أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

البورصة الرابحة

الشيخ كمال خطيب

لقد باتت أسواق المال في العواصم الاقتصادية المشهورة مثل طوكيو ونيويورك وهونغ كونغ ولندن وغيرها تتصدر نشرات الأخبار وصفحات الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، وذلك بسبب تأثير وانعكاس النمو والرخاء الاقتصادي على الواقع السياسي في تلك البلاد لا بل على العالم بأسره.

لقد أصبح مألوفًا أن نسمع عن ارتفاع أسعار الأسهم المتداولة في البورصة أو انخفاضها، وعن تحقيق أرباح كبيرة للمستثمرين في البورصة أو عن خسائر فادحة، ومع أن حالات ليست قليلة كانت تنتهي بانتحار بعض المستثمرين بسبب خسارتهم الفادحة، إلا أننا نعترف أننا لا نفهم كثيرًا من تلك المصطلحات الاقتصادية التي لا يفهمها بالكامل إلا أصحاب التخصص في هذا الباب. ليس هذا فحسب، بل لعلّ البورصة وأسواق المال هذه وما يواكبها من انعكاسات اقتصادية وتنموية كانت وتكون أسبابا مباشرة لتغيير أنظمة حكم وتغييب وجوه وقيادات كما حدث ويحدث في دول عديدة في العالم بعد وقوع هزّات اقتصادية وانهيار للأسواق المالية فيها.

ولئن كان الدولار الأمريكي يعتبر رمز القوة المالية والثبات والاستقرار الاقتصادي في العالم كله، وإن ارتفاع أو هبوط أسهم البورصة يكون وفق معيار الدولار، إذ أنه هو مقياس قوة أو ضعف أي عملة أو أي سوق مالية في العالم.

ولئن كنا نشهد حالة تخبط اقتصادي في العالم بالذات بعد فشل الاشتراكية كنظرية اقتصادية، ولم تعد إلا الرأسمالية وبعض مصطلحاتها مثل السوق الحرة والخصخصة، هي التي تريد أن تسيطر على أنظمة الاقتصاد العالمية، فإن هذا يعني انعدام الخيارات والبدائل، بل وأكثر من ذلك تفرد النظام الرأسمالي كوحيد قرن اقتصادي تابع لأمريكا وحيد القرن العسكري والسياسي المتفرد بالهيمنة على العالم.

إن الذي أريد قوله وتأكيده أن البورصة وارتفاع الأسهم وهبوطها، يجب أن لا تصبح في الجانب المالي في حياتنا فقط، وبالتالي فإنها قد تحجب عنا الرؤية الحقيقية لميزان الارتفاع والانخفاض، الربح والخسارة، القوة والضعف في الجوانب المهمة الأخرى في حياتنا.

إن كل عاقل يدرك أن الأمم نفسها تمر في حالة إقبال وإدبار، ارتفاع وانخفاض، قوة وضعف، عزّ وذلّ، وإن هذا التذبذب في حالة الأمم له أسبابه الاقتصادية والمالية والعسكرية، ولكن له قبل ذلك أسباب أكثر أهمية هي العقائدية والروحية والفكرية والأخلاقية وما سوى ذلك.

إن كل المراقبين اليوم يدركون أن أسواق المال، وأن البورصة، وأن العملة في نيويورك ولندن باتت هي النموذج الناجح اقتصاديًا، ولكنهم في الوقت نفسه فإنهم يدركون أن الأسهم الاقتصادية في أسواق مالهم وبورصاتهم وهي ترتفع فإنه يقابلها أسهم في حالة تقهقر وانخفاض مستمرة ويومية ألا وهي الأسهم الأخلاقية والسلوكية والاجتماعية والتربوية، وعليه فإن كل المراقبين يدركون أن الأسهم الوحيدة دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا وأخلاقيًا والتي يرتفع سعرها وتلقى إقبالًا ورواجًا كبيرين، هي أسهم البورصة وسوق الفكرة الإسلامية القرآنية المحمدية، ويظهر هذا جليًا في أعداد من يقبلون على الإسلام من الأوربيين والأمريكيين ومن غيرهم من الشعوب أن هؤلاء وقد شعروا بحالة الجفاف والقحط الإيماني ذهبت بهم إلى حالة التحلل الأخلاقي واستعباد الشهوات والغرائز لهم حتى ظهرت فيهم وبينهم سلوكيات لا تفعلها الحيوانات. لقد أدرك هؤلاء بأن الجري خلف الشهوات مثل الذي يشرب من ماء البحر كلما شرب أكثر كلما ازداد عطشًا، إنهم لم يجدوا ضالتهم وفي إشباع أرواحهم فيما تبقى من تعاليم المسيحية فكانت منهم تلك الالتفاته والبحث عن ضالتهم فوجدوها في الإسلام، فكان منهم هذا الإقبال المتزايد يومًا بعد يوم.

إن العداء الذي نلمسه بشكل سافر من أمريكا خصوصًا والغرب عمومًا وطبعًا من إسرائيل عصا وكرباج أمريكا في المنطقة، إنما مرده إلى قناعة هؤلاء أن الإسلام دين حيّ ويقوى كل يوم، ولو أنهم يتعاملون مع جسم وكيان ودين ميت أو ضعيف، لما كان الإسلام يحتاج ويستحوذ منهم كل هذا العداء والبذل والرصد والتحريض. وإن جودة الإسلام وربانيته ومتانته وثباته واستقراره وصلابة قاعدته، هو الذي جعل أسهمه في ارتفاع وجعل أبناء الإسلام يقبلون على البورصة الإسلامية، لا أقول ليستثمروا ويضمنوا أموالهم، بل ليضمنوا مستقبلهم ومجتمعاتهم وعزّتهم وحريّتهم في ظل انتمائهم للإسلام العظيم.

إن ترنح كل الأفكار والأديان والأيديولوجيات الوطنية والقومية، الشرقية والغربية، اليمين واليسار، على حد سواء في المجتمعات العربية والإسلامية، جعلت الإنسان العربي والمسلم يخاف بل إنه يئس من المراهنة على مستقبله في بورصة هذه الشعارات الفارغة، وبالتالي فإنه سارع وبكل ثقة للاستثمار في بورصة الإسلام، معلنًا وبكل وضوح ثقته بفكرة ومنهج الإسلام أنها تربح ولا تخسر، تُقبل ولا تُدبر، ترتفع ولا تنخفض بإذن الله تعالى. إن الكل يدرك أن الرسم البياني للأفكار والأديان والعقائد سوى الإسلام هو اليوم في هبوط وانخفاض حاد وسريع ويكاد يصل إلى قاع اللائحة في الوقت الذي يدرك هذا أعداء الإسلام قبل أبنائه.

أما الرسم البياني الإسلامي فإنه في حالة صعود وارتفاع مستمر وسريع والحمد لله، وهذا مرده إلى التفاعلات الاجتماعية والفكرية والسياسية والمعنوية التي أحدثتها الحركات الإسلامية الفاعلة والتي أعادت للناس ثقتهم بالإسلام كمنهج حياة بعد حالة التغييب التي سعى البعض لإيجادها بين المسلمين على الرغم من السيطرة الرسمية لعكاكيز ومخلفات مرحلة التغييب تلك سواء على شاكلة أنظمة حكم أو وسائل إعلام وغيرها.

لقد رأينا وشاهدنا حينما تنفّست الشعوب بعض نسائم الحرية خلال ثورات الربيع العربي، وحينما مُهّدت الطريق بينها وبين صناديق الاقتراع فإنها قد اختارت وبشكل واضح من تثق أنهم يمثّلون نبض قلوبها والحرص على مصالحها والتماثل مع قناعاتها، ولأجل ذلك بالذات كانت الثورات المضادة لإفشال أي تجربة يمكن أن تكون نموذجًا صادقًا عمليًا لوجود هؤلاء الإسلاميين في الحكم، ومع ذلك وحتى الثورات المضادة والانقلابات الدموية إلا أن هذا لم ولن يغيّر من قناعة الشعوب أن الانقلابيين هم قتلة ودمويون ولصوص، وأنهم أدوات بيد الأجنبي ولن يطول الزمان حتى تعود الأمور إلى نصابها.

وعليه فإنني أقول لكل المسلمين عمومًا ولأبناء هذه الدعوة المباركة الذين اتخذوا لهم الإسلام منهجًا في حياتهم خصوصًا، إنني أقول لهم بوجوب أن يظلّوا مطمئنين واثقين بأن بورصتهم وسوق فكرتهم لن تخسر، لأنها قوية وصلبة وثابتة، وقبل ذلك لأنها ربانية التخطيط والحفظ والرعاية، فلا تجزعوا وأنتم تسمعون وترون التهديد والتخويف من المضاربين في أسواق الأفكار والمعتقدات، إنهم يكيدون ويمكرون لكم ولدينكم، لأن مكر أولئك سوف يبور.

إن عليكم أيها الإسلاميون بالذات في هذه المرحلة التي لا تشهد فقط حالة اضطراب أسواق المال والبورصات بل التي تشهد اضطرابات عالمية عامة، كلها تنبئ وتشير إلى أوضاع قادمة هي أصعب وأقسى، فإن عليكم أن تكونوا مطمئنين واثقين بأن بعد هذه المرحلة لن يكون إلا الخير لكم ولدينكم ولأمتكم، وعند ذلك سيتبين لكم سقوط نمور الـورق وأسود الكرتون التي بنت أمجادها وأحلامها على رمال المحيطات والشواطئ.

وعليه فاستثمروا أيها الأخوة أوقاتكم وأموالكم وأولادكم وعطاءكم وأرواحكم، استثمروا هذا كله في بورصة الإسلام والعمل الإسلامي لأنها هي وحدها الأسهم الرابحة بإذن الله تعالى، استثمروها ولا تشككوا في عظيم منفعتها وكبير ربحها، لأن الذي يضمن لكم النفع والربح هو الله تبارك وتعالى  {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} البقرة 245، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الأنفال 24. اطمئنوا أيها الإخوة، فأنتم على موعد بإذن الله سبحانه مع حالة الاستقرار بعد الاضطراب، والقوة بعد الضعف والعزة بعد الذل، والوحدة بعد الفرقة والشتات، والارتفاع بعد الهبوط، والنصر بعد الهزائم، والفرج بعد الكرب واليسر بعد العسر بإذن الله رب العالمين. {…وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} 4 الروم.

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى