أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

زوجي الحبيب .. أنا لست جارية (1)

الشيخ كمال الخطيب

كثيرًا ما نقرأ ونسمع من يجردون أقلامهم ويشحذون ألسنتهم وهم يسعون لتوضيح وبيان حق الزوج على زوجته، حتى لكأن من يسمعهم أو يقرأ لهم فإنه يكاد يجزم أن هؤلاء الأزواج مظلومون، أو كأن الزوجات متمردات وناکرات للجميل، بل لكأن الله سبحانه ما أنزل كتابه المجيد إلا وفيه ذكر حقوق الأزواج من الذكور فقط، وأن الويل والثبور والوعد والوعيد هو للزوجات اللاتي يعصين الله في الذكور في عدم طاعتهن لأزواجهن وعدم تخلّقهن بأخلاق الإسلام في تعاملهن مع الازواج!!

ولما كان الأمر كذلك فإنها محاولة متواضعة لإعادة التوازن في الخطاب، ليس طمعًا في كسب قطاع على حساب قطاع آخر أو التحيز له ولكن في سبيل ومن أجل أن نكون نحن الرجال أقرب إلى طاعة الله وبعيدًا عن الظلم، وفي سبيل أن يكون الزوج المسلم أقرب إلى أخلاق رسول الله لأن في ذلك مساهمة في تثبيت أركان البيت المسلم الذي به مع مجموع البيوت يتشكل المجتمع المسلم المترابط المتراص المتراحم، ومن مجموع تلك المجتمعات تتكون الأمة المسلمة المرحومة بإذن الله.

إننا نشهد كثيرًا من الحالات التي يقع الظلم فيها من الزوج على زوجته ويبرز هذا بإساءة المعاملة وقد يصل إلى حد الطلاق، لأن الزوج لا يفهم ولا يقدّر قيمة وقدسية الرباط الذي بينه وبين زوجته التي قبل أن تكون كذلك فإنها أخته في الدين. والمسلم كما قال النبي ﷺ: “المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه”، وعليه كانت هذه الملاحظات والنصائح.

 

زوجة وليس جارية

 

زوجي الحبيب: تذكر قول النبي ﷺ: “اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله”.

تذكر أنك دخلت بيت والدي من الباب وليس من الشباك، تذكر أنك توددت ورجوت وبعثت بوسطاء الخير لأكون لك زوجة، وتذكر أن الرباط الذي بيننا وأن الميثاق الذي جمعنا كان الله هو الوكيل علية وهو الشاهد، وأنك استحللت فرجي باسم الله سبحانه فلا تنقض عهدك مع الله. إننا قد تزوجنا لبناء بيت مسلم صالح قدوة وليس ليكون بيتنا وتكون أسرتنا حديث الجيران تتناقله الألسن. وتذكر يا زوجي أن العقد الذي بيننا هو بين زوج وزوجته وليس بين زوج وجارية، فإن لي من الحقوق ما أعطاني الله إياها وليس هو منك كرمًا، وأن عليّ واجبات ألزمني الله بها وليست هي عليك منّة فأدّ ما عليك من واجبات، ولك عليّ أن التزم بما علي من حقوق.

زوجي الحبيب: أنت جنتي وناري، وأنا حياتك ونفسك.

زوجي الحبيب: أنت سعادتي وشقائي، وأنا فرحك وحزنك.

زوجي الحبيب: أنت رفيق حياتي، وأنا أمك وأختك وزوجتك وابنتك، الطاعة تجمعنا والمعصية لا سمح الله تفرق بيننا.

زوجي الحبيب: طاعتي لك عبادة وإكرامك إياي واجب، أعدك أن أتقرب إلى الله بطاعتك وعاهدني أن لا تعصي الله بإهانتي.

[مع التحية زفرات من زوجتك المحبة]

 

ماذا عليك لو قلتها

إن مشاعر المودة والرحمة يجب أن تتأصل وتدوم في حياة الزوجين، وهذا يحتم أن يقوم كل منهما بواجبه في سبيل تعميق هذه المودة والحفاظ عليها باعتبار أن كليهما يحتاج إلى التوافق العاطفي. يقول الدكتور دانييل جولمان في كتابه -الذكاء العاطفي-: “إن على الرجال أن لا يتجنبوا الخلاف مع زوجاتهم بل إن عليهم أن يدركوا أن الزوجات عندما يطرحن بعض الشكوى أو الخلاف معهن فإنهن يفعلن ذلك من منطلق المحبة ويحاولن الحفاظ على حيوية العلاقة ونموها، وعلى الأزواج أن يدركوا أن غضب الزوجات وشعورهن بعدم الرضا لا يمثلان هجومًا شخصيًا عليهم، فغالبًا ما تكون انفعالات زوجاتهم تأكيدًا لمشاعرهن القوية بالنسبة للموضوع محل النقاش، وتشعر الزوجة في معظم الأحيان بالهدوء النفسي عندما يستمع زوجها إلى وجهة نظرها يتفهم مشاعرها من خلال ودّ وانسجام مشترك”.

وإن ما يعمق مشاعر المودة منك أيها الزوج تجاه زوجتك إشاعة بعض العبارات والمصطلحات التي من شأنها زيادة الترابط الأسري وتعميق الودّ والاستقرار الذي يشعر به كافة أفراد الاسرة.

لعلّنا نشأنا في بيوت لم تتعود سماع مثل هذه العبارات فلا نقولها إلا في خلواتنا، وطبعًا ليس أمام الأبناء، يقول الدكتور عبد الحميد البلالي: “ولكن ما بال ذلك الغربي عندما ينادي زوجته فإنه يقول لها sweet أو Honey أي يا سكر، يا عسل، والمتتبع لسنة النبي ﷺ يجد أنها تنادي بهذا التوجيه حيث تروي لنا السنة أن عائشة رضي الله عنها شربت لبنًا في قدح فقال لها النبي ﷺ؟ من أين شربت؟! فلما دلّته شرب من نفس الموضع، وكان يناديها بقوله يا عائش وغيرها من عبارات التودد”.

إننا نعيش في ظل مفاهیم راحت تعتبر أن قول مثل هذه العبارات عيب وقلة أدب، أو أنها خارجة عن الشرع والدين، ولقد حدثتني زوجتي عن إحداهن “وطبعًا والله يشهد أنها لم تسمها لي ولم أعرفها لأن هذا يصبح حرامًا” أن هذه المسكينة قد قالت لزوجها بحضور بعض أولادها تريد أن تتودد له “يا حبيبي” فقال لها وقد عبس وجهه وامتقع لونه “قليلة حيا.. شو إحنا منمثل فلم؟!” فهل نتوقع إلا أن يكون قلب تلك المسكينة قد انكسر ولن تعود لهذه الجريمة بعد اليوم أبدا!!

أيها الزوج اسمعها منها وليس هذا فحسب، فماذا عليك أنت لو قلتها!!!

 

أنا لست شيطانة وأنت لست ملاكًا

زوجي الحبيب ما بالك قبل الزواج كنت تنظر إليّ بعين وتغمض الأخرى، فكنت تتجاهل بعض السلبيات فيّ وبعض المنقصة، فكنت تراني في صفحة القمر فما بالك بعد الزواج أصبحت تنظر اليّ بكلتا عينيك، وتضعني تحت مجهرك في كل صغيرة وكبيرة، لا بل إنك تترصد زلّاتي وتتبع عثراتي وتحصي عليّ أنفاسي خاصة في فترة ما بعد الزواج حيث تزول الحجب، وترفع الستر، وتتبدد كلمات التصنع ومواقف التزلف.

ليقف كلّ منا أمام الآخر بحقيقته وليس بشخصية الحبيب المتقمصة والمقنعة، ألم تسمع لذلك الحكيم الفرنسي الذي قال: “قبل الزواج أنظر بكلتي عينيك وبعد الزواج افتح عينًا وأغمض الثانية”. ما بالك يا زوجي العزيز تتعامل معي كأنني كومة من الهمّ والسوء والشر والأخطاء، بينما ترتقي بنفسك إلى صفات الكمال والعصمة فأنت فوق النقص وفوق العيب وفوق التقصير. زوجي العزيز اتق الله وتذكر أنني لست شيطانة وأنت لست ملاكًا فكلانا يخطئ وخير الخطائين التوابون، فإذا جئت تقول لي تعالي نتعاتب، فإنني أقول لك بل تعال نتغافر، زوجي الحبيب سامحك الله.

 

عضة الكوبرا

إن المرأة الطبيعية هي التي تغار على زوجها، والتي لا تغار فهي بليدة، أما من كانت غيرتها معتدلة فهي حكيمة ومن أفرطت في الغيرة فهي حمقاء.

وإن الرجل الطبيعي هو الذي يغار ومن ليست له غيرة على أهله وعرضه فهو الديوث الذي قال عنه النبي ﷺ أنه لا يدخل الجنة: “ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاقّ لوالديه والمرأة المترجلة والديوث”، ولكن هذا لا يعني أن نخرج عن الوسطية والاعتدال لأن كل شيء زاد عن حده انقلب الى ضده.

زوجي الحبيب إنني والله أغار عليك من النسيم، وأعلم أن غيرتي هذه تزداد وتعظم حينما أراك في البيت عابسًا واجمًا، فإذا التقيت مع نساء إخوتك أو مع زوجات أصحابك فتضحك وتمرح وتمزح، فيا زوجي الحبيب إربأ بنفسك عن مواقع الشبهات، واحذر أن أراك حيث أكره من هذا الأمر بل وحيث يكره الله أن يراك، فلا تقل قريبتي ولا قريبة أمي وأبي، أو زوجة أخي، وطبعًا لا تقل هذه زميلة العمل فالحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات، والله تعالی حدّد المحارم في كتابه، وليس لك أن تحدّد مع من تجلس ومن تقابل، ومع من تتحدّث في غیر ضرورة، والله يا زوجي إني لأكاد أغار عليك من نفسي فكيف لا أغار:

 

أغار عليك من عيني ومني                       ومنك ومن زمانك والمكان

ولو أني خبأتك في عيوني                        إلى يوم القيامة ما كفاني

 

ولكنني أحذرك وأنصحك يا زوجي الحبيب وأنصح نفسي من أن تفرِط أنت وأنا في الغيرة لتخرج عن الوسطية. إنني وأنا أكبر فيك غيرتك عليّ إلا أنها إذا زادت عن حدّها فقد تصل إلى درجة الشك وهنا قد يكون المقتل في العلاقة بيننا، وفى هذا قال ﷺ: “إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة”. وكذلك قال علي كرم الله وجهه: “لا تكثر الغيرة على أهلك فتُرمى امرأتك بالسوء لأجلك”. وقال ابو الأسود الدؤلي لابنته يوصيها: “إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق وعليك بالزينة فإن أزين الزينة الكحل وعليك بالطيب، فإن أطيب الطيب إسباغ الوضوء”.

وفي هذا قال الدكتور رمزي الحسامی: “إن لدغة الغيرة كعضة الكوبرا لا شفاء منها، ومن عانى منها فإنه يعلم أن العيش في حقل ألغام أهدأ من العيش مع امرأة تفتك بها الغيرة كالحمى”، وطبعًا مع زوج يفتك فيه الشك كالسرطان. زوجي العزيز لا تكن مثل ذلك الرجل الذي كان إذا رنّ جرس هاتف زوجته فحمله وردّ السلام فلم يسمع من الطرف الآخر من يردّ عليه فأقفل الهاتف، وتكرر هذا مرات عدة، حتى إذا خرج إلى العمل ويتصل من هناك بالبيت فيجد هاتف زوجته مشغولًا فيبدأ الشيطان ينفث فيه الوساوس، “مع من تتكلم زوجتي يا تری، لعلّه الذي اتصل قبل خروجي إلى العمل فسكت لأنني أنا الذي رددت على الهاتف” ، وتبدأ سيناريوهات الخيانة تنسج في رأسه عن زوجته فيرجع إلى البيت ليصدر فرمانات منع ردّ المرأة على الهاتف أبدًا، ولا حتى الحديث فيه بل ومصادرته، ولا الخروج عن البيت، وتتحول الأيام السعيدة إلى شقاء وقد تنتهي بالطلاق، وما عرف وما درى وما تبيّن لعلّ المتحدثة كانت صديقة زوجته فخجلت من الحديث معه و”هذا غير صحيح فيجب أن تعرّف نفسها” أو أنه كان فعلًا إنسانا معاكسًا وما أكثر هؤلاء وليس لزوجته الوفية في ذلك علم ولا خبر، وهنا كما يقول الدكتور عبد الحميد البلالي: “وربما يرجع السبب في الغيرة الزائدة عند بعض الأزواج إلى ماضيهم الذي كانت تنقصه العفة والعفاف في العلاقات الآثمة مع الجنس الآخر الأمر الذي يجعله يشك في الجميع وحتى في زوجته، فليتق الله بعض الأزواج من هذه العادة ولا يعاملوا الناس بمقاييس ماضيهم، ولا تنسوا أن من أهداف ابليس تفريق الأسر والوقيعة بين الزوج وزوجته وأن من النساء والحمد لله من هنّ أعف من العفاف وأطهر من الطهر ولكنها تقع ضحية عضّة الكوبرا هذه فتقتلها وتهدم بيتها، فالحذر الحذر وخير الأمور الوسط.

يتبع… 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى