أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (107): 28.3.1996 مرة أخرى ملاحظات حول ما قاله الأستاذ عبد المالك دهامشة حول انقسام الحركة الإسلامية (3-3)

حامد اغبارية
كان همُّ التيار المعارض لانتخابات الكنيست في الحركة الإسلامية الحفاظ على وحدة الحركة رغم كل التجاوزات والأساليب التي انتهجها الشيخ عبدالله نمر درويش رحمه الله، من أجل أن يمرر –بأي ثمن- قرارا بالمشاركة في انتخابات الكنيست. وقد ابتلع التيار المعارض، وفي مقدمته الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب، الكثير من الشفرات، وفي أحيان كثيرة كانا يفضلان السكوت على كل التجاوزات ويعَضَّان على النواجذ ويوافقان على بعض القرارات غير المنطقية والتي كانت تتخذ بعيدا عن الشورى وبوسائل بعيدة كل البعد عن النهج الذي سارت عليه الحركة، وذلك حفاظا على وحدتها ومنعا للانقسام الذي بدأت بوادره مبكرا، قبل آذار 1996 بفترة طويلة. ولذلك لم تكن قضية انتخابات الكنيست هي السبب الوحيد في ذلك الانقسام، بل كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير.

فهل أخطأ الشيخان عندما فضلا السكوت؟ أعتقد أنهما لم يخطئا. فقد كانت مصلحة الحركة الإسلامية والحفاظ عليها هي البوصلة التي حددت خطواتهما. كما لم يخطئا عندما اتخذا مع إخوانهما ذلك القرار الشجاع بتصحيح مسار الحركة الإسلامية، بعد أن طفح الكيل وطف الصاع ولم يعد في الإمكان السكوت على كل تلك التجاوزات وضرب قرارات المؤتمر العام بعرض الحائط.
في تشرين الأول 1995 جرى تشكيل مجلس شورى مؤقت، على أن يجري انتخاب مجلس دائم لاحقا، وقد ضم 15 عضوا (ستة من منطقة الجليل وثلاثة من المثلث الشمالي وثلاثة من المثلث الجنوبي وثلاثة من النقب). ومع ذلك لم يجتمع هذا المجلس بكامل أعضائه سوى مرة واحدة في آذار 1996. هذا إضافة إلى أن جلسات الإدارة العامة للحركة كانت متقطعة ولم تكن تعقد بانتظام. وقد كثرت في تلك الفترة تصريحات الشيخ عبدالله حول ضرورة تشكيل قائمة عربية مشتركة، مع الإشادة وكيل المديح لأحمد الطيبي، علما أن هذا كله حدث مباشرة بعد قرار المؤتمر العام من شهر أيام 1995 بعدم خوض الانتخابات!!

في شهر آذار 1996 كانت محاولة لعقد مجلس الشورى ثانية، بعد أن تعذر عقدها في شباط من نفس السنة، لأن الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب فضلا عدم المشاركة فيها حرصا منهما على عدم تفجرها جراء المواجهة التي ستحدث مع الشيخ عبدالله في أجواء مشحونة.

تقرر، بعد اتصالات من طرف ثلاثة من الإخوة (هم اليوم محسوبون على الجنوبية)، عقد جلسة لمجلس الشورى في آذار، إلا أن الشيخ رائد صلاح رفض المشاركة إلا إذا جرت محاسبة الشيخ عبدالله على التجاوزات والنهج. فكان من الإخوة الثلاثة أن أكدوا للشيخ أن الهدف من الجلسة هو تأكيد مكان مجلس الشورى، ولن تتخذ فيه أية قرارات أخرى. ثم اتفقوا على أن هذه الجلسة لن يحضرها الثلاثة: الشيخ عبدالله والشيخ رائد والشيخ كمال. ولكن المفاجأة كانت أن الشيخ عبدالله حضر الجلسة بينما تغيب عنها الشيخان رائد وكمال التزاما بالقرار. والأكثر عجبا أنه تقرر في تلك الجلسة إعادة النظر في قرار المؤتمر العام من انتخابات الكنيست، كما انتخبت لجنة سياسية كلفت بتقديم توصيات حول انتخابات الكنيست خلال أسبوعين!!

ومن غرائب الأمور أيضا أن الجناح الجنوبي، الذي اتضحت معالمه بعد 1996 كان قد أصدر نشرة بعنوان “لماذا انشق الإخوة؟” ذكروا فيه أنه تقرر في جلسة مجلس الشورى المشار إليها (في البند السابع من المحضر) تكليف لجنة للحوار مع الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب، إلا أن مراجعة محضر تلك الجلسة يؤكد أنه لم يكن هناك بند كهذا!!

هذا فقط قليل من كثير مما حدث في مجلس الشورى الذي كرر الأستاذ عبدالمالك دهامشة الحديث عنه وكأن الشيخين رائد وكمال لم يلتزما بقراراته!!

أما بخصوص قصة الخلاف حول عدد أعضاء المؤتمر العام من النقب، وقول الأستاذ دهامشة إن الشيخ حماد أبو دعابس قال إنه دعا للمؤتمر 12 (أو 10 أشخاص) من النقب لأن الشيخ كمال اشترط عليه هذا عن طريق شيخ آخر، فإن الحقيقة تختلف تماما عما قاله الأستاذ دهامشة.

كانت حصة الأهل في النقب داخل المؤتمر العام 8 أعضاء فقط (حسب تقسيمة المناطق هناك، باعتبار مندوب عن كل منطقة)، وكان هذا وفق النظام الداخلي للحركة. إلا أنه لما تقرر عقد المؤتمر العام بتاريخ 23/3/1996 مع إصرار الشيخ عبدالله على إعادة بناء المؤتمر العام من جديد قدم الإخوة من النقب 25 اسما، فثار جدال ساخن حول هذه المسألة، عندها قرر الشيخ عبدالله إلغاء فكرة عقد المؤتمر، ثم طرح للتصويت توصيات اللجنة السياسية التي عينها في جلسة الشورى المشار إليها. وكانت نتيجة التصويت لصالح خوض انتخابات الكنيست، تماما كما أراد الشيخ، وكما خطط مسبقا. وأعلن الشيخ عبدالله في تلك الجلسة أن هذا هو موقف الحركة الإسلامية الأخير، مخالفا بذلك قرار المؤتمر العام (الرافض لخوض الانتخابات)، ومناقضا تصريحاته في “صوت الحق والحرية” حول التزامه بتنفيذ قرارات المؤتمر العام السابق، واليت ذكرتها في المقال السابق، علما أن المؤتمر العام هو الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ القرارات المصيرية.

بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن أن الحركة الإسلامية قررت المشاركة في انتخابات الكنيست، وعندها دعا الشيخان رائد وكمال إلى عقد جلسة طارئة في أم الفحم يوم 24/3/1996، وذلك بحضور الشيخ كامل ريان، ومن هناك اتصلوا بالشيخ عبدالله وطالبوه بعقد المؤتمر العام، لكنه رفض، وعندها قرروا إبلاغ وسائل الإعلام أن الحركة لم تتخذ بعد قرارها النهائي حول الانتخابات، ثم دعوا إلى عقد جلسة للمؤتمر العام في أم الفحم في اليوم التالي (25/3)، ووجهوا الدعوة إلى جميع أعضاء المؤتمر، وعندها قرر الشيخ عبدالله عقد مؤتمر آخر في كفر قاسم في نفس التوقيت. ولكن أمام هذا المشهد بدأت اتصالات من إخوة (أسماؤهم معروفة) مع الشيخين رائد وكمال لتوحيد جلسة المؤتمريْن. وكان الأخ الذي اتصل مع الشيخين قد وعدهما بأنه سيحضر من النقب 15 عضوا بدلا من 25 عضوا. ورغم أن هذا الرقم أكثر بكثير من حصة النقب (8 أعضاء) إلا أن الشيخين وافقا على توحيد المؤتمريْن حرصا على وحدة الحركة. معنى هذا أن التجاوز وأهداف هذا التجاوز كانا ظاهرين للعيان، وأن إعادة تشكيل المؤتمر العام جاء فقط لتحقيق أمر واحد: ضمان أكبر عدد من المؤيدين لخوض الانتخابات.
ولكن كيف رُجحت كفة المؤيدين لخوض انتخابات الكنيست، بعد أن كان المؤتمر السابق قد حسم الأمر بنسبة 70% ضد المشاركة في الكنيست؟

