر في الحاضر فإنه غبي أو جاهل أو مكابر لا يقرأ التاريخ وسننه في تبدل الحضارات والأمم {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} آية 140 سورة آل عمران.

وإذا كان البعض لا يحب سماع الحديث عن الماضي البعيد فإنه الحديث عن الماضي القريب بل الحاضر عن ممالك كانت لا تغيب الشمس عن ملكها فعادت وزويت في حدودها التاريخية كحال بريطانيا، وعن معسكر اسمه المعسكر الشرقي “حلف وارسو” قد تفكك وانحسر في روسيا وبعض دويلات تدور في فلكها. وإذا كان البعض يظن أن أمريكا خارجة عن قانون التداول الرباني فإن العقلاء في أمريكا طالما كتبوا وحذّروا من أن أمريكا وصولجانها وجبروتها لن يختلف مصيره عن مصير امبراطوريات متجبرة سبقتها. ومثلهم فإن كتّابًا ومفكّرين وعسكريين اسرائيليين أصبحوا يتحدثون بصوت عال عن إسرائيل التي تزول وعن المجد الذي سيضيع وعن القوة التي لن تنفعهم، إنهم يكتبون ويتحدثون بل ينادون بضرورة الحصول على جوازات سفر لأي دولة في العالم لضمان أن يكون لهم فيها إقامة آمنة في ظلّ قلقهم وخوفهم بل وقناعة البعض منهم أن شمس إسرائيل إلى أفول.

وعليه فإن التشاؤم واليأس والإحباط التي تقود ليس فقط إلى الهزيمة بل إنها تتعارض مع أبسط مفاهيم الإيمان ولعلها توصل صاحبها إلى الكفر {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} آية 87 سورة يوسف. إن هذه المفاهيم والسلوكيات لا بد أن تغيب وترحل وإلى الأبد، لأن كل المؤشرات والمبشّرات تشير باتجاه مرحلة جديدة من مراحل نهضة أمتنا بل وعودتها إلى قيادة البشرية من جديد بإذن الله تعالى.

وإذا كان البعض قد حجز لنفسه إقامة دائمة في خانة ومعسكر التشاؤم والإحباط والقعود فإننا نحن لن نقبل بعد اليوم إلا أن نكون في معسكر المتفائلين الواثقين بوعد الله وفرجه القريب، بل إننا لن نقبل إلا أن نضع أيدينا بأيدي العاملين لصناعة هذا الغد بإذن الله نردد مع من يهتف ويقول:

أبدًا أظل مع التقاه مع الدعاة العاملين

الرافعين لواء أحمد عاليًا في العالمين

أما التشاؤم فإننا لا نقول له وداعًا وإنما نقول له: أيها التشاؤم طلقناك ثلاثًا بائنًا لا رجعة فيه.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى