أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

ولا تزال الحرب على الحجاب مستمرة

ليلى غليون

إنني لا أكشف سرا، ولا آتي بجديد عندما أقول إنّ الحرب ضد الحجاب في أيامنا هذه قد بلغت مبلغا عظيما لم يسبق له مثيل، سواء من الأقرباء الذين ينتمون إلى الاسلام زورا وبهتانا وبالهوية فقط، وسواء من الغرباء الذين وضعوا لأنفسهم هدفا محددا وهو انتزاع حجاب المرأة المسلمة بأي ثمن وبأية وسيلة، ولا زالت تلك المساعي على قدم وساق ولن تتوقف، ويبقى الحجاب الذي يرمز بصورة قاطعة إلى الهوية الاسلامية مطاردا ومحاربا عن طريق تضييق الخناق على المرأة المحجبة وحرمانها من الانخراط في شتى المجالات التعليمية والمهنية والوظيفية وغيرها لا لذنب اقترفته سوى أنها امتثلت لأوامر ربها الذي يأمرها بلبس الحجاب، والغريب في الأمر أن أصواتهم بُحَّت وهم يتغنون ويطبلون ويزمرون للحرية، وأن الانسان من حقه أن يدير حياته بالصورة التي يراها هو مناسبة، وليس لأحد الحق في التدخل بشؤونه، حتى أنهم شيدوا تمثالا ضخما أطلقوا عليه اسم (تمثال الحرية) متبجحين بأنهم رموز الحرية وحملة لوائها وشعارها، إلا أن هذه الحرية ينهار تمثالها ويتحطم شعارها عندما يتعلق الأمر بحجاب المرأة المسلمة!! وأن قطعة القماش التي تضعها المرأة المسلمة على رأسها تعتبر خرقا لقوانين الحرية واستخفافا بمبادئها!! فالتعري مباح بدعوى الحرية، وخروج المرأة سافرة أو ترتدي القصير من الثياب وتبرز مفاتن جسدها فإن ذلك يعتبر حرية شخصية والويل كل الويل لمن يعترضها ويتعدى على حريتها، ولكن الدنيا تقوم ولا تقعد عندما تختار هي وبمحض إرادتها لبس الحجاب الذي هو جزء لا يتجزأ من عقيدتها لتتهم بالتخلف والرجعية والطائفية.

فها هي المرأة المسلمة في الهند (كما غيرها في كثير من الدول) تتصاعد الانتهاكات بحقها والتضييق عليها بشن الحرب على حجابها حيث قررت المحكمة العليا لولاية كارناتاكا الهندية حظر حجاب المسلمة كونه ذا دلالة دينية ليشمل القرار الطالبات في المدارس والموظفات في المؤسسات، وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع مصورة حول إجبار الطالبات المحجبات على خلع الحجاب قبل دخولهن المدرسة في ولاية كارناتاكا لتتوسع دائرة الحرب على الحجاب في الهند لتصل إلى ولاية أوتار براديش وهي أكثر الولايات الهندية اكتظاظا بالسكان مطالبين أيضا بحظر الحجاب.

وها هي فرنسا والتي ترفع لواء تحرير المرأة لا تزال مستمرة في حربها الشرسة الضاربة جذورها في العمق الفرنسي ومنذ سنين ضد حجاب المرأة المسلمة، حيث غرّدت مرشحة حزب الجمهوريين في انتخابات الرئاسة الفرنسية فاليري بيكريس وهي تعد بالقضاء على كل مظاهر الإسلام في فرنسا إن هي نجحت في الانتخابات بما في ذلك الحجاب. إنّ هذا التحدي السافر والانتهاك الصارخ لأبسط الحقوق الانسانية ممن يتشدقون بالحرية والديمقراطية لا نجد فيه غرابة ولا استهجانا، إذ لم يعد يخفى على كل ذي بصيرة أنّ دين الله تعالى الذي ارتضاه رحمة للعالمين كان ولا زال ويبدو أنّه سيبقى مرمى لأهداف دنيئة حاقدة تبتغي أن يظل الاسلام والمسلمون كالطائر المقصوص جناحيه مشلول الحركة لا يبرح مكانه، عاجزا عن التحليق بحرية في الفضاء الواسع، تحتم عليه ظروف اعاقته وعجزه أن يستجدي ما يعينه على العيش والبقاء من الغير، متقوقعا في بوتقة التبعية والعبودية عند لصوص الحرية ومنتهكي كرامة وحقوق الآخرين، وكذلك فإن الصغير منّا قبل الكبير بات يدرك حق الادراك أن المقصود من وراء هذه الحملات المتتالية ضد الحجاب هو الاسلام بعينه، وأن الكائدين والشانئين لن تستكين لهم جارحة ولن تغمض لهم عين حتى يجدوا الاسلام وقد تميع من واقع المسلمين ولم يعد إلا مجرد اسم في هوياتهم ولا دخل له في نمط حياتهم ومنهج سلوكهم، ليتجرؤوا على دين الله تعالى بسنّ قوانين تحظر على المرأة المسلمة الالتزام بما فرضه الله تعالى عليها، ليقيدوا بذلك حريتها بممارسة معتقداتها ويجعلونها تقف أمام خيار صعب إما التفريط والتنازل عن حجابها (وهذا بالطبع ليس واردا في حساباتها مطلقا) وإما التنازل عن تعليمها أو وظيفتها.     فكما ذكرت لا تتملكني الدهشة من هذه السلوكيات الصادرة من أمثال هؤلاء أصحاب الياقات والبدل الرسمية الذين لا يسأمون يتغنون بالحرية الزائفة زيف عقولهم وافكارهم، ولكن العجب كل العجب بل هو العار والشنار ممن ينتسبون للإسلام الذين نصبوا العداء لدين الله وللحجاب وشرعوا ينفذون الخطط التي طبخت بمطابخ أسيادهم وقدّموها الى مجتمعاتهم ليثبتوا بذلك ولاءهم وطاعتهم العمياء لأسيادهم صناع القرار. لقد فعلها المخلوع زين العابدين حاكم تونس وفجّر أزمة الحجاب في بلاده وعمل على مواصلة الانتهاكات ضد النساء التونسيات المرتديات للحجاب، وكما هو المعروف أن القانون رقم 108 الذي يتضمن حظر ارتداء الحجاب صدر في عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبه عام 1981.

فإذا كان الحجاب قد طورد من قبل أهله فهل بعد ذلك نستغرب مطاردته من قبل الغرباء! وللعدل والإنصاف فزين العابدين ليس هو الفارس الوحيد في هذا الميدان فقد سبقه في ميدان المطاردة مصطفى اتاتورك الذي بدأ ثورته على الملابس عام 1925 حيث فرض على المرأة العاملة بدواوين الدولة والحكومة والمدرسة والجامعة ارتداء التنورة والبلوزة أو الجاكيت وإلغاء ارتداء الطربوش والطاقية للرجل واستبدالها بالقبعة وهو نفس القانون الذي بموجبه تمّ منع واسقاط العضوية البرلمانية عن النائبة المحجبة (مروة قاوقجي) عام 1999 ولا يمكننا أن ننسى في هذه القضية البطل المغوار الذي سبق الجميع في هذا الميدان قاسم أمين والفارسة هدى هانم شعراوي وصفية هانم زغلول والتي كانت على رأس مظاهرة نسائية تندد بالاحتلال الانجليزي لمصر عام 1919 حيث ألقت مع النسوة الحجاب وسط الميدان وسكبن البترول عليه وأشعلن النار فيه. ومن أغرب ما قرأت عن أحد أبطال حرب الحجاب المدعو أحمد بن بيلا والذي دعا المرأة الجزائرية إلى خلع الحجاب بحجة عجيبة حين قال: (إنّ المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها الى ذلك، أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر!).

ولا تزال الحرب على الحجاب مستمرة، وأنى لهم ذلك؟! فالحجاب ثوابت وهوية عمرها أكثر من 1445 سنة، وأعمارهم لا تتعدى العقود، وهم إلى زوال وهذه الهوية ماضية إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى