أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (101): سمفونية الخطوط الحمراء

حامد اغبارية

في حديث مع راديو “الناس” غداة انتخابه رئيسا للحركة الإسلامية الجنوبية، بذل الشيخ صفوت فريج كل إمكانياته لإقناع المستمع أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي حكومة “برنجي”، وأنها لم تتجاوز الخطوط الحمراء!! والدليل؟ هذه الحكومة جرّفت أراضي النقب لثلاثة أيام فقط، ثم أُوقف الأمر (بضغط من القائمة الموحدة)، بينما حكومة نتنياهو جرّفت أراضي النقب على مدار ثلاثة أشهر ولم تكن هناك مظاهرات ولا احتجاجات!! ويكأنه يلوم الأهل على أنهم لم يتظاهروا ولم يحتجوا عندما جرّفت الأرض زمن نتنياهو ثلاثة أشهر، بينما خرجوا غاضبين لمجرد تجريف الأرض ثلاثة أيام فقط!! بأي قاموس يمكن تفسير هذا التبرير؟؟ ويكأنه لا يعلم أن الغضبة الأخيرة هي غضبة تراكمات كان تجريف الأراضي وتشجيرها أحدها فقط.

وهل فعلا أن القائمة الموحدة هي التي أوقفت حرث أراضي النقب وتحريشها، أم أن الهبة الشعبية هي التي حققت ذلك؟ وهل فعلا توقفت حكومة بينيت عن استهداف أراضي النقب وأهل النقب، أم أنه -كما صرّح وزراء في تلك الحكومة- من أن الهدف تحقق وأن الانسحاب جاء بعد تحقيقه؟ أين الحقيقة؟ أليست كل التقييمات الإسرائيلية تؤكد أن “وقف المشروع” مؤقتا جاء عقب قراءات أمنية تتحدث عن الخشية من انفجار الوضع ووقوع انتفاضة في النقب ربما تكلف الحكومة أكثر بكثير من مشروع السيطرة على أراضي النقب وحشر أصحابها في عنق الزجاجة، علما أنها (أي الحكومة) أمامها متسع لتحقيق المشروع في وقت لاحق، وأن لا علاقة لهذا بضغوط من هذه الجهة أو تلك؟ وهل توقّف المشروع فعليا؟ هل توقفت حكومة بينيت عن السعي إلى تحقيق أهدافها تلك في أراضي النقب؟

مؤسف ومستفز أن تسمع مثل هذه التصريحات التي يُفهم منها أن القائمة الموحدة ستبقى في هذه الحكومة الصهيونية شريكة في الائتلاف، حتى لو جرّفت أراضي النقب، وحتى لو اعتقلت النساء وسحلت الفتيات وقمعت الشبان وهشمت عظامهم. فهذه كلها أمور لا تعتبر تجاوزا للخطوط الحمراء، ذلك أن الخطوط الحمراء تتغير وتتبدل حسب ضرورات البقاء في هذه الحكومة أيا كانت التجاوزات.

والسؤال: متى ستصل القائمة الموحدة والتنظيم الذي يقف خلفها إلى قناعة بأن الخطوط الحمراء كلها قد جرى تجاوزها، وأنها (أي الموحدة) تتجاوز كل الخطوط الحمراء بموقفها هذا الذي ميّع الخطوط الحمراء إلى درجة التلاشي؟؟

لماذا هذا الدفاع المستميت عن المشاركة في ائتلاف حكومي صهيوني؟ لماذا التستر دائما وراء تلك المقولة العبثية: إذا خرجنا من الحكومة سيأتي من هو أسوأ منها؟ وهل هناك أسوأ من المشروع الصهيوني بكل حكوماته؟ أليس استهداف أراضي النقب ونهبها من أصحابها على رأس أهداف المشروع الصهيوني الذي تشارك الموحدة في ائتلاف حكومته؟ ما الذي تخشاه الموحدة إذا ما قررت ترك هذا الائتلاف؟ هل تشعر فعلا أنها تورطت ولم يعد لديها رجعة، ولذلك تحاول بذل كل جهد لإقناع الجمهور بضرورة بقائها في الائتلاف تحت تبرير أن هذه الحكومة لم تتجاوز الخطوط الحمراء بعدُ؟ أمن أجل ذلك صرّح الشيخ صفوت (في تموز 2021) أنهم لن يتركوا الائتلاف قبل استنفاد كافة سبل التأثير؟ وكان ذلك على خلفية تصريح بينيت حول حرية العبادة لليهود في المسجد الأقصى المحتل! هل بعد قضية الأقصى قضية يمكن أن توقظ الموحدة والتنظيم الذي يقف خلفها من غفلتهما؟

أليس تصعيد الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك في العهد الميمون لهذه الحكومة العجيبة تجاوزا للخطوط الحمراء؟

متى يكون الخط الأحمر إذًا؟؟؟

لقد قال الشيخ صفوت أيضا إن وجودهم في الائتلاف جاء من أجل التخفيف من الضرر الواقع. وكان الحديث يومها يتعلق باقتحام المستوطنين للأقصى. وهذا بحدّ ذاته تبرير مخالف لكل منطق. ألم يقل يومها إنه إذا استمرت هذه الاقتحامات بتلك الوتيرة فهي تجاوز للخط الأحمر وستكون لهم كلمة قوية للحكومة الإسرائيلية؟ ها هي الاقتحامات تتصاعد والاعتداءات على الأقصى مستمرة بأقبح مما سبق، فلماذا لم تخرج تلك الكلمة القوية حتى الآن؟ ومتى ستخرج يا ترى؟ هل عندما يبدأ اليهود بأداء صلاة منتظمة وعلنية وبحماية الحكومة الحالية في ساحات الأقصى؟ أم يا ترى علينا أن ننظر قليلا حتى يحقق حثالات المستوطنين- الذين يشكلون رأس حربة المشروع الصهيوني في الأقصى- هدفهم في إقامة الهيكل المزعوم على أنقاض أولى القبلتين؟ أم تُرانا سننتظر أكثر قليلا حتى خروج المهدي عليه السلام؟ متى سنعرف أن حكومة بينيت هذه قد تجاوزت الخطوط الحمراء؟

يبدو لي أننا لن نعرف… إذ كلما تجاوزت حكومتهم خطا أحمر أتوْا بغيره ليبرروا بقاءهم في عش الأفاعي!

ألم يقل الشيخ صفوت إنهم دخلوا الائتلاف من أجل كفّ الاعتداء على المسجد الأقصى؟ وهذا معناه أحد أمرين: إما أن الموحدة نجحت في كف الاعتداء على الأقصى، وإما أنها لم تنجح وفي التالي عليها أن تخرج من هذا الائتلاف. وجميعنا نرى أن الاعتداءات على المسجد الأقصى مستمرة وتتصاعد، فهل تخرج الموحدة من الائتلاف؟ لا، لن تخرج. ستبقى لأنها إذا خرجت فلن تبقى.

أليس الشيخ صفوت هو نفسه الذي قال في مقابلة في شهر تشرين الأول 2020 إنه إذا لم تحقق الموحدة أهدافها فلن تبقى في الكنيست؟ فهل حققت أهدافها أو بعض أهدافها؟ وما هو الذي حققته حتى تبقى، ليس في الكنيست وحسب، وإنما في الائتلاف الحكومي؟

في حينه قال الشيخ صفوت مبررا الانسحاب من القائمة المشتركة على خلفية قانون الشواذ قائلا: “نحن نعيش بين أبناء شعبنا ونسمعهم يتذمرون حول قانون المثليين”!! ألا يسمعون اليوم ما هو أكثر من تذمر أبناء شعبهم من مواقف وتصريحات صادرة عن منصور عباس وعن قيادات أخرى لم يكن يخطر في بال أحد أن تصدر عن ممثلي تيار إسلامي تحديدا؟؟

أليس هو القائل: في الثوابت والمعتقدات لا يمكن لنا أن نتراجع؟

ألا يعتبرون ما يجري الآن على كافة الأصعدة مسًّا بالثوابت والمعتقدات؟ ألم يقل: لم نذهب إلى الكنيست إلا من أجل الحفاظ على ثوابتنا الدينية والوطنية، وإذا شعرنا أننا لا نستطيع أن نحقق رسالتنا لن نبقى في الكنيست؟ فهل حققوا رسالتهم في الكنيست وفي الحكومة؟

منذ متى أصبح الكنيست عنوانا للحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية؟ هل أصبح الكنيست مرجعية لهذه الثوابت وبارومتر تقاس عليها؟؟ ما لكم كيف تحكمون؟ أليس الكنيست هو المؤسسة الصهيونية الأولى في ضرب كل الثوابت الدينية والوطنية؟؟

ألم يعترف الشيح صفوت بأن الكنيست ينادي بالديمقراطية من جهة ويمارس الاحتلال والعنصرية والقمع من جهة؟ فإذا كان الأمر كذلك فماذا يفعلون هناك؟ هل هم موجودون من أجل وقف العنصرية والاحتلال والقمع؟ وهل أوقفوا هذا حتى يجد الجمهور لهم مبررا لبقائهم؟ أم لديهم وهمٌ بأن في استطاعتهم أن يوقفوه ذات يوم؟ ومتى سيأتي هذا اليوم يا ترى؟

هي نصيحة لن نتوقف عن إسدائها: اتركوا عش الأفاعي قبل أن تنهش ما تبقى في أيديكم وربما تبتلع كل شيء… كل شيء…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى