أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

المرأة المسلمة في عين الاستهداف

ليلى غليون

(إن الاسلام شيء واتجاه الناس في معاملة المرأة شيء آخر، ولا ريب أن ذلك يسيء للإسلام، إن التربية الراشدة الناضجة هي الضمان الأول لكل نهضة، والبيت هو المدرسة الأولى لتلك التربية، وعندما تكون المرأة صفر العقل والقلب لا ثقافة في المدرسة ولا عبادة في المسجد، فمن أين تتحقق التربية؟ إن فقدان التربية السديدة والأخلاق الصلبة يرجع إلى العوج الهائل في وسائل التربية وأول ذلك المرأة).

هذه الكلمات التي يفوح شذاها فكرا سديدا وفهما عميقا للدور الريادي للمرأة في عملية التربية الراشدة والنهضة الاجتماعية، قطفناها من كتاب (هموم داعية) للشيخ المرحوم محمد الغزالي، أحد مجاهدي الفكر الاسلامي الذي ترك لنا كنوزا وذخائر من كلماته المنيرة وفكره الواعي العميق من خلال مساهمته الجبارة في ترشيد الصحوة الاسلامية في كل قطر من أقطار الوطن الاسلامي.

لقد أدرك الغزالي رحمه الله (مثلما يجب أن ندركه جميعا) أن المرأة قطب الرحى في العملية التربوية وفي عنقها أمانة صناعة الأجيال جنبا إلى جنب مع زوجها، فهي كما هو القدوة في أسرتهما، والأسرة لبنة من لبنات المجتمع الكبير إن صلحت صلح هذا المجتمع وإلا نخره الفساد، فلا غرابة إذن أن تتصدر المرأة المسلمة بالذات واجهة الاستهداف عند أعداء الأمة لتوضع على رأس أجنداتهم في مسعى منهم لتمرير سياستهم وخططهم الداعية لغسيل دماغي قيمي وفكري رهيب لقلب الأدوار وزعزعة القيم والثوابت، وذلك لجعل المرأة المسلمة تعيش في حالة من التخبط والتشتت في تحديد هويتها وانتمائها وحقيقة وجودها ودورها وبالتالي التخلي عن هذا الدور الأساسي والأصلي في المحضن التربوي، ثم التحلي بأخلاقيات وسلوكيات تتناغم ومصالح المشروع العولمي من جلادي ومجرمي هذا العصر الذين لم يكتفوا باحتلال البلاد وقتل العباد، بل وصلت أطماعهم لاحتلال الفكر والإرادة والهوية والتراث، والذين وجدوا من أبناء وبنات جلدتنا من يساعدهم ويساندهم لتحقيق مآربهم من المتنطعين والمتنطعات الذين اساؤوا للأمة إساءة مخزية وقبلوا لأنفسهم أن يكونوا سهاما صدئة في جعبة أسيادهم المتآمرين على أمتهم.

ومّما يشعل في القلب غصة، أن نرى نساء مسلمات بالهوية وقد سلطن ألسنتهن السليطة وجردن أقلامهن المسمومة وسخرن فكرهن المشوه للهجوم علنا على إسلامهن والطعن بأحكامه وتشريعاته، بل والقيام بجهود غير مباركة من أجل تشكيك غيرهن من النساء بهذا الدين بدعوى الحرية والمساواة والتمدن والانفتاح الحضاري.

ولا أرى في هذه النخبة من النساء إلا أنها مهزومة داخليا وخارجيا، تعيش في عجز فكري والانتماء للآخر وتقليده، حيث استعارت منه طائعة غير مكرهة قوالب فكرية وسلوكية هجينة وتسعى لحشوها في عقول النساء لإحداث انقلاب فكري فيها.

لذا، فإن الحاجة ملحّة لتدرك المرأة المسلمة أنها في عين العاصفة وأنها في دائرة الاستهداف، وباستهدافها فان الأمة كلها مستهدفة، وهذه المعركة الفكرية لم تعد تجري بالخفاء بل أصبحت في العلن وفي وضح النهار و على المكشوف كما يقال، وإن فقه المرحلة يستوجب أن يتصدر أولويات كل امرأة تسري في عروقها مسؤولية حفظ الأجيال، وتستشعر عظم هذه الأمانة وأنها محاسبة عليها أمام الله تعالى يوم العرض الأكبر خصوصا في هذا الوقت الذي استشرى فيه الفساد وعمّ وطمّ، فواجبها الآن مضاعف ومهمتها ليست سهلة، ودربها مليء بالألغام يقف فيه المتربصون الذين يريدون الحيلولة بينها وبين مهمتها الجليلة.

وعليه، فإن المرأة المسلمة يجب أن تدرك حق الإدراك، أنها الحصن الأول والمركزي في هذه الأمة إن نجحوا في اختراقه سهل عليهم اختراق باقي الحصون، لذلك فهي مطالبة اليوم واكثر من أي وقت مضى بالتواجد على رأس هرم الاصلاح الاجتماعي وأن تفقه واجبها نحو نفسها وبيتها ومجتمعها، وقبل كل ذلك نحو ربها عز وجل، والخطوة الأولى في هذا المضمار استشعارها بمسؤوليتها أمام الله تعالى الأمر الذي سيؤدي حتما لمضاعفة جهودها في الأمور المهمة والقضايا الملحة، والبعد عن الاهتمام بسفاسف الأمور وقشورها وبريق الشكليات والماديات التي بلغ طغيانها كل حد.

والخطوة التي تليها، تعميق صلتها بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك حتى تسير في طريق الاصلاح الاجتماعي على بيّنة من أمرها، فاليقظة الفكرية والتألق الروحي سلاح فتاك ودرع واقي أمام حشود الفساد، وطاقة جبارة تدفع عجلة الاصلاح نحو الامام، والخطوة الثالثة المطالعة الجادة الغنية لتغذية العقل وتنبيه المدارك لتكون على علم بما يدور حولها، وبمقدار الوعي الذي تمتلكه في شخصيتها يكون بيتها حصنا حصينا وقلعة منيعة أمام كل تآمر يستهدف تقويض اركانه، حتى يستمر هذا البيت بأداء رسالته السامية وهي تنشئة الاجيال وتخريج الابطال والعلماء والعظماء ترعاه امرأة واعية مدركة لكل ما يدور حولها فقهت الواقع بكل تداعياته، مرددة مقولة الفاروق رضي الله عنه: “لست بالخب ولا الخب يخدعني”.

إن البيت الذي تديره امرأة قرأت خريطة المرحلة بكل تعرجاتها وتشابكها وفقهتها بعيني بصيرتها، وإن الأسرة التي تديرها أم واعية عرفت، بل نجحت أن تغرس فيه الأصالة والقيم الاسلامية لهو نواة المستقبل المنشود لهذه الأمة وهو الركيزة الأساس لعودة الخلافة الإسلامية التي طالما انتظرناها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى