معركة الوعي (102): خطيئة دعم اللاشرعية في الحالة الفلسطينية عن مشاركة محمد بركة في اجتماع “المركزي” الفلسطيني
حامد اغبارية
يرتكب السيد محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا، خطأ سياسيا فادحا بمشاركته، متحدثا، في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، الذي سيعقد يوم بعد غد الأحد في رام الله. فهو بذلك يخرج عن إجماع فلسطيني وإجماع في الداخل ينص على الدعوة إلى وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ضمن مراغمة المشروع الصهيوني في ملحمة الصراع على فلسطين.
يستطيع السيد بركة أن يحمل من الأفكار ما يشاء ويؤمن بما يشاء ويعبر عما يشاء من مواقف بصفته التنظيمية الحزبية وبصفته الشخصية، لكن لا يمكنه أن يُقْدم على مثل هذه الخطوة ممثلا عن لجنة المتابعة الطامحة دائما إلى أن تكون السقف التمثيلي الأعلى لفلسطينيي الداخل.
إن مشاركة السيد بركة في ذلك الاجتماع الذي ترفضه وتقاطعه غالبية الفصائل الفلسطينية هو في نتيجته دعم لنهج سلطة دايتون في رام الله، وعملية إنعاش يائسة لـ “أوسلو” التي يجمع الشعب الفلسطيني، بكل فصائله، بما فيها غالبية قيادات حركة “فتح” المـــُبعدة عن دائرة محمود عباس وحاشيته، بأنها اتفاقيات لم تعد قائمة إلا من خلال التنسيق الأمني الذي تمارسه السلطة مع الاحتلال. وهي (أي أوسلو) ما جاءت أصلا إلا لتقزيم قضية الشعب الفلسطيني سعيا إلى تصفيتها نهائيا وتحويل الفلسطيني إلى مشرّد وجائع يتسول اللقمة من “المجتمع الدولي” تارة، ومن الاحتلال تارة أخرى.
من المعلوم أن المجلس المركزي الفلسطيني هو هيئة سياسية منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني الذي لم يعد له أي وجود حقيقي في الفضاء الفلسطيني، خاصة منذ تأسيس سلطة دايتون التي أراد لها أعداء الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتهم الاحتلال، أن تكون هي الممثل الوحيد له والجهة الوحيدة التي تعبر عنه!
ومن المعلوم كذلك أن السنوات الماضية شهدت محاولات فصائلية لإعادة بناء المجلس الوطني بحيث يكون ممثلا حقيقيا للشعب الفلسطيني، من خلال ضم جميع الفصائل إليه، بما فيها “حماس” والجهاد الإسلامي”، إلا أن حركة سلطة رام الله ومن ورائها التيار المتنفذ داخل حركة فتح، بذلت كل ما يمكن لتعطيل هذا المشروع الوطني الذي من شأنه تغيير اتجاه البوصلة الفلسطينية وإنهاء حالة الاستفراد الفتحاوي بمقدرات الشعب ووضع حد لسياسة التبعية لسياسات واشنطن والاتحاد الأوروبي، ولحالة الاستسلام والخضوع لإملاءات الاحتلال.
في هذا المشهد يأتي عقد المجلس المركزي كخطوة لمنح الشرعية لسياسات السلطة، ولاختيار مجلس جديد مفصّل على مقاسها، يكون عونا لها في تمرير أجنداتها التي تشكل خطرا على حاضر شعبنا ومستقبله.
ومن ثمّ فإن مشاركة السيد بركة وإلقائه كلمة في ذلك الاجتماع باسم لجنة المتابعة تمثل خطوة خطيرة جدا، من حيث أنها في محصلتها النهائية دعم للسلطة ولأوسلو، بغض النظر عما سيقوله السيد بركة في كلمته. فهو ربما يدعو من هناك إلى لمّ الشمل الفلسطيني وإنهاء ما يسمونه “الانشقاق” وما إلى ذلك من مواقف، إلا أن مجرد المشاركة هي إضفاء شرعية على خطوة لاشرعية يرفضها غالبية أبناء الشعب الفلسطيني.
إذا كان لمجتمع الداخل الفلسطيني دور إيجابي في الحالة الفلسطينية وواقعها الحالي المأساوي، وهي حالة تتحمل المسؤولية الأولى والوحيدة عنها سلطة “أوسلو” وما نتج عنها من آثار كارثية، فإن هذا الدور يجب أن يصب في السعي إلى تغيير هذه الحالة لا تكريسها، والعمل على رص الصف والدعوة إلى انتخاب مجلس وطني فلسطيني يمثل كل أطياف الشعب وفصائله وتياراته، ورفع يد فصيل معين، أو بالأحرى تيار متنفذ داخل فصيل معين، عن القرار الفلسطيني وعن المجلس وعن السيطرة عليه وعلى سياساته خدمة لأجندات لا تصب في صالح القضية الفلسطينية، ولا تحقق شيئا لهذا الشعب في معركة التحرر والانعتاق من الاحتلال. وكان حريّا بالسيد بركة رفض المشاركة والاعتذار عنها، ومقابل ذلك كان يجدر به أن يدعو إلى عقد جلسة للمتابعة يصدر عنها بيان يؤكد كل هذه المعاني.
نعلم أن المتابعة تضم تحت سقفها أحزابا وتيارات يدعم قسمٌ منها سلطة دايتون وأوسلو، وقسم منها يعارض أوسلو وسياسات السلطة وحالة الاستخذاء التي تمارسها أمام الاحتلال، لكن جميع هذه التيارات تجمع – ولو إعلاميا- على ضرورة إنهاء حالة “الانقسام” وضرورة إعادة هيكلة المؤسسات الفلسطينية وفي مقدمتها المجلس الوطني والمجلس المركزي. والحالة كذلك فإن مشاركة رئيس المتابعة في جلسة الأحد لا تمثل المتابعة، ومن ثمّ تعتبر خروجا عن ذلك الإجماع، وهي في نهاية الأمر ستصب – شاء السيد بركة ذلك أم لم يشأ- في مصلحة مجموعة محمود عباس والسلطة وسياساتها التي تقود الحالة الفلسطينية إلى ما هو أسوأ من المشهد الكارثي الذي نشاهد حاليا. كذلك فإن هذه المشاركة – قصد السيد بركة أم لم يقصد- تخدم توجه الاحتلال في تقوية سلطة دايتون على حساب القضية الفلسطينية وعلى حساب إرادة الشعب الفلسطيني. وإن كنت لا أظن أن هذا ما يقصده السيد بركة أو يريده، لكن مشاركته ستحقق هذا كلّه.



