فورين بوليسي: حل الدولتين مات ولا يمكن إنقاذه
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مراجعة لكتاب للصحفية ديمي ريدر، قالت فيها إن حل الدولتين مات، وبقي دعاته -من صهاينة ليبراليين ودبلوماسيين أجانب بشكل أساسي- يتمسكون ببرنامج سياسي عفا عليه الزمن، تاركين المجال مفتوحا على مصراعيه لليمين واليمين المتطرف لتشكيل الواقع كما يتمنون.
يمكن أن يسير الوضع الراهن المتدهور بشكل مطرد بإحدى طريقتين: إما الضم مع حقوق مخفضة للفلسطينيين -بنظام فصل عنصري رسمي- أو الانحدار السريع إلى عنف مروع على نطاق لم نشهده منذ عام 1967 أو حتى عام 1948.
هذه القراءة القاتمة (لكن المقنعة للغاية) لواقع اليوم والاقتراح الجلي (لكن الأقل إقناعا) لمقاربة مستقبلية، يجسدها كتاب بعنوان “جمهورية حيفا: مستقبل ديمقراطي لإسرائيل” لعمري بوهم، – سمي على اسم المدينة التي تتمتع -في ذهن بوهم- بنوع من التعايش الفلسطيني-اليهودي الذي يرغب في رؤيته.
بافتراض وجود أي قيمة مستقبلية أو عملية في إحياء الصهيونية الليبرالية بعد أكثر من عقدين من الفشل الانتخابي المستمر في إسرائيل وزيادة الاستقطاب في مجتمعات الشتات، فإن هذا هو النص الصهيوني الليبرالي الأكثر صدقا وطموحا الذي يتم نشره منذ عقود.
إنه بالتأكيد مختلف جدا عن الكتاب المنشور عام 2014 لآري شافيت “أرضي الموعودة: انتصار ومأساة إسرائيل”، الذي يعترف بالنكبة بينما يؤيد بحماس مردودها. (“لولاهم”، كتب شافيت عن القوات الإسرائيلية التي أمرت ونفذت مذابح وطرد الفلسطينيين، “ما كنت قد ولدت. لقد قاموا بالعمل القذر والحقير الذي مكن شعبي، أنا وابنتي، وأولادي أن يعيشوا”).
يعيد بوهم النظر في اتفاق أوسلو وخطة الدولتين الفاشلة في التسعينيات، والتي لا تزال تحدد رؤية عدد من المراقبين الذين ينظرون إلى الصراع اليوم. وتتخلص الفصول الافتتاحية ببراعة وبسرعة من هذا المنظار المشوش.
إن قائمة الأمور التي كان بوهم محقا بها طويلة: إنه محق في أن حل الدولتين قد مات بالفعل، وأن التطهير العرقي الشامل ينتقل من حلم محموم إلى احتمال ملموس. إنه محق تماما في أن “معسكر السلام” ارتقى بمقاربة معينة -دولتين- إلى نوع من الدين وقوض نفسه برفضه استكشاف أي حل آخر، حتى مع تلاشي جدوى خطة الدولتين.
إنه محق في أن الصدمات التأسيسية للطائفتين -الهولوكوست والنكبة- يجب أن يواجهها كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، ليس لأن الحدثين متماثلان أو متطابقان ولكن لأن الصدمة التي أحدثها كلاهما على المجتمعين هي أساسية للغاية بالنسبة لاستمرار التأجيج، سواء عمدا أو عن طريق الجهل.
إنه محق في أنه لجعل أي ترتيب ثنائي القومية مقبولا للإسرائيليين، فإنه يجب أن يكون صهيونيا بشكل معقول بشكل ما، وما يمكن اعتباره اليوم ثنائية القومية له تاريخ طويل في الفكر الصهيوني، بدءا من تيودور هرتزل نفسه وصولا إلى مناحيم بيغن، أول رئيس وزراء صهيوني تجديدي وسلف اليمين الإسرائيلي الذي نعرفه اليوم -الذي اقترح منح الفلسطينيين الجنسية الكاملة في أواخر عام 1980.
يبالغ بوهم في تقدير الأهمية الحالية لهذه الطرق التي لم يتم السير فيها، وفي حالة بيغن، حسن النية التي حظيت بها. لكنه محق إلى حد كبير في أن تقديم نفس العرض للفلسطينيين اليوم لن يكون بداية لأن إسرائيل أصبحت محددة الآن. كدولة عرقية للشعب اليهودي، وليست دولة قومية يهودية بالمعنى الأوروبي. قد يصبح المهاجر الفلسطيني إلى إيطاليا إيطاليّا، لكن حتى الفلسطيني الذي يحمل جواز سفر إسرائيليا لن يصبح أبدا جزءا من المجموعة التي توجد من أجلها الدولة.. (أصبح هذا الأمر أكثر وضوحا مع إقرار “قانون الدولة القومية لليهود” عام 2018، الذي أعطى أولوية لطائفة على أخرى، ولكن من الناحية العملية، كان هذا هو الحال دائما).
في الواقع، كما يشير بوهم، فإن العديد من الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم يهود يتعرضون أيضا للاستبعاد أو التمييز ضدهم، بدءا من أطفال الزيجات المختلطة وأولئك الذين اعتنقوا اليهودية من خلال أي وسيلة أخرى غير الأرثوذكسية.
وتبدأ المشاكل الحقيقية للكتاب عندما يبدأ بوهم في إدراك الحل، بدءا من المعايير المحدودة التي يضعها. بدون الكثير من التفسير أو النظر في البدائل، ويبدو أنه يعتبر أن الصهيونية الليبرالية والديمقراطية الليبرالية مرغوب فيهما في حد ذاتهما ويجب التوفيق بينهما. وينشغل جزء كبير من الكتاب في إنقاذ الصهيونية الليبرالية من نفسها (من خلال تقديم رؤية متوافقة مع قيمها وتتجاوز حل الدولتين المنتهي صلاحيته) وإنقاذ الديمقراطية الليبرالية من القومية من خلال إنشاء نظامين ليبراليين متداخلين، تمنحان صوتا لكل شخص، كونفدرالية لديمقراطيتين.
لسوء الحظ، لا يسأل الكتاب عن ما إذا كانت الصهيونية الليبرالية، ربما، أصبحت قوة مستهلكة.. مع احتمالية تنفيذ التسويات الفعلية وبناء الدولة من قبل القوميين من المجتمعين، أو إن كانت الديمقراطية الليبرالية، ترقى فعلا إلى مستوى مهمة تحويل الصراع الإثني القومي المعقد -خاصة مع البدائل البراغماتية مثل تقاسم السلطة التوافقي التي لم يتم استكشافها بعد بجدية.
هناك نوعان من الإغفالات الأكثر أهمية في الكتاب، كلاهما صارخ ومثير للقلق. الأول هو استكشاف جاد للمجتمعين المتورطين في الصراع بالفعل، وماذا يريدان بالفعل. وبدلا من السؤال المتآلف حول ما هي النسبة (المتضائلة) من كل مجتمع يدعم حل الدولتين، يتجاهل بوهم كيف تشعر المجموعات الفرعية المختلفة التي تشكل المجتمعين الوطنيين بأن مصلحتها تكمن في الجوانب والآليات المختلفة للوضع الراهن -ماديا وسياسيا وثقافيا وحتى عاطفيا- وكذلك كيف يمكن إشراك كل هذه الاحتياجات لمنع المزيد من الفصل أو التطهير العرقي.
في الواقع، عدا عن فحص خطاب السياسي الفلسطيني والبرلماني الإسرائيلي أحمد طيبي الذي اعترف به بتداعيات الهولوكوست، فإن الأصوات الفلسطينية غائبة تماما عن الكتاب. ومع أن العنوان الفرعي للكتاب هو “مستقبل ديمقراطي لإسرائيل”، فإن هذا بالكاد يضفي الجاذبية على نظرته إلى مستقبل مشترك قائم على المساواة. وليس هناك أي استكشاف حول كيفية الانتصار أو حتى هزيمة اللاعبين الذين يعتبرهم بوهم معطلين. سواء كانوا المسلحين الفلسطينيين أو القوميين الإسرائيليين المتطرفين.
ستحتاج الترتيبات التي يرغبها بوهم إلى مفاوضات تتم بين قادة الوسط من معسكر الصهيوني الليبرالي الخلقي وشيء مثل منظمة التحرير الفلسطينية. وهذه مفارقة، نظرا إلى انتقاد بوهم للصهيونيين الليبراليين اليوم للتشبث بالماضي.
عيب أكثر خطورة لا يزال الفشل في إيراد سبب مقنع للإسرائيليين للتفكير في تغيير الوضع الراهن. فإسرائيل حاليا أكثر أمانا وأكثر استقرارا وأكثر ازدهارا من أي لحظة في تاريخها.
ليس هناك جيش يضايقها على الحدود، واحتواء إيران ناجح إلى حد كبير والقيادة العربية الخليجية تتخلى بسرعة عن القضية الفلسطينية تماما، وعلى عكس التحذيرات من أن العالم لن يوافق على احتلال عسكري دائم، فليس هناك أي ضغط خارجي مورس أو حتى درس من لاعب دولي له وزن (بل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد أثبتا بنجاح أن المجتمع الدولي لن يتم استفزازه من خلال انتهاكات للقانون الدولي حتى أكثر فظاعة من الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما لاحظه اليمين الإسرائيلي).
وتم إضعاف الحركات المسلحة الفلسطينية أو القضاء عليها، وحتى ترسانة الصواريخ لحركة حماس تستخدم للمزاحمة لتغيير الوضع الراهن شيئا بسيطا، ولا تغير اللعبة استراتيجيا. ولم تتمكن المنظمات الفلسطينية غير العنيفة للمقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات – أن تؤثر ولو بشكل بسيط على الهيمنة المريحة لإسرائيل. وينطبق الشيء نفسه على أوروبا وأمريكا.
يطلب بوهم التخلي عن هذه الهيمنة ولكن لا يعبر أبدا عن طريقة يمكن إكراه إسرائيل عليها لفعل ذلك. يبدو أن الدافع الوحيد الذي ينطوي عليه طلب بوهم من الإسرائيليين إصلاح آلة تعمل لصالحهم أصلا هو الدافع الأخلاقي -أزمة ضمير وطنية حول الظلم أو الخوف من المظالم الأسوأ القادمة.
إن اللامبالاة الإسرائيلية المتزايدة تجاه حياة الفلسطينيين تقلل من احتمال أن تتم هذه المحاسبة الأخلاقية. ولكن بوهم محق بأن النكبة الثانية قد تكون في الأفق، حيث إن رفضا جماعيا من الإسرائيليين لهذا ليس أكيدا. تقبل الجيل الأول من الإسرائيليين النكبة في وقتها، ثم دفنوها بهدوء. وقام الجيل الحالي بنبشها ودراستها كما هو في كتاب شافيت لإعادة تضمينها حتى في الروايات الوطنية الليبرالية باعتبارها مؤسفة إلى حد ما ولكنها ضرورية.
يعتقد بوهم أن على إسرائيل الاعتراف بالنكبة لنزع فتيل شحنة عاطفية هائلة. لكن هذا النهج النفعي –الوعد أنه بمجرد اعتراف إسرائيل بالنكبة وتضمينها في السردية الوطنية للدولة، يمكن إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن حقوقهم– ليس دعوة يمكن لأي إسرائيلي أن يطلقها. الاعتراف بالفعل هو بداية؛ أين تذهب من هناك يعتمد، أولا وقبل كل شيء (حتى لو لم يكن حصريا) على الناجين. أكثر من أي مكان آخر في الكتاب، أحادية الجانب هنا صادمة.
ويختتم الكتاب بحل بسيط، أخذ الكتاب اسمه منه. يتم رسم حيفا بسرعة كنموذج للتعايش، ولكن يعطى القليل من الاعتبار لحقيقة أن هذا التعايش لما يقرب من 90% وأقلية لا تصل إلى 10% -ديناميكية مختلفة إلى حد كبير مع حصص أقل بكثير للإسرائيليين اليهود ما يقرب من 50-50 التكافؤ في إسرائيل- فلسطين ككل. كما أنه لا ينظر في حقيقة أنه منذ عام 1948 وطرد الفلسطينيين، لم يكن لدى حيفا رئيس بلدية عربي، مع فروق اجتماعية اقتصادية كبيرة بين السكان من الطرفين.
يدعو بوهم إلى اتحاد كونفدرالي من حكومتين محليتين مع برلمانين منفصلين يحكمان أعضاء مجموعاتهم العرقية ومناطقهم الإقليمية مع السماح بحرية الحركة الكاملة. على عكس مجموعات مثل “الأرض للجميع”، التي تدافع بالمثل عن اتحاد كونفدرالي، لا يتصدى بوهم للقضايا اللوجستية العديدة التي يثيرها هذا الأمر، من القانون الجنائي والضرائب، وحتى الأسئلة الأعلى -مثل المساءلة عن العنف الذي تم ارتكابه أثناء النزاع.
لا يوجد تفصيل عندما يتعلق الأمر بالسبب الذي يجعل بعض المؤسسات بحاجة إلى المضاعفة (برلمانين) لكن البعض الآخر يظل مشتركا (المحكمة العليا)، وليس من الواضح كيف يُفترض أن تنبثق الهوية المشتركة -التي يذكرها- من نموذج متشابك يفصل بين بعض أهم المجالات حيث يمكن تشكيل الهويات السياسية، مثل العملية الانتخابية. ويشير إلى أن العديد من سيناريوهات الدولتين غامضة بالمثل، لكن هدم برنامج الدولتين فقط لتقديم حل نصف مخبوز ليس بالنتيجة المرضية -أو العملية.
كتاب بوهم يستحق القراءة وهو النص الصهيوني الأكثر وضوحا منذ سنوات عديدة. وربما عن غير قصد، فإنه يُظهر أن تحقيق المساواة والسيادة الوطنية مع محاولة تجاوز كل من القومية العرقية والديمقراطية الليبرالية هو مهمة غير ممكنة، بغض النظر عن طريقة إعادة ترتيب الأوراق. لكنه ليست جريئا بما يكفي لتغيير اللعبة بالكامل.