أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

لأننا إخوان…

ليلى غليون

الأخوّة والمحبّة في الله قيمة سامية عليا، وشعار جميل برّاق طالما رفعنا رايته عاليا ننادي به ونتغنى بلحنه العذب ونصفق لأجله، ولطالما ارتفعت أصوات صادقة في هذه الأيام يصاحبها شعور بالألم والحسرة من قلوب مضطربة حائرة متسائلة وقد غشيتها الحسرة وهي ترى هذا البنيان العظيم بنيان الأخوّة والحب في الله تكاد أركانه تتصدع وجدرانه تهتز، تسمع صراخا من الأعماق يهدر ما الذي يجري وهمسات هنا وهناك ما الذي يحدث؟ الكل يشير بأصابع الاتهام إلى غيره على سوء الحال والمآل، مكيلا له سيلا من الاتهامات مبرئا نفسه من هذا الانزلاق وكأنه غير مشترك بالمسؤولية.

نتغنى بهذا الشعار الجميل ونكتب له القصائد الجميلة والمقالات المنمقة والعبارات الرائعة التي تسحر الألباب، ولكن وللأسف نجد بين هذا الشعار وبين التطبيق العملي له مسافات شاسعة، بل هوّة ساحقة كالتي تفصل بين المشرق والمغرب.

يتحدث أحدنا عن الأخوّة والمحبة في الله ويبسط في الحديث وكأن هذه الأخوة وهذه المحبة لا تعرف لها موطنا إلا في قلبه، ولكن كلمة غير مقصودة أو موقف بسيط من أخيه يستفزه ويغضبه وربما بسببه يهجر أخاه وينسى ما كان بينهما من فضل، لا بل يتحدث عنه بسوء فلا يحلم ولا يصفح ولا يتعامل مع هذه الزّلّة كزلة إخوان يجب أن تذهب مع الريح، وينسى ما كان يتشدق به بالأمس القريب عن الأخوة والحب في الله، فيسقط عنده هذا الشعار بل ويختفي عند أبسط امتحان في الأخوة ليصبح كأن لم يكن.

إننا إخوان، هكذا قال عنا رب العزة تبارك وتعالى: (إنما المؤمنون إخوة) ولأننا كذلك، فلا يمكن لقلوب الإخوان إلا أن تنبض بالمحبة لأنها لا تعرف غير قواعد هذه اللغة ولا تتقن غيرها، ولا يمكن أن يتنفسوا إلا بنسائم الود والإحسان، فهكذا هي طبيعة أجوائهم الصافية، ولا يكون جمعهم إلا للتواصي بالحق والتواصي بالصبر فهذا هو العهد بينهم والعقد الذي لا ينفرط.

ولأننا إخوان، فهذه دعوة عامة لاجتماع عام تجتمع فيه القلوب على موائد الرحمن في ملتقى الأخوة الفسيح. يلتقي فيه إخوان قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هُم عبادُ اللهِ مِن بلدانٍ شتَّى وقبائلَ شتَّى مِن شعوبِ القبائلِ لم يكن بَينها أرحامٌ يتَواصلون بها ولا دُنيا يتباذلونَها تحابُّوا بروحِ اللهِ يجعلُ اللهُ لهم منابرَ مِن نورٍ ويجعلُ وجوهَهم نورًا يَومَ القيامةِ قدامَ الرحمنِ يفزعُ النَّاسُ ولا يفزعونَ ويخافُ النَّاسُ ولا يخافونَ). التقوا ليس على مصلحة يبغونها ولا على دنيا يصيبونها، يمدّ الواحد منهم يده ليصافح أخاه فيجد يد أخيه وقد سبقت يده للمصافحة، ويفتح قلبه لأخيه ليشاركه ألمه وهمه فيجد أخاه حاملا همه مستشعرا بآلامه قبل أن يخبره هو بها.     إنها دعوة لملتقى تحفه الملائكة وتتنزل عليه الرحمة ويذكره الرحمن فيمن عنده. إنه ملتقى القلوب المتآخية والأرواح المتصافية والنفوس العالية، تلتقي لا لتتعاتب ولا لتتجادل، بل لتتغافر، لتتسامح، لتتصافح، لتبتسم، لتحرق كل ضغينة وكل كره وكل شائبة سوداء علقت بها.

أليس جمال العيش بقلوب صافية تبحر فيها سفن الخير وقوارب الأخوة الفياضة؟ أليس روعة العمر بأرواح تحلق في سماء الأخوة تقطف من نجومها وكواكبها أجمل الزهرات فتنثر عبيرها على أجنحة مكسورة فتجبرها، وعلى نفوس مكلومة فتبرئها وعلى عيون من الأحزان دامعة فتمسح دمعاتها؟ أليس جنة الدنيا بإخوان امتزجت نفوسهم وأرواحهم وقلوبهم، فتنفسوا بشهيق وزفير واحد ونبضت صدورهم بقلب واحد، وفاضت بمشاعر واحدة؟

ولأننا إخوان، فهذه دعوة أخرى لطرد بل محاربة كل شعور يغمره سوء الظنون لبعضنا، فتعالوا نلتمس الأعذار لإخواننا كما يلتمسون هم الأعذار لنا، وإذا عجزنا في إيجاد عذر لهم نقف مع أنفسنا هنيهة نتهمها بالقصور وربما هو الجهل بأن هناك حتما عذرا لا نعرفه، لأننا نحسن الظن بهم وهم كذلك، ونثق بهم وبأخوتهم وهم على مستوى هذه الثقة، ونعلم علم اليقين أنهم ما قصدوا الإساءة ولا التقصير ولا الخطأ بحقنا، ولكنها هفوات إخوان ليس إلا، تعالوا نقول إخواننا جهلوا علينا من غير قصد، ننتصر لهم ولأخوتهم ولا ننتصر لظنوننا السيئة ولا لأنفسنا القاصرة الأمارة بالسوء. هكذا تدوم أخوتنا إن كانت صادقة.

فما أجمل الحياة، بل ما أوسعها بل ما أزينها حين تجتمع قلوبنا على محبة الله وتتآلف. هكذا هي الأخوة في الله مجالها فسيح جدا، وأرضها شاسعة لا تحدها حدود عقدها متين لا تنفصم عراه، فليس أجمل ولا أغلى عند المؤمن بعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من أخ صادق صدوق تتوقد في قلبه شعلة الاخاء فلا تنطفئ مهما كانت الأحوال والظروف، وتنمو في تربته الطيبة زهور الوفاء فلا تذبل مهما عصفت بها العواصف، وتشتعل في جنباته مشاعر الحنين لأخيه فلا تخبو، أنفاسه تلهج بأصدق الدعاء له في جوف الليل، فتحيل ليله ضياء، ليقول: الحمد لله لعله أخي يذكرني الساعة ويدعو لي بالغيب فجزاه المولى كل خير وقد أجزل لي العطاء.

قال أحد السلف: يا أخي إذا ذكرتني ادع لي وإذا ذكرتك أدعو لك فإذا لم نلتق فكأنما قد التقينا فذاك أروع اللقاء. فما أكثر هموم الدنيا ومنغصاتها، ولولا ذكر الله ومحبة الإخوان وخالص دعائهم بالغيب والناس نيام لظلت النفس ترشف من كؤوس المر والأحزان زمانا بعد زمان كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لولا صحبة الأخيار ومناجاة الحق تعالى بالأسحار، ما أحببت البقاء في هذه الدار. فسبحان من جعل الأخوة والمحبة جسرا لعبور الجنان، سبحان من جعل المتحابين فيه تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى