قرية الصيادين في جسر الزرقاء.. تخوض معركة ضد التهميش والتمييز وتحتاج للمساندة والتضامن

ساهر غزاوي
تتعرض قرية الصيادين على شاطئ بحر جسر الزرقاء لمحاولة الاستيلاء الكامل عليها من قِبل بعض أذرع السلطات الإسرائيلية أو ما يسمى بسلطة حماية البيئة (سلطة الطبيعة والحدائق)، في المقابل يواصل الأهل رفضهم لمحاولات قطع مصدر رزقهم الوحيد في صيد الأسماك وحقهم بالعمل دون تضييقات.
وتكثّف السلطات الإسرائيلية محاولاتها للسيطرة على شاطئ جسر الزرقاء من خلال فرض تقييدات على الصيادين، وتحويل الشاطئ لمحمية طبيعية بادعاء تطويرها، ما سيحرم أهالي القرية من الشاطئ الذي يعتبر مصدر رزق لهم وملاذا للتمتع والترفيه. وأيضا بذريعة ترميم بعض الأكواخ لمنع انهيارها، تصدر أوامر هدم إدارية بدلا من دعم أصحابها وترميمها.
في موازاة ذلك، انتقلت المعركة على هوية وملامح قرية الصيادين إلى أروقة المحاكم، وفي العام 2016، تمّ التوقيع على اتفاق لضمان بقاء قرية الصيادين مع ضرورة ترميمها وصيانتها وتطوير المباني والميناء، مع ضمان عدم هدم الأكواخ وترخيصها، بين رئيس المجلس المحلي بعد مفاوضات قام بها المجلس ولجنة الصيادين مع سلطة حماية الطبيعة والدوائر الحكومية ذات الصلة.
ومع تحريك مخططات “التطوير والترميم” لشاطئ البحر، انتقلت المعركة على هوية وملامح قرية الصيادين إلى أروقة المحاكم، وتتابع مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في الناصرة منذ أكثر من عامين قضية تطوير قرية الصيادين في جسر الزرقاء وتمثل قضائيًا كل أصحاب الأكواخ المهددة بالهدم، مع الإشارة إلى أنه سبق “ميزان” جهات حقوقية أخرى في متابعة هذه القضية إلا أنها لم تكن تمثل إلا قضايا عينية لبعض الأشخاص وليس لكل أصحاب أكواخ قرية الصيادين.

33 مبنى مهدد بالهدم
في الحديث عن آخر تطورات المسار القضائي، يُبين المحامي عمر خمايسي؛ مدير مؤسسة ميزان لـ “المدينة”، أن جميع أبنية وأكواخ قرية الصيادين في جسر الزرقاء، والتي يفوق عددها عن 33 مبنى، كانت جميعها مهددة بالهدم بحسب المخطط الذي كان قائما.
ويضيف: “بعد أن تدخلنا كمؤسسة ميزان لحقوق الإنسان حاولنا في بداية الأمر التواصل مع السلطات المختصة من أجل الوصول إلى حل يبقي على المباني كما هي وعمليًا دون أن يكون هناك خطر الهدم فوق رؤوس أصحاب مخازن الصيادين”.
ويؤكد خمايسي: “نعلم جيدًا أن أحوال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الصيادون، وهناك منطقة لا يوجد فيها كهرباء ولا يوجد فيها عمليًا أية شبكات أساسية لهذه المباني، وعليه بدأت المفاوضات لتحسين الظروف لتحصيل حقوق أكثر وعلى الإبقاء على المباني كما هي دون تغييرها، بل ضفنا عليها مؤخرًا الساحات أمام المبنى بحيث تكون لكل مخزن أو مطعم أو مكان للعمل”.

ويوضح: “نحن نتكلم الآن على أن تكون فترة طويلة يعني 25 سنة على أساس أن تجدد هذه الفترة مرة أخرى، وعليه كانت هناك عملية مسح هندسي وما بعدها أمور قانونية باتفاقيات ما زلنا نعمل عليها”.
ويختم المحامي عمر خمايسي حديثه لـ “المدينة” بالقول: “نحن تقريبًا بعد مشوار من أكثر من عامين ونحن نتابع ونعمل في الموضوع ونتوقع أننا صرنا في نهايات هذا المشوار، كما ونتوقع أن نصل إلى الصيغة النهائية التي ترضي جميع الأطراف ونستطيع أن نقدمها للجان التخطيط والبناء واعتمادها لتصبح مبانٍ مرخصة دون أن تتعرض لأي خطر هدم”.
تدمير بدل التطوير
الصيادة حمامة جربان من قرية جسر الزرقاء، صاحبة مخزن مهدد بالهدم، تقول “نحن نعاني من مضايقات ما يسمى “حماية سلطة الطبيعة” التي بدل أن تساعدنا في تطوير وترميم قرية الصيادين، تنشغل كل الوقت في استصدار قرارات هدم وتلاحقنا على كل خطوة نخطوها وعلى كل نفس نتنفسه، لكن رغم ذلك فنحن هنا كنا وما زلنا وسنبقى صامدين”.
في ظل هذه الهجمة المسعورة، كما تقول جربان لـ “المدينة”، “نحن نريد مساعدة ولا نستطيع أن نبقى لوحدنا في المواجهة ونريد مساعدة من الجمهور العربي وقياداته ونريد قرية الصيادين أن تتطور، ونحن حقيقة عندنا تخوف وعدم الثقة من التزام ما يسمى “حماية سلطة الطبيعة” بالشروط والقرارات التي تصدر من المحاكم”.

وتلفت الصيادة حمامة جربان إلى أن “مركز “مساواة” يتابع قضيتي لوحدي، لكن اليوم مؤسسة “ميزان” تمثل كل الصيادين في هذه القضية وهذا فيه نوع من القوة والسند، إلى جانب أن الأمور صارت أكثر وضوحا وانضباطا للوصول إلى تحقيق الاعتراف بمطالبنا وحصولنا على الخدمات المستحقة لنا”.
تضامن وليس مساندة حقيقة
الناشط سامي العلي، رئيس اللجنة الشعبية في قرية جسر الزرقاء، تعرض مخزن والده الصياد علي ذيب العلي جربان، لهدم في شهر آذار من العام 2020 وذلك بعد أشهر من هدم المخزن ذاته، رغم أنه قائم منذ عقود ومشمول في كل مخططات تطوير قرية الصيادين المصادق عليها والمتواجدة في مراحل المصادقة المتقدمة، كما يقول.
ويقول سامي العلي لـ “المدينة”: “أذكر منذ 20 سنة وأنا اتحدث عن قرية الصيادين وعن معاناتها، واليوم أنا ممثل ومتحدث باسم الصيادين وهم أهلي وأنا من الجيل الخامس في تملك المباني والأكواخ في قرية الصيادين، حقيقة لم يكن أي التفاف شعبي على المستوى القطري في مساندة قضيتنا، أما على المستوى المحلي فكان هناك تحركات ونشاطات واعتراضات حتى نكشف الظلم ونعمل على مواجهته، لكن صراحة الاهتمام بدأ بقضيتنا بعد عمليات الهدم وصرنا نرى تضامنا من الحركات والشخصيات السياسية والمؤسسات الحقوقية لكن ليس بالمستوى المطلوب وهو على جميع الأحوال تضامن وليس مساندة حقيقية”.
ويتابع: “مؤسسة “ميزان” منذ أكثر من عامين وهي تساندنا مساندة حقيقة وتتابع في أروقة المحاكم والقضاء هذا الملف بكل جدية كما أنه كان هنالك دور لبعض أعضاء الكنيست العرب في إثارة القضية ومتابعتها من خلال مسار الكنيست، لكن حقيقة شيء فعلي من جمهور وقيادات مجتمعنا العربي في الداخل من أجل تعزيز صمود الصيادين لا يصل إلى مستوى التحديات المطلوبة التي نواجهها لوحدنا، مع الإشارة التي لا بدّ منها إلى أن المجتمع العربي يواجه الكثير من القضايا والتحديات الجسام”.

ويرى الناشط سامي العلي أن السلطات الإسرائيلية تتابع وتراقب عن كثب ردة فعل الشارع العربي وتقيس نبض حرارته في التحرك لدعم صمود أهالي قرية الصيادين أمام التحديات الجسام التي يواجهونها لوحدهم، “وعندما رأت أن الاحتجاج الشعبي ضعيف ولا يصل للمستوى المطلوب تشجعوا أكثر في التضييق علينا بشراسة أكبر مما سبق”.
وعليه، يطالب سامي كافة شرائح المجتمع العربي بدعم قرية الصيادين في جسر الزرقاء لأنها “هي القرية العربية الوحيدة الصامدة على ساحل البحر وفيها الكثير من المناظر الخلابة الساحرة والجميلة والمواقع الأثرية، كما ويُعد هذا المكان من أفضل الأماكن للمزارات السياحية والاستجمام والتخييم والسباحة على شاطئ مرخص، بالإضافة إلى أن هناك مرافق يمكن تطويرها في حال حصلت على الدعم الاقتصادي المطلوب من الزوار مثل مطاعم وأماكن للفعاليات الرياضية من ركوب الأمواج وتعلم السباحة والصيد الخ..”.
ويتابع في هذا السياق، “نطمح أن تتطور هذه المرافق والأماكن إلى الأفضل، غير أن هذا التطور يكون له الأثر الكبير عندما يكون هناك دعم فعلي من مجتمعنا كله ويأتوا في زيارات ورحلات وجولات إرشادية إلى هذا الشاطئ العربي المناسب والمنضبط وفقا لعاداتنا وثقافتنا وتقاليدنا الاجتماعية التي لا يجدونها في شواطئ أخرى في البلاد، لكن للأسف نجد اليوم أن أكثر من يتوافد إلى هذا الشاطئ هم من الوسط اليهودي ويبدون اهتمامهم الكبير بالمناظر الريفية القروية والآثار الطبيعية”.
يشدد الناشط سامي العلي في ختام حديثه لـ “المدينة” على أن “واحدة من أهم الخطوات التي نريد من خلالها التفاعل مع قضيتنا والتوافد العربي على قرية الصيادين لدعم اقتصاد الأهالي واتخاذه مزارا سياحيا، هي تحسين الصورة الدونية عن قرية جسر الزرقاء التي شوهها الإعلام العبري والسياسة الإسرائيلية وعملت على تذويتها وترسيخها في الأذهان وهذا يسبب لنا الضرر النفسي والاجتماعي إلى جانب أننا نعاني من حصار سياسي وجغرافي مفروض على قريتنا من كل الجهات والنواحي ولا يوجد لنا إلا جهة البحر الغربية وهي المنفذ الوحيد الذي يمدنا بالأمل والتفاؤل بحياة كريمة”.