سأقول هنا أمورا وأشير إلى أشخاص ما يزالون أحياء وأسماؤهم معروفة، حتى يتضح الأمر لكل ذي بصيرة.
قبل أن يبدأ المؤتمر العام جلسته تلك أبلغ أحد المشايخ أحد الإخوة من المسؤولين من التيار الرافض لخوض الانتخابات أن مسؤول منطقتهم جمع مسؤولي البلاد (وهم أعضاء في المؤتمر العام) بعد صلاة الفجر من نفس يوم عقد المؤتمر (25/3) وأبلغهم أنه من مصلحة الحركة خوض انتخابات الكنيست وذلك لأن حركة حماس تخطط للإطاحة بالشيخ عبدالله من رئاسة الحركة بواسطة الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب. ورغم خطورة هذا الكلام إلا أن الشيخين رائد وكمال اعتبرا الأمر سوء فهم من الأخ ناقل الحديث، باعتبار أن الأخ مسؤول المنطقة لا يمكن أن يصدر عنه مثل هذا الكلام. ثم دخلا المؤتمر دون إثارة هذه المسألة. وأثناء الجلسة حاول عريف المؤتمر إسكات الشيخ كمال وهدده بطرده من الجلسة لأنه احتج على استخدام العريف أوصافا غير لائقة وطالبه بالاعتذار عنها!! ثم وقف الشيخ حماد أثناء قراءة أسماء المندوبين عن مختلف المناطق وقال إن الشيخ الفلاني (اسمه معروف) قد غشه حين أخبره أنه اتفق مع الشيخ كمال أن يحضر من النقب 15 مندوبا بدلا من 25، ومن الجليل 23 مندوبا بدلا من 39، فنفى الشيخ كمال هذا الأمر وقال إنه لم يكن هناك أصلا خلاف بخصوص مندوبي الجليل، حيث تقرر حضور 39 بدلا من 45، لأن بعض البلدات لم تستوفِ شروط المشاركة في المؤتمر حسب النظام الداخلي للحركة. وانتهى المؤتمر بقرار خوض الانتخابات بتأييد 49 عضوا مقابل 47 عضوا. وقد أقر الشيخان رائد وكمال هذه النتيجة رغم كل ما حدث من تجاوزات حفاظا على وحدة التنظيم، وأكدا لوسائل الإعلام أنهما ملتزمان بالقرار وسيعملان على تنفيذه. فهل من يقول هذا ويلتزم بهذه الطريقة يقرر الانشقاق فجأة كما يقول الإخوة من الجناح الجنوبي؟؟؟ هذا لا يمكن لعاقل فطن أن يتخيله أو يصدقه. غير أن قضية ربط الشيخين بحماس والسعي للإطاحة بالشيخ عبدالله تكررت على ألسنة إخوة آخرين (أسماؤهم معروفة)، ليتضح أن ما سمعاه قبيل عقد المؤتمر الأخير كان حقيقيا ولم يكن توهما. ليأتي بعد ذلك يوم الأربعاء 27/3/1996 حين توجه وفد من طرف الشيخ عبدالله للمشاركة في حفل إعلان أحمد الطيبي لقائمته الانتخابية. وهناك سلمه الوفد رسالة تدعوه للتفاوض حول خوض الانتخابات سوية!! دون الرجوع إلى مجلس الشورى. وفي اليوم التالي عقد مجلس الشورى في كفر قاسم ليتضح أن هناك أمورا تحاك دون علم الشيخين رائد وكمال، ومنها اقتراح تعيين نائب للشيخ عبدالله، علما أن هذه المسألة لم تطرح قبل ذلك، ولم تعقد الجلسة لهذا الموضوع أصلا. كما نفى الإخوة قضية حشر موضوع حماس رغم أن هناك شهادات حية. ثم جاءت قضية الرسالة لأحمد الطيبي التي أكدها الشيخ عبدالله في تلك الجلسة، وعندها قرر الشيخان رائد وكمال إصدار بيان “تصحيح المسار” الذي نشر في “صوت الحق والحرية” صباح الجمعة 29/3/1996.

ما هي قصة الـ ((trick؟

يوم 7/3/1996 اعتقل الدكتور سليمان أحمد رئيس لجنة الإغاثة الإسلامية، ثم قرر شمعون بيرس إعلاق اللجنة يوم 17/3/1996، فعقدت الإدارة العامة جلسة طارئة تغيب عنها الشيخ رائد صلاح لوجوده خارج البلاد في مهمة دعوية. ولم تكن تلك الجلسة رسمية، ولا مستوفية للنصاب، حيث حضرها ستة فقط بينهم الشيخ عبدالله والشيخ كمال، وفجأة قال الشيخ عبدالله إنه يريد أن يعمل خدعة (Trick) لبيرس وحزب العمل بسبب إغلاق الإغاثة من خلال إعلان أن الحركة تفكر بخوض الانتخابات وأنها ستعاقب حزب العمل بسبب إغلاق اللجنة. واتفق الحضور على إبلاغ سائر أعضاء الإدارة ومجلس الشورى أن ما يسمعونه في الإعلام هو مجرد “خدعة”، علما أن موعد تسجيل الأحزاب كان قد انتهى أصلا. لكن الشيخ عبدالله بدلا من ذلك راح في جلسة مجلس الشورى في اليوم التالي يثير الخوف من استهداف مؤسسات الحركة، وأنهم يجب أن يكونوا واقعيين ويدرسوا موضوع الانتخابات بجدية. وعندها قال الشيخ كمال إن هذا ليس ما اتفقوا عليه وإن هذه الجلسة عقدت أصلا لإبلاغ الأعضاء بأن المسألة هي مجرد “خدعة”. فقال الشيخ عبدالله إنه لا يعرف الخدع ويعرف فقط الجدية وليس عنده “تريكات”. وكانت هذه إشارة إلى تخطيط مسبق من الشيخ عبدالله للوصول إلى مرحلة الحسم لصالح خوض الانتخابات مهما كان الثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو انقسام الحركة، علما أن المشاركين في تلك الجلسة منعوا الشيخ كمال من التوجه للمؤتمر العام لإبلاغه بهذه التفاصيل. ثم صوتوا بالأغلبية لصالح “الخدعة” التي أصبحت حقيقة.
بطبيعة الحال أمامي الكثير الكثير من التفاصيل المذهلة التي لن أذكرها في هذه المرحلة، ولعل الأيام القريبة ستفصح عنها بشكل أو بآخر ليعلم من ما زال في قلبه ذرة شك أن ما حدث ليلة 28/3/1996 كان تصحيحا للمسار وليس انشقاقا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى