أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

على ضوء الانتهاكات الواسعة التي تتعرض لها.. د. عبد الرازق متاني يدعو لإطلاق حملة محلية ودولية لإنقاذ ما تبقى من المقدسات المهجورة في الداخل الفلسطيني

طه اغبارية

دعا الدكتور عبد الرازق متاني، المختص بالآثار والمقدسات الإسلامية في القدس وأرض فلسطين، إلى إطلاق حملة ومناشد محلية ودولية لـ “حماية وحفظ ما تبقى من مساجدنا ومقدساتنا المهجر أهلها في الداخل الفلسطيني”.

وقال متاني في لقاء مع صحيفة “المدينة”، إن هذه الصرخة والمناشدة لإطلاق حملة لحماية المقدسات، تأتي بعد اطّلاعه على حجم الانتهاكات التي تتعرض لها المقدسات والمقامات والمساجد في الآونة الأخيرة: “لا يكاد يبقى مسجد أو مقام لم يتم نبشه وحفر أرضيته أو تكسير جدرانه، ولم تبق مقبرة في القرى المهجرة، إلا وتعرضت لاعتداء، فمنها ما حُفرت فيها القبور أو كُسّرت الشواهد، ومنها ما يتم تجريفها وإزالتها عن بكرة أبيها”.

الدكتور عبد الرازق متاني
الدكتور عبد الرازق متاني

وأشار إلى أنه بعد عودته إلى مكان سكنه الحالي في مدينة إسطنبول، قام برصد واستعراض حجم الانتهاكات السنوية للمقدسات في الداخل الفلسطيني بهدف مقارنة أحوال المساجد مع التوثيقات التي أعدّها سابقا من خلال مسحه للمواقع ضمن رسالة الدكتوراه.

وكشف: “وجدت حال هذه المساجد يزداد سوءا والكثير منها بات معرضا للانهيار التام بسبب الأضرار التي لحقت بالبناء وعدم السماح بترميمه، أو على إثر الاعتداء المباشر عليه وتكسير بعض جدرانه أو حفر أرضيته وزعزعة بنيانه، وقد ذُهلت من حجم العبث الحاصل”.

حول طبيعة الانتهاكات، لفت متاني إلى أنها انتهاكات منظّمة طالت معظم المساجد والمقامات في الداخل، ومن بينها ما تعرض عدة مرات للانتهاك والنبش منذ النكبة وحتى اليوم.

وأوضح أن الاعتداءات الحديثة على المساجد والمقابر تشمل “نبش أرضية المسجد أو المقام، وغالبا ما يتم النبش أسفل المحراب أو بالقرب منه مكان المنبر، أيضا في زوايا المساجد والمقامات. أيضا من المساجد ما تعرضت جدرانه للتكسير والتخريب كما هو الحال في مسجد عمقا قضاء عكا”.

وفيما يتعلق بالمقابر فالحديث يدور عن جرف للمقابر كما حدث مع مقبرة اليوسفية في القدس، ونبش بعضها كما حدث مع قبر الصحابي الجليل تميم الداري في الخليل، أو تكسير الشواهد كما حدث في مقبرة بيسان.

يؤكد متاني من خلال معاينته للانتهاكات الحديثة، أنها ليست أعمال شخصية فردية رغم أن بعض الاعمال كتكسير شواهد القبور لا تخلو من ذلك. وأضاف: “الحديث هنا عن انتهاكات منظمة طالت معظم المساجد والمقامات التي صمدت بعد عام النكبة والمشاريع الإسرائيلية التدميرية، وغالبا ما يتم الحديث عن “نباشي الذهب” أو الباحثين عن الآثار داخل المقابر والمساجد والمقامات والذين لا يأبهون بقدسية المكان أو حرمته”.

وحول ضلوع جهات رسمية إسرائيلية في هذه الانتهاكات، قال د. عبد الرازق متاني، إن دور المؤسسة الإسرائيلية في انتهاك ومصادرة وتخريب المقدسات لم يتوقف للحظة وبدأ رسميا عام 1965 من خلال مشروع “تسوية الأرض”، لتقوم السلطات بتسوية القرى العربية بالأرض وتدمير غالبية آثارها ولم يتبق منها.

وتابع قائلا: “ذات المؤسسة لم تتوقف يوما عن الاعتداء على المقدسات ونبش المقابر الأمر الذي وثّقته من خلال كتابي “الرموز اليهودية والمقدسات الإسلامية بين التقديس والتدنيس” والذي استعرضت فيه عشرات النماذج من انتهاكات المقابر وتجريفها وعلى رأسها مقبرة مأمن الله العريقة في القدس. إسرائيل دمرت غالبية الموروث الثقافي الفلسطيني وهي تسعى لفرض روايتها الصهيونية على أرض الواقع خدمة لمشروع تهويد الأرض والمكان وذاكرة المكان. وعلينا ألا ننسى أن السلطات ترفض وتمنع ترميم المساجد والمقامات التي بقيت وصمدت منذ النكبة”.

يرى متاني أن هناك حاجة لمواكبة هذه الانتهاكات من قبل الجهات والمؤسسات الحقوقية في الداخل، مثمّنا بهذا الخصوص دور مؤسسة “ميزان” لحقوق الإنسان عبر مواكبتها للعديد من الملفات، قانونيا ومساعيهم للحفاظ على المقدسات بقدر الإمكان.

وقال إن رصد الانتهاكات يتم في الغالب من خلال رحالة وجوالة يوثقون الاعتداءات خلال تجوالهم، وزاد بالقول: “ولعلي هنا أشير إلى النقص والفراغ الذي حدث بعد حظر مؤسسة الأقصى للوقف والتراث إسرائيليا عام 2016 والتي عملت بها لسنوات مديرا لوحدة الآثار والمقدسات وقد كانت وبحق درعا حاميا للمقدسات، وكنّا نصل الليل بالنهار من أجل المحافظة على ما تبقى من هذه المقدسات ونسعى للتواصل معها”.

وأضاف: “اليوم أتحدث عن جهود فردية شخصية أقوم بها، في كثير من الأحيان من خلال تفقد المواقع عند عودتي للبلاد، كما فعلت في زيارتي الأخيرة قبل أيام، وقد وثّقت وتحققت من انتهاكات مباشره لمواقع”.

وتطرق إلى عدد من الانتهاكات التي وقعت حديثا، مثل: “حفر أرضية المسجد العمري في بيت جبرين، نبش وحفر أرضية مقام النبي هوشان بالقرب من شفاعمرو، نبش مقبرة بيسان، جرف مقبرة اليوسفية في القدس، وأيضا إتمام بناء “مبنى التسامح” على أرض مقبرة مأمن الله في القدس بعد أن نبشت المقبرة لسنوات عديدة”.

وانتقد متاني غياب دور الأحزاب العربية في الحفاظ على المقدسات باستثناء مبادرات متواضعة، وقال “لا يعقل أنّ زيارة المساجد والمقدسات والقرى المهجرة تكون موسمية تقتصر على مجموعات صغيرة أو جهات بعينها، لا يعقل أن الاهتمام بالتراث والإرث الفلسطيني أصبح فقط من خلال إحياء للذكرى والمناسبات، لا بد من إعادة ضبط البوصلة فالمقدسات هي هوية الأرض وتحتاج منّا إلى وقفة جادة”.

حول سبل الحفاظ على المقدسات، يؤكد متاني: “من أجل التصدي للانتهاكات لا بد من نشاط دائم ومدروس بعيدا عن التنظير الإعلامي. لا بد من حراك جاد مدروس وممنهج على كافة الأصعدة مستغلين جميع السبل المشروعة والمتاحة دون خوف أو تردد، متعالين على المصالح الحزبية أو الشخصية الضيقة، فالمقدسات فوق الجميع وهي فوق كل شيء، ونحن عندما نحافظ على المقدسات لا نحافظ على البناء فحسب، بل نحفظ أنفسنا وهويتنا من خلال تلك المقدسات والتي هي الصلة المادية بيننا وبين أرضنا المباركة. علينا إحياء قضية المقدسات وجعلها دائما محور الحدث وضرورة التواصل معها طيلة الوقت والعام. لا بد من تنظيم النشاطات والفعاليات الجماهيرية من زيارات للمقدسات وفعاليات متنوعة تصلنا بهذه المقدسات، لا بد من تسخير الجهود من اجل ترميم المساجد وتوثيقها وتوثيق انتهاكاتها. يمكن القيام بالندوات والمحاضرات والمهرجانات والمؤتمرات التي تسلط الضوء على ما يحدث”.

كذلك دعا إلى “حراك قانوني وجاد وتشكيل ضغط على المؤسسة الإسرائيلية وفضح ممارساتها دوليا من أجل إنقاذ ما يمكن انقاذه”.

وأضاف: “كذلك على الصعيد الإسلامي لا بد من حراك جاد للحفاظ على المقدسات والموروث الاسلامي. ولعلنا هنا نخص الدولة التركية كونها حاملة للإرث العثماني العظيم. ثم على الصعيد الدولي يمكن طرح هذا الملف، فأرض فلسطين فيها من المعالم ما هو إرث إنساني يجب حفظه للعالم أجمع”.

وختم د. عبد الرازق متاني حديثه لـ “المدينة”، بالقول: “أناشد أهلنا في الداخل وشعبنا الفلسطيني على المستوى الفردي والقيادات الجماهيرية بضرورة الحراك الجاد لإنقاذ ما تبقى من المقدسات الإسلامية والمسيحية في الداخل الفلسطيني. كذلك أخاطب الأمة الإسلامية من أجل أخذ دورها والدفاع عن مقدساتها ومساجدها. ولكن قبل كل ذلك فإن الركيزة الأساس هي على أبناء الداخل الفلسطيني الذين من واجبهم التحرك من أجل الحفاظ على ما تبقى من مقدساتهم وعلى ضرورة الحراك الشعبي والجماهيري وتشكيل الضغط المحلي والدولي على المؤسسة الإسرائيلية من أجل ردعها عن المساس بمقدساتنا الإسلامية والمسيحية في الأرض المقدسة”.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى