أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الحياة الزوجية… ليست مجرد حقوق وواجبات

ليلى غليون

لقد أولى الإسلام مؤسسة الأسرة والزوجية فائق الاهتمام وبالغ العناية حتى قبل بنائها والعزم على إنشائها تأسيسا على قوله صلى الله عليه وسلم: “فاظفر بذات الدين” و”إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.

والنصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية المطهّرة زاخرة بالإضاءات الوهّاجة التي بيّنت خريطة الطريق للزوجين نحو حياة مستقرة كريمة ونحو سعادة زوجية مترامية الأطراف.

ولكن وللأسف، كل هذه المعاني الراقية للزواج أصبحت وكأنها مثاليات يصعب تحقيقها في واقع أصبح الزواج فيه مجرد حقوق وواجبات متعارف عليها بين الأزواج أو بين الناس بصورة عامة.

وقد كتب وتحدث العديد عن حقوق وواجبات الزوج والزوجة وما له وما لها وما عليه وما عليها، مبينين الخطوط العريضة للزواج الناجح، حتى تسير سفينة الزوجية على مياه هادئة، لا يشوبها خرق ولا كدر، وكأن الحياة الزوجية مقتصرة فقط على هذا المفهوم الضيق (حقوق وواجبات). وإن كانت معرفة الحقوق والواجبات لكلا الزوجين أمرا ضروريا بل أرضية صلبة ينطلقان منها لبناء عشّ الزوجية الذي كتب الله لهما العيش فيه حتى لا تضيع الحقوق ويظلم أحدهما الآخر في مسيرة الحياة التي تجمع بينهما، إلا أن التركيز على تعليم الزوجين ثقافة الحقوق والواجبات الزوجية فقط، وأن البناء الزوجي المتين قائم فقط على الحقوق والواجبات بحيث يصبح البيت مكانا يؤدي كل فرد فيه واجبه فقط مطالبا بما له من حقوق، فليس بالأمر الصحي لتمضي بهما الحياة جافة مجرّدة من معاني السعادة والأنس والرحمة، أين المودة وأين الرحمة وأين الإحسان وأين الفضل؟ وإذا بُنيت الحياة الزوجية على حسابات الحقوق والواجبات، فهل سيبقى من هذه القيم الراقية من شيء؟

إن الزوجية ليست مؤسسة نفعية ولا شراكة مبنية على الحقوق والواجبات، والزوجان ليسا شريكين كما يحلو للبعض تسميتهما فهذه التسمية خاطئة برأيي بكل المقاييس، لأن الشركاء ممكن أن ينحل بينهما عقد الشراكة في أي وقت تنتهي بينها المصلحة المشتركة، والشراكة مدعاة للمشاحنة والتي هي من أسباب التنازع والتنافس، بخلاف العلاقة الزوجية والأسرية والتي هي علاقة دائمة وضرورية وهي المحضن الذي لا يستغني عنها أي كان.

نعم، إنهما زوجان وليسا شريكين، خلقا من نفس واحدة، تجمعهما قواسم عديدة مشتركة قيمية ودينية وأخلاقية وإنسانية وغيرها، وإنّ عش الزوجية بمثابة حضانة وحصانة، حضن يضم تحت ألوية رحمته أفرادها وحصن يحميهم من عاديات الزمان، والأسرة قبل أن تكون حصنا وحضنا فهي في الأصل آية من آيات الله الكونية التي توجب التأمل والتفكر. يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). فقال تعالى لتسكنوا إليها ولم يقل جلّ في علاه لتسكنوا معها، وشتان بين “السكن مع” و”السكن إلى”. وللأسف، فالكثير من الأزواج والزوجات حققوا السكن مع بعضهم البعض ولم يحققوا السكن إليهم، لأن المعايير المادية هي التي أصبحت تحكم بينهم وليست المعايير الدينية والخلقية، لهذا انهارت وتنهار العديد من الأسر والزيجات لأنها ببساطة تفتقر للمعاني الحقيقية للزواج. وتشير الآية الكريمة (خلق لكم من أنفسكم أزواجا) إلى أن هذا الرجل الذي يتزوج من امرأة غريبة عنه وكأنه يتزوج جزء منه لأنها من نفسه، وجعل بينهما المودة والرحمة والتي تقوم على الفضل والاحسان، وإذا سكنت المودة والرحمة قلب الزوجين فلا يمكن لأحدهما أن يبخس حقوق الآخر، بل أكثر من ذلك فإن كل طرف سيكون على أتمّ الاستعداد وعن طيب خاطر وتراض للتنازل لحساب الآخر ويؤدي حقوقه وهو في قمة السعادة محققا قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، لأن الزواج الناجح والسعيد يقوم على المكارمة والتسامح والتراضي وليس مجرد حقوق وواجبات تؤدى خالية من المشاعر والدفء.

يقول تعالى: (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ) وهذه الآية الكريمة أيضا تبين ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الزوجين بوصف دقيق عميق وهو اللباس والذي يوحي بأكثر من معنى.

يقول الدكتور فريد شكري في كتابه القيّم “الأسرة بين العدل والفضل”، مبينا المعاني الرائعة لهذا الوصف “اللباس”: (إن اللباس المادي يحيل على خمسة أبعاد على الأقل: بُعد الدفء، وبُعد التجمل، وبُعد الستر، وبُعد الالتصاق، وبُعد الاختيار. فالعلاقة الزوجية يجب أن يتحقق فيها الدفء العاطفي لأنها علاقة مبنية على الالتصاق والحميمية والعلاقة الزوجية قائمة على ستر العورات المادية والمعنوية، ثم اللباس عادة ما نختاره فمبدأ الزواج ينبغي أن ينبني على الاختيار وليس على الإجبار).

إن العلاقة الأسرية المبنية على العطاء والتضحية والتفضل هي منهج لحياة مستقرة ونبراس مضيء للزواج السعيد، وعلى الزوجين أن يعلما فضل ذلك والأجر الكريم المترتب عليه.

فهل يحقق الأزواج والزوجات هذه القيم في حياتهم الأسرية؟ هل يتمسكون بقيمة الفضل السامية أم هي ثقافة الحقوق والواجبات هي السائدة بينهم؟ إن الله عز وجل أمرنا بالعدل في كل شيء، في معاملاتنا وعلاقاتنا الإنسانية بصورة عامة والأسرية بصورة خاصة، ولكنه جلّ في علاه حبّب إلينا الارتقاء والسمو بمعاملاتنا وعلاقاتنا على اختلافها نحو فضاء الفضل ودرجات الإحسان وما أجمل أن يتحقق ذلك بين الزوجين على وجه الخصوص.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى