أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (98): الإصرار على تزوير التاريخ وخداع الناس.. عايدة توما سليمان كنموذج

حامد اغبارية

لست أدري لماذا عندما أرى أعضاء الكنيست العرب يفتلون عضلاتهم في مقر الكنيست الصهيوني القائم على أرض فلسطينية مغتصبة، ينتابني شعور قوي أنهم معزولون تماما البتّة عن شعبهم ومجتمعهم إلى درجة تثير الحنق والشفقة، ومعزولون أكثر عن الواقع والحقيقة؛ الواقع المأساوي الذي ساهموا في صنعه بأيديهم، والحقيقة التي عملوا ويعملون على تزويرها، في عملية خداع كبيرة للجمهور، عمرها – في الحقيقة- مِن عمر نكبة شعبنا، بل قبلها بكثير.

شاهدت أول من أمس ذلك “الحوار” الجنائزي (الذي ذكّرني بتمثيليات دار الإذاعة الإسرائيلية من أورشليم القدس أيام زمان)، الذي دار بين عضوي الكنيست الصهيوني عايدة توما سليمان ومنصور عباس (رئيس القعدة!!) حول قانون الكهرباء. ولأنه لا يهمني ذلك القانون ولا يهمني إن كانت عايدة قالت حقًّا بخصوص ذلك القانون أو أن الحق كان إلى جانب منصور؛ لا يهمني ذلك إطلاقا، لأن الخُمّ مليءٌ بالنقنقة الدجاجيّة، لكن ليس فيه- ولن يكون- دجاج ولا صيصان ولا بيْض. لكن استوقفتني جملة قالتها عايدة سليمان لمنصور عباس أثناء “إطلاق النار” المتبادل بينهما، إذا قالت: “لولا سياستنا طوال سبعين سنة لما كنت تجلس هنا، ولكنت الآن من وراء الحدود”!!

 

ماذا كانت تقصد عايدة توما سليمان بهذه المقولة؟

من المؤكد أنها عندما قالتها لم تكن تمثل القائمة المشتركة. ولو أن الذي كان في موقع منصور عباس هو أحمد الطيبي أو أسامة سعدي أو سامي أبو شحادة لقالت لهم نفس الجملة. فقد كانت تتحدث باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي. فهي إحدى المقولات التي اعتاش عليها الحزب الشيوعي منذ نكبة شعبنا، من خلال واحدة من أكبر عمليات الخداع وتزوير التاريخ. فهل حقا أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي (الذي كانت أغلب قياداته من الصف الأول من اليهود) عمل فعلا على منع تهجير من تبقى من أبناء شعبنا في الداخل، كما زعمت توما سليمان، وكما يزعم حزبها طوال الوقت؟

لقد حاولت عايدة توما سليمان، كما حزبها طوال سبعين سنة، ترك انطباع لدى البسطاء وإيهامهم بأنهم تصدَّوْا لعملية التهجير بصدورهم، وأنهم أوقفوا الدبابات بأيديهم وربما برؤوس أصابعهم، وتلقفوا القذائف المنطلقة بأكفّهم قبل أن تدك البيوت فوق رؤوس أصحابها. وقد انطلت قصة “الشاطر حسن” وليالي شهرزاد في حضرة الملك شهريار على القطيع، الذي صدّق الرواية وطالب بالمزيد…

الحقائق التاريخية تقول غير ذلك تماما. فقد أوقفت العصابات الصهيونية عمليات التهجير القسري وهدم القرى بعد اتفاقيات الهدنة في رودوس التي عقدت بين شباط ونيسان 1949 بين مصر ولبنان والأردن (على التوالي) وبين الكيان الصهيوني الجديد الذي أقيم قهرا على أنقاض الشعب الفلسطيني. تلك الاتفاقية التي سعى المشروع الصهيوني من خلالها إلى انتزاع “اعتراف” عربي بحق الكيان في الوجود. وتلقائيا ونتيجة لهذه الاتفاقيات أوقفت العصابات الصهيونية عمليات التهجير. وهو ما أعربت قيادات صهيونية على رأسها بن غوريون ندمها عليه، وعضت أصابعها ندما لأنها لم تكمل عملية التهجير حتى آخر فلسطيني.

ألا يعلم الحزب الشيوعي هذه الحقيقة؟ أنه يعلمها ويعلم أكثر بكثير. فقد كان له الدور الرئيس والوحيد في تدجين من تبقى من أهل فلسطين الداخل في وطنهم، والعمل على أسرلتهم ودمجهم منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها بن غوريون عن إقامة الكيان. هذا هو الدور الحقيقي الذي لعبه الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وهذا هو النهج الذي سار عليه ولا يزال إلى هذه اللحظات. وفي التالي لا يمكنهم مواصلة خداع الجمهور بالترويج لهذه الكذبة الكبرى التي تمكنوا من زرعها في عقول البسطاء يوم لم يكن هناك إعلام سوى صحيفة “الاتحاد” ولم يكن فاعل سياسي في مجتمع الداخل الفلسطيني سوى الحزب الشيوعي.

ويكفيك أرشيف صحيفة “الاتحاد” وحده لتعرف حقيقة ذلك الدور، وإن كانت هناك أرشيفات أخرى تخفي حتى الآن الكثير من الأسرار والخفايا حول دور الحزب (وحول أدوار لعبتها شخصيات عربية أخرى)، لا بد أن يأتي وقت تخرج إلى العلن. وعندها ينجلي الغبار فيعلم الناس إن كان الذي تحت الحزب فرسا أم حمارا.

ولعلك من حقك أن تسأل: كيف حدث وسمح الكيان الصهيوني الجديد للحزب الشيوعي الإسرائيلي بمواصلة نشاطه دون أن يحظره أو يضيق عليه؟ وكيف حدث أن استمرت صحيفة “الاتحاد” في الصدور، في ظل حكم عسكري باطش، لم يكن يسمح لنملة في قرية فلسطينية بالحركة دون تصريح؟

ولك كذلك أن تسأل: ما هو الدور الذي أنيط بإعلام الحزب الشيوعي أن يلعبه حتى استمر دون عائق، في وقت كانت مطرقة الحكم العسكري تُنزل الضربات على كل محاولة من طرف فلسطينيي الداخل تنظيم أنفسهم خارج إطار الحزب الشيوعي أو إصدار منشور ينشر الوعي بين الناس؟ هل يمكن إخفاء احتفالات الحزب السنوية بيوم استقلال الدولة الإسرائيلية؟ إنها موثقة في “الاتحاد”.

هل يمكن إخفاء رسائل الشكر التي كان الحزب يوجهها للرفيق ستالين في موسكو لدعمه استقلال الدولة الإسرائيلية؟ إنها موثقة في صحيفة “الاتحاد”. هل يمكن إخفاء احتجاج الحزب الشيوعي على عدم شمل قانون التجنيد الإجباري للفتيات؟ إنه موثق في صحيفة “الاتحاد”.

هل يمكن إخفاء حقيقة مساهمة قيادات الحزب الشيوعي، وعلى رأسها شموئيل ميكونيس، في إنجاز صفقة الأسلحة التشيكية للعصابات الصهيونية؟ وهل يمكن إخفاء حقيقة وجود رواية تقول إن إميل حبيبي شارك في إخراج تلك الصفقة إلى حيز التنفيذ، رغم نفيه لذلك وادعائه أنه لم يكن يعلم بهدف ميكونيس من الزيارة!! علما أنه كان شريك ميكونيس في تلك الزيارة. إنها موثقة في كل مكان.

هل يمكن إخفاء حقيقة أن الحزب الشيوعي (الفلسطيني) قبل النكبة كان قد اعتبر ثورة حائط البراق أنها عملية اعتداء تنكيلي (بوغروم) جماعي ضد اليهود؟ هل يمكن إخفاء حقيقة أن القيادات التاريخية للحزب الشيوعي هي الوحيدة التي وقعت على وثيقة الاستقلال الصهيونية؛ وثيقة لدولة قامت على أنقاض الشعب الذي تزعم عايدة توما سليمان أنه لولا حزبها لكان الآن وراء الحدود!!

هل يمكن إخفاء حقيقة أن الحزب نشأ أساسا بقوى يهودية تبنت الخط الصهيوني، وتؤمن بالفكرة الصهيونية، وتسعى إلى تأكيد وجودها والترويج لفكرتها في أوساط الناس؟

هل يمكن إخفاء حقيقة أن الحزب الشيوعي هو الوحيد الذي قبل بقرار التقسيم من عام 1947؟ ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أن سياسة الحزب كانت منذ البداية تعمل على الوصول إلى لحظة إعلان قيام الكيان الإسرائيلي كثمرة للمشروع الصهيوني الاستيطاني الكولونيالي الذي أوهم الحزبُ الناسَ أنه ضده!

هل يمكن إخفاء حقيقة ولاء الحزب الشيوعي للقيادة المركزية في موسكو، تلك القيادة التي كانت أول من أعلنت اعترافها بالكيان الجديد؟ ما معنى هذا؟ وكيف يمكن تفسيره في العلوم السياسية وعلم التاريخ؟

هل يمكن إخفاء حقيقة أن الحزب الشيوعي عمل على تنظيم مليشيات مسلحة من العمال والفلاحين (قبل النكبة)، ولما صدر قرار التقسيم أصدر الحزب تعليماته لتلك المليشيات للاستعداد للدفاع عن قيام الدولة الإسرائيلية واستقلالها؟

هل يمكن إخفاء حقيقة أن سكرتير عام الحزب الشيوعي شموئيل ميكونيس شارك في مؤتمر لندن عام 1947 للأحزاب الشيوعية في الإمبراطورية البريطانية، وهناك طالب بالاعتراف بالحقوق القومية للاستيطان اليهودي في فلسطين من خلال إقامة دولة ثنائية القومية، كما طالب بالسماح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين؟

ما معنى الجملة التالية التي وردت في مقال لميكونيس في صحيفة “كول هعام” التي كان محررا لها (30/11/1947): “إن التحديات التي يواجهها الييشوف اليهودي توجب بذل جهد قومي شامل، وحشد كل قوة ممكنة لتحقيق الهدف التاريخي؛ وهو إقامة الدولة اليهودية. ولذلك يجب إقامة جبهة وطنية مكونة من الحزب الشيوعي وحزبَي “هشومير هتسعير” و”أحدوت هعفوداه – بوعلي تسيون” لكي تشكّل القاعدة المتينة التي تكون قادرة على حشد جميع القوى لخوض حرب إقامة الدولة اليهودية المستقلة”؟  كيف يمكن للفلسطيني أن يقرأ هذه الجملة، في وقت تزعم عايدة توما سليمان أنه لولا سياسات حزبها طوال سبعين سنة لكان هذا الفلسطيني اليوم وراء الحدود؟ بل كيف يقرأها الفلسطيني الموجود الآن وراء الحدود؟ هل يمكن إخفاء حقيقة أن ميكونيس شخصيا عمل، بعد “انتهاء” الحرب عام 1948، على إطلاق سراح الشيوعيين العرب (وفقط الشيوعيين العرب) الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي (عمليا العصابات الصهيونية)، كما عمل على إعادة عائلاتهم التي هُجّرت من بيوتها؟ وفي هذا القدر كفاية، وإن اقتضت الضرورة عُدنا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى