أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (97): يا إبراهيمُ قد ضيّعتَ الرؤية نعم، فقد نضح الإناء بما فيه! قصة المؤتمر العام… كلاكيت ثالث مرة..

حامد اغبارية

1-حتى نفهم المشهد المحزن؟

ما الذي أصاب الإسلاميين ليدخلوا في هذه الدائرة من المواجهة فيما بينهم وقد تركوا الساحة للعلمانيين والشيوعيين؟؟ هذا لسان حال الجالسين على الجدار، المتسكعين على هامش القضية، الذين يظنون أن الأفضل هو ترك الأمور تسير كما تسير، وكلٌّ معلق بعُرقوبه!

لو كانت المسألة هكذا لما بعث الله الأنبياء والرسل، ولما أنزل الكتب، ولترك كل مخلوق يتصرف كما يشاء على هواه وهو يحاسبه يوم القيامة! لكنها ليست كذلك. بل إن الواجب هو أن يتصدى من لديه ذرة من حرص على سلامة المشروع لبيان الحق الذي ضيعه البعض وخلط أوراقه حتى التبس الأمر على الناس.

وفي تاريخنا الإسلامي مشاهد كثيرة شبيهة بما ترونه اليوم وتتابعونه. ولا بأس في ذلك وليس فيه أية خطورة لا على الإسلام ولا على أهله ولا على المشروع، طالما أن الهدف هو إظهار الحق وإزهاق الباطل ومنافحته. وهذا لا يعني أن تترك أعداء الإسلام وشأنهم يكيدون له ويخططون لتدميره. فهاتان قضيتان متوازيتان. فأن تحافظ على سلامة المنهج من الداخل يمنحك القوة والصلابة لمواجهة الأعداء من الخارج. وما يحدث اليوم هو دفاع عن سلامة المنهج وبيان الطريق القويم للناس، فهو ليس صراعا على منصب أو جاه، أو سعي لكسب الأصوات وحشد للمؤيدين. فهذه مسائل ليس لها اعتبار وهي من وراء ظهورنا. لكن كيف تسكت عما تراه منكرا وأنت مأمور بإنكاره، خاصة وأنه منكر عليه ألف دليل ويستغله أعداء الإسلام وأعداء شعبنا لتسويق أجنداتهم؟!

لو أن شخصا واحدا من أعداء الإسلام مدح موقفا لي وأثنى عليه لكان حريا بي أن أفحص موقفي وأتوقف طويلا بحثا عن الخطأ الذي ارتكبته إلى درجة أنه دفع عدوا لله كي يمدحه. فكيف إذا كان هذا المديح والثناء من أكثر من شخص، وأكثر من حزب وأكثر من جهة، كلها تقف في الخندق الذي نعلم جميعا عداءه لدين الله ولأهل هذا الدين وللشعب الفلسطيني ولكل مجتمعنا في الداخل؟ وكيف وأنت ترى التصفيق الحار من جمهور لا علاقة لنا به، لتصريحات بائسة لو مُزجت بمياه الأرض كلها لعكّرتها؟

يجب ألا نخشى وألا نخاف على المشروع الإسلامي من هذا النقاش، رغم حدّته وقسوته أحيانا. ويجب ألا نتردد في قول ما نراه حقا عندما يقتضي الأمر ذلك. فهو نقاش مشروع وضروري وصحي ومطلوب، بل هو واجب، لأن تركه سيُدخل الناس في حالة من الضياع وسوء الفهم والالتباس. والناس ليسوا قطيعا يساق، ومن الواجب إفهامهم وتوعيتهم وتبيان الحقائق أمامهم.

أما من قد يقول إن الإسلاميين ينهش بعضهم لحم بعض ويتركون العلمانيين والشيوعيين وغيرهم، فأنصحهم بمراجعة كل الأرشيفات؛ ففيها الكثير مما قد يصدمهم ويُنعش ذاكرتهم. فلا تكونن الذاكرة قصيرة كذاكرة السمك والعقول كمُخ الجرادة والغباء كغباء الفراشة، وكأننا نعيش الحدث لحظة وقوعه فقط، حتى إذا صدَمَنا حدثٌ جديدٌ نسينا ما قبله.

 

2- يا إبراهيمُ قد ضيّعتَ الرؤية

وإنك لتجد نفسك تأسف أسفا شديدا وتحزن حزنا أشد منه لأنك مضطر أن تدخل فيما لا تُحب سعيا إلى وقف ما تكرهه. وإني والله كنت أتمنى على الذين حرفوا البوصلة وضيّعوا رؤية المشروع الإسلامي وضيّعوا معهم الكثيرين لو أنهم عادوا إلى الحق وتركوا ما هم فيه إلى ما هو خير وأبقى وأنقى وأطهر.

أما وإنهم يصرون على السقوط في الهاوية فإن الواجب ألا تترك الناس في هذه الحالة من اختلاط الأفهام والأوراق.

ما إن قال الشيخ حماد أبو دعابس؛ رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية (في مقابلة له مع قناة إحنا تي في قبل أيام) إن الإناء بما فيه ينضح، قاصدا (الشيخ كمال خطيب وغيره- كما قال) حتى نضح إناء عضو الكنيست السابق ورئيس الجنوبية السابق إبراهيم عبدالله بأسوأ ما يمكن أن يتصوره عقل سليم، حتى كأنك تقول في نفسك: لقد جُنَّ الرجل! لكنه في الحقيقة لم يُجَنّ وإنما هي المواقف تكشف مكنونات الصدور.

ورغم أن الشيخ إبراهيم قد حذف تلك المقالة السيئة المسيئة من صفحته على “فيسبوك” إلا أن ما ورد فيها لا يجوز السكوت عليه والمرور عليه مر الكرام، فقد قرأها كل الناس، وألحقت إساءة وأذًى كبيرين، إضافة إلى أن هذه ليست أولى “غزوات” الرجل وتهجماته الشخصية على الشيخ كمال، ليس لأن اسمه كمال حسين خطيب، وإنما لما يمثله وما يحمله وما يقوله دون نفاق أو تغرير أو مجاملة، كما أن المسألة ليست شخصية، لا فيما يتعلق بالشيخ إبراهيم ولا فيما يتعلق بالشيخ كمال، إنما المسألة مسألة مصير مشروع.

ولو أن الشيخ إبراهيم عبدالله ناقش بموضوعية وأدب ما قاله الشيخ كمال خطيب بخصوص الموقف من الحركة الإسلامية الجنوبية والقائمة الموحدة والمرحوم الشيخ عبدالله والدكتور منصور عباس على قناة “احنا تي في”، ولو أنه دافع عن حركته ومواقفها باحترام، ودحض الحجة بالحجة لقلنا إن الرجل يقدم حجته، ولنترك الجمهور يحكم بنفسه، فجمهورنا في الداخل ذكي وواع ومسيّس ويعرف من أين تؤكل الكتف..

أمّا أن يصل الأمر إلى الهبوط إلى هذا الحضيض من استخدام ألفاظ ونعوت مثل: كاذب ومُفترٍ ودجال ومضلل وأخطر من اليمين الصهيوني ويحتاج إلى علاج نفسي وأفاك وفاسد النفس وعفن الطوية، فإن المسألة تنم عن حقد دفين وصدر امتلأ بالضغينة. وهذا مما يؤسف له فعلا، وفي نفس الوقت يثير الشفقة، وهذا هو الذي يحتاج إلى علاج.

فالعاجز عن مناقشة الحجة بالحجة يلجأ عادة إلى السباب وكيل الأوصاف المهينة، وهذا إنما يدل على توتر نفسي شديد وانحشار في الزاوية وقلة بضاعة، هذا إن وُجدت أصلا.

أنا كإعلامي تابعتُ سياسة الشيخ عبدالله نمر درويش منذ مطلع التسعينات أستطيع أن أؤكد أنه مسؤول عن التنظير لكل هذه التنازلات، وكانت لي مقابلات عدّة مع الشيخ رحمه الله حول هذه القضية، وفي أرشيف الإعلام المحلي والعبري ما يثبت ذلك، ولا يستطيع أحد أن ينفيه. وإن شاء الإخوة أتيتهم به.

لم يقل الشيخ كمال في تلك المقابلة ولا في غيرها ولا قبلها ولا بعدها أنه هو فقط من يملك الحقيقة، كما لم يقل إنه الممثل الشرعي الوحيد لهذه الحقيقة. هو فقط قال الحقيقة التي يؤمن بها، ودافع عنها، ومن حقه ذلك، ممثلا لأكبر شريحة في الداخل الفلسطيني. ومن لديه ما ينقض هذه الحقيقة فليقدمه للجمهور دون تطاول ودون إساءات.

وإن بيان الحق كما يراه ويؤمن به الشيخ كمال (وأنا كذلك وغيري آلاف مؤلفة) ليس فجورا في الخصومة، فهي ليست خصومة شخصية مع فرد هنا أو هناك، وإنما تبيان لسوء الطريق الذي تسير فيه القائمة الموحدة والتنظيم الذي يقف وراءها. فلماذا تريدون من الناس السكوت على ذلك؟! وطالما أن الحديث عن “فجور في الخصومة”، فليقل لنا الشيخ إبراهيم في أية خانة يضع ما نضح به إناؤه، مما نربأ بأنفسنا أن نصف به عدوا منصفا.

ثم لو كانت المسألة مسألة زلات وأخطاء لأمكن تجاوزها. لكنها نهج سيء وتوجه خطير وهدّامٌ تسيرون فيه. أولستَ- يا شيخ إبراهيم- مأمورا بنصّ الكتاب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لماذا يصبح هذا في نظركم بحثا (بالميكروسكوب) عن أخطاء وزلات؟ وما حاجة الناس إلى المجهر والنهج الذي تسيرون فيه أضخم من الجبال يراه الصغير قبل الكبير، ويراه الأعمى قبل البصير؟

أمّا شر البلية فهو الادعاء أن هناك من نصّب نفسه قاضيا بيده مفاتيح الجنة.. الخ من هذه “الخربطات” التي تدل على أن الرجل لا يملك من الحجج إلا السباب!!

وإن مَن يدعو الناس إلى قول الله تعالى (ولا تنسوْا الفضل بينكم)، عليه ألا ينسى أن الآية تشمله كذلك، ولكن يبدو أن الشيخ إبراهيم نسي فعلا، ففاض منه ما فاض… ولا حول ولا قوة إلا بالله… أفلا نقول بعد هذا كله إن عضو الكنيست السابق ورئيس الجنوبية السابق (كما يحب أن يوقع على مقالاته) إنه قد ضيّع بأسلوبه هذا وبالطريق الذي سار فيه تنظيمه رؤية المشروع الإسلامي، وحرف بوصلته عن جادة الحقّ؟

 

3-خربطات أبي يحيى

في مقابلة له مع قناة “احنا تي في” بذل عضو الكنيست السابق عبد المالك دهامشة كل وسيلة للطعن في موقف الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال خطيب، فكان ما قاله بمثابة “بومرينغ”. فكل ما قاله ليس فقط “خربطات” بل أكثر من ذلك.

أولا: زعم السيد دهامشة أن الانشقاق لم يكن “من تحت راس الكنيست”. وهذا كلام باطل. فانتخابات الكنيست كانت هي السبب الرئيس في الانشقاق، وإن لم تكن هي السبب الوحيد. ولو لم يكن الأمر كذلك لما عُقد المؤتمر العام ثلاث مرات. وبيان “نداء الحق” الذي صدر بتاريخ 29/3/1996 يوضح هذه المسألة بما لا يدع مجالا للشك. وإن كان السيد دهامشة قد اعتمد على ذلك البيان ليدعّم ما يقول فإنه – لمن أراد مراجعة البيان- في الحقيقة حجّة عليه لا له.

ثانيا: أمّا قصة التفاوض مع أحمد الطيبي والدعوة للتصويت لبيرس فقد ورد ذكرهما في البيان كسببين مباشرين آخرين – وليسا الوحيدين- سرّعا في اتخاذ تلك الخطوة. وقارئ العربية المتمكن منها لا يخفى عليه الأمر، أما من وضع عصابة على عينيه ظانا أن أحدا لا يراهُ فهذه مشكلته ومشكلة من يصدّق ما يقول.

ثالثا: تساءل السيد دهامشة بخصوص الموقف من الدعوة للتصويت لشمعون بيرس قائلا: طيب لمين يصوت العرب؟! وهذا يعني- في نظره- أن العرب ليس لهم خيار إلا أن يصوّتوا مبدئيا، ولذلك لا بدّ أن يصوتوا لأحد المرشحين، وهو شمعون بيرس!! وهذا اعتراف منه بالدعوة للتصويت لذلك المجرم الذي لم تمض سوى أشهر على مجزرة قانا التي نفذت بأمر منه. هذا في الوقت الذي حاول السيد دهامشة أن يوهم المشاهد أن ذلك التصريح الإذاعي الذي ذكره بيان “نداء الحق” (قد يُفهم منه…!!) أنه دعوة للتصويت لبيرس، وكأن الذين أصدروا البيان لم يفهموا التصريح بشكل صحيح. فهل فُهم أنه دعوة للتصويت لبيرس أم لم يُفهم؟؟؟!! إن المآذن المساجد تشهد على ذلك.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثم من قال إن العرب ليس لهم خيار إلا التصويت للكنيست، وكأن هذا هو غاية ما يحلمون به ويسعون إليه؟؟؟ وكيف حال مجتمعنا اليوم مع التصويت للكنيست؟؟؟

رابعا: زعم السيد دهامشة أن الحركة الإسلامية (كلها) أقرت دخول الكنيست بضغط لمؤتمر عام من الشيخ كمال. وهذه محاولة لإيهام المشاهد بأن المسؤولية تقع على الشيخ كمال. وفي الحقيقة هذا أمر مضحك للغاية!! أكثر مما يضحك الحديث عن الذين كانوا في الابتدائية وفي الصف التاسع يوم أسس الشيخ عبدالله الحركة، وكأن القضية قضية أعمار، وكأنها ليست قضية أن العبرة فيمن صدق لا فيمن سبق! فهل يجرؤ السيد دهامشة أن يقول للجمهور ما الذي دفع إلى عقد المؤتمر العام مرة أخرى؟ أيجرؤ على قول الحق ويتحدث عن التلاعب الذي كان؟ هل يملك الشجاعة ليقول للجمهور كيف أن هناك من حاولوا إقناع أعضاء في المؤتمر العام بأن الشيخين صلاح وخطيب يسيران في خط حركة حماس، في محاولة لتخويفهم ثم دفعهم دفعا للتصويت لصالح دخول الكنيست، على الرغم من أن المؤتمر الأول عام 1995 قرر بوضوح أن الحركة الإسلامية لن تخوض انتخابات الكنيست. أيستطيع السيد دهامشة أن يفسر لنا لماذا دعا الشيخ عبدالله إلى مؤتمر ثان استُثني من حضوره كثيرون؟ هل مات شمعون بيرس ومعه أسرار تلك الحقبة، أم أن أرواقا ستظهر ذات يوم تقول أشياء كثيرة؟ ولماذا ولأي شيء دعا الشيخان صلاح وخطيب لعقد المؤتمر العام مرة ثالثة (وليست ثانية كما قد يتوهم البعض)؟ الجواب عند الذين في أيديهم محاضر الجلسات. فليعرضوها على الجمهور إذًا، وليتركوه يحكم بنفسه.

ختاما، يبدو أنه قد حان الوقت لفتح هذا الملف على مصراعيه…. وإن لم يحدث اليوم فلا بد أن تأتي لحظة يقال فيها كل شيء، لله ثم للتاريخ. وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى