أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

بكل صراحة… ودون تشنج!

حامد اغبارية

أيـــن أنتم؟!

هذا ليس من باب المناكفات السياسية، وإنما هو سؤال يطرح نفسه بقوة. منذ حظر الحركة الإسلامية في تشرين الثاني 2015، بدأنا نلاحظ أن سلوك بعض الأطراف السياسية الناشطة في الداخل الفلسطيني قد ظهرت عليه علامات غريبة عجيبة، هي مزيج من التشفي واستغلال خلو الساحة (تنظيميا) من الحركة الإسلامية ونوع من الفرح الخفي، أنْ جاء من يخلّص هؤلاء من “هيمنة” الحركة على الفعل السياسي والأهلي والميداني.

وإنني على يقين (من تجارب السنوات الماضية، المدعومة بأدلة كثيرة) أن هؤلاء استغلوا حظر الحركة، ظنا منهم أن الميدان سيخلو لحميدان، فماذا فعلوا حتى الآن؟! وأين هم على الصعيد السياسي والصعيد العملي الميداني، في جميع القضايا التي رفعت الحركة الإسلامية المحظورة رايتها، سواء في المسجد الأقصى المبارك وفي القدس وفي العمل الأهلي بمختلف مستوياته وتخصصاته، وفي الخطاب السياسي، وفي تحريك المياه الراكدة على مختلف الأصعدة؟! ماذا قدّموا؟! أنقول: الحمد لله أن وقع هذا الحدث الجلل حتى تنكشف الأمور، وتسقط الأقنعة؟! وحتى يعرف مجتمعنا اتجاه البوصلة الصحيح، ويعرف ثقل ووزن ومصداقية وأثر وتأثير ورسوخ تلك القوى؟!

ما كنت أحب أن أخوض في هذا الملف المُلغَّم، لولا أن حالنا قد أصبح يرثى له، جرّاء التراجع الخطير الذي أصاب فعلنا السياسي، وتحركنا الميداني، سواء كقوى مستقلة، أو كقوى متشابكة تعمل تحت سقف لجنة المتابعة العليا، إلى الحدّ الذي أفقد الشارع الفلسطيني في الداخل الثقة بتلك القوى وبإطارها الجامع. ولست أدري إن كان في الإمكان – بعد هذه الحالة من الترهل-  استعادة تلك الثقة، التي هي أساسا  تعاني من اهتزازات خطيرة منذ عشر سنوات على الأقل.

وأنا بصراحة متناهية أتحدث عن قوى وتنظيمات وأطر يعينها، دون التصريح باسمها في هذه المرحلة، حفاظا على ما تبقى من وشائج نسعى طوال الوقت إلى تقويتها، ورتق ما تمزق منها، والدفع بها نحو تحقيق أقصى ما يمكن من إنجازات يستفيد منها الشارع، كما تستفيد منها تلك القوى نفسها، غير أن الكلام أحيانا يكون على قدر الوجع. والوجع في حالتنا هذه شديد شديد.

وبصراحة أكثر، أقول: من متابعتي لتطورات الحدث منذ حظر الحركة الإسلامية تكونت لديّ قناعة، تدعمها قرائن كثيرة، أن هناك قوى “فاعلة” (أو في الحقيقة غير فاعلة) في الداخل الفلسطيني، بدا عليها الارتياح الشديد من الحظر، بل (ربما) هناك شخصيات معينة كانت على علم مسبق بوجود قرار نهائي بحظر الحركة الإسلامية، وشخصيات تكونت لديها معلومات شبه مؤكدة بهذا الخصوص، وكان ينقصها فقط أن تعرف الموعد المحدد لإعلان قرار الحظر وتنفيذه. وهذا- لعمرُك- أمرٌ خطير، ستكشف عنه قادمات الأيام…. ولن أقول أكثر من هذا في هذه المرحلة….!!!

ويستطيع أي مراقب أو متابع للحدث أن يقرأ الرسائل التي يبثها هؤلاء من خلال فعلهم أو عدم فعلهم. ففي خطاب هؤلاء وكتاباتهم، وبين السطور وفي ثنايا السلوك تقرأ كل شيء، وتفهم كل شيء!! وأعطيك مثالا واحدا ماثلا أمامنا الآن. ها هو شيخ الأقصى الأسير، الشيخ رائد صلاح، قد مضى على اعتقاله الظالم، ومحاكمته الباطلة قريبا من نصف سنة، وقبله بأشهر اعتقل عشاق الأقصى، فمنهم من حكم عليه بالسجن، ومنهم من ينتظر صدور الحكم ضده وهو في حبسه المنزلي الظالم، ومع ذلك غاب هؤلاء وقادتهم وناشطوهم عن ساحات المحاكمات. بل إن منهم من كان قريبا  من المحكمة أثناء عقد جلسة لشيخ الأقصى أو عشاق الأقصى، ولم يكلف نفسه أن يعرّج على المحكمة داعما مثبِّتا، بل نراه دائما مثبِّطا.. للأسف الشديد.

هذا مؤسف حقا، لكنه في ذات الوقت وضع الأمور في نصابها، والنقاط على حروفها… فغياب الحركة الإسلامية كجسم تنظيمي يتحرك بحرية، كشف حجم وتأثير ونوايا هؤلاء… وإن كان عندهم ما يقولونه عكس هذا الكلام فليتفضلوا وليفركوا في عينيّ ما عندهم من ملح وحصى.

الثوريون الكبار!!

لأن يتسحاق هرتسوغ مخلوق ثوري، من صُلب مخلوق ثوري، من نسل مخلوقات ثورية، فقد كان له السبق في قراءة الحدث بصورة دقيقة، إذ اكتشف – في مقابلة له مع موقع إيلاف السعودي- أن محمد بن سلمان، ولي عهد دولة آل سعود، ثوري كبير، ليس له مثيل في الشرق الأوسط، وأن محمد بن زايد ولي عهد الإمارات، وعبد الفتاح السيسي، جنرال الدم في مصر المخطوفة يقدمان طروحات مثيرة للإعجاب!! وغنيٌّ عن بذل الجهد الزائد عن حده، لتعرف أن تلك الطروحات تثير بالذات إعجاب الثوريين الإسرائيليين، أنصار الشعوب المسحوقة، خاصة إذا كانت تلك الشعوب عربية ومسلمة، ولنا في الشعب الفلسطيني خير دليل!!

إن تهافت الإعلام السعودي على إجراء مقابلات مع سياسيين وعسكريين إسرائيليين، ليس مفاجئا ولا يجب أن يكون مفاجئا، لأن ما يحدث الآن هو أن اللعب أصبح ع المكشوف، وأن هذا اللعب العلني هو ثمرة سنوات طويلة من تلك العادات السرية القبيحة، التي مارستها دولة آل سعود مع الإسرائيليين، من أيام رجل المخابرات بندر بن سلطان، سفير آل سعود الأسبق (1983 – 2005) في واشنطن. وقد كان هذا اللعب بعلم واشنطن وبدفع منها، وبعلم جامعة بريطانيا للدول العربية، وهو من ثمار الدور الذي رسمه الاستعمار الإنجليزي لعبد العزيز بن سعود ونسله من بعده، منذ لحظة تأسيس ذلك الورم الذي عرف فيما بعد باسم “المملكة العربية السعودية” في الثلاثينات من القرن الماضي، بل قبل ذلك من أيام مراسلات مكماهون – حسين الشهيرة في منتصف العقد الأول من القرن العشرين، وتحديدا بعد الحرب العالمية الأولى، التي تآمر فيها الطرفان على الخلافة الإسلامية، من خلال ما عرف لاحقا باسم “الثورة العربية الكبرى”، مقابل أن يحصل حسين بن علي على مُلك الحجاز وسائر المنطقة العربية في الدولة العثمانية تحت حكمه، فكانت النتيجة أن حصل حسين بن علي على خازوق خرج من نافوخه يسمى “سايكس – بيكو”، وما زال هذا الخازوق يعمل في جسد الأمة عمل السم الزعاف في الجسد المريض.

خطوة مباركة وإن تأخرت قرنا من الزمن

قبل نحو سنة نشرت على صفحتي في “فيسبوك” تدوينة حول “الأعمال العمرانية” التي ينفذها آل سعود في الحرمين الشريفين في كل من مكة المكرمة شرّفها الله تعالى، والمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ملخصها أن هذه المشاريع العمرانية تحت ذريعة التوسعة، من أهدافها الرئيسة طمس الآثار الإسلامية القديمة، وعلى رأسها الآثار العثمانية، وصبغ المكانين بعمران حديث ينسب فقط لآل سعود.

وهذا الأسبوع تشكلت في ماليزيا هيئة دولة لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الشريفين، وسعي آل سعود إلى تحقيق أغراض سياسية من هذه الإدارة، وإلى طمس الهوية الإسلامية في الحرمين وفي المدينتين، ومنعا لاستفراد الرياض بإدارة المشاعر المقدسة.

وهي خطوة مباركة، وإن جاءت متأخرة نحو قرن من الزمن، حيث أن الرقابة على الحرمين والمدينتين، ما كان يجب أصلا أن تكون بيد الدولة التي يقعان فيها، بل بيد هيئة إسلامية عالمية، يكون من صلاحياتها إدارة موسم الحج، ومواسم العمرة، وأعمال توسعة الحرمين، والحفاظ على آثارهما التاريخية والإسلامية المقدسة.

هي خطوة مباركة، وإن كنت أشك في قدرة تلك الهيئة على صنع شيء، أو تحقيق ما تسعى إليه، ذلك أن هناك جهات كثيرة، غير آل سعود، لها مصلحة في إبقاء الوضع القائم، سعيا إلى تحقيق مساعي الماسونية والصهيونية والصليبية في هدم دار الإسلام من الداخل، وهذا لن يتحقق إلا إذا سيطرت تلك القوى – بشكل من الأشكال- على مقدرات الحرمين الشريفين. إذ هناك من يريد أن ينتقم من عقر دار محمد صلى الله عليه وسلم، دار الإسلام ومهبط الرسالة، وهناك كذلك من يريد أن يحول دون تحقق وعد الله تعالى في سيادة الإسلام وهيمنته، ونشره للعدل والقسط، ودحره لقوى الشر والباطل والظلم، التي أذاقت وتذيق البشرية الأمرّين.

نعم…. دخلنا مرحلة الجدّ واللعب في دائرة النار….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى