أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

 معركة الوعي (96): السقوط في هاوية المشروع الصهيوني… مواقف منصور عباس- نهج شخصي أم نهج تنظيمي؟

حامد اغبارية

حتى نفهم البُعد النفسي لنهج عضو الكنيست الإسرائيلي، رئيس القائمة الموحدة منصور عباس، والطريق الذي يسير فيه، ومِنْ خلفه التنظيم الذي ينتمي إليه بكل هيئاته، سأروي واقعة كنا نحن الاثنين طرفين فيها، وهي واقعة ما كنتُ لأذكرها هنا لولا أن الرجل قد تجاوز في مواقفه وتصريحاته كل الخطوط الحمراء.

كان ذلك عام 2007 أو 2008 (لا أذكر السنة بالتحديد) عندما استُدعيت لحضور إحدى جلسات مفاوضات الوحدة بين شقي الحركة الإسلامية، وكُلّفت بتسجيل محضر الجلسة التي عُقدت في مكتب الجنوبية في الناصرة. وكانت الجلسة عبارة عن تركيز نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف بين الطرفين، في محاولة لحصر نقاط الخلاف على أمل العمل على تضييقها وحلّ إشكالاتها في جلسات قادمة. وانتهت الجلسة، وطُلب مني أن أطبع المحضر الذي سجلته يدويا وإرساله إلى الطرفين لاحقا، وعندها قال منصور عباس، الذي كان يرأس وفد الجنوبية في تلك الجلسة: وما يدريني أن الأخ حامد سيغير في المحضر ويبدل؟

انتفضتُ من شدة الغضب لتشكيك الرجل في ذمة إخوانه وفيّ شخصيا! كيف يمكن أن يفكر هذا الرجل بهذه الطريقة؟ أهذه هي الثقة التي زرعتها التربية في أبناء المشروع الإسلامي؟ كيف يمكن تحقيق الوحدة بين شقي الحركة مع هذا المستوى من التفكير والتعامل وسوء الظن؟ وشعرت لحظتها بإهانة كبيرة، وكدت أردّها للرجل صاعين، لولا أن رئيس وفدنا أمسك بيدي من تحت الطاولة وهمس قائلا: لا تنس من أنت وما تمثل ومن تمثل…! ثم ردّ على منصور عباس كما يجب أن يكون الرد، وغادرنا المكان بغيظ مكظوم.

الشاهد في هذه الحادثة أن نفسية بهذا المستوى تجعلك تستنبط الإجابات على كل التساؤلات التي رددها الشارع (البعيد عن خفايا المشهد) طوال أكثر من ربع قرن. ولم تكن هذه النفسية خاصة بمنصور عباس وحده دون سائر قيادات الجنوبية.

ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذي شهدته جلسات مفاوضات الوحدة، التي كان آخرها عام 2015، قبل الحظر ببضعة أشهر. ولعلنا جميعا نتذكر كيف أن المفاوضات وصلت يومها مرحلة النهايات ولم يبق إلا وضع اللمسات الأخيرة ثم التوقيع والانطلاق، وفجأة توقفت بعد أن (اختفى) وفد الجنوبية مباشرة بعد قرار حكومة نتنياهو حل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات في شهر آذار من تلك السنة. وقد قيل يومها الكثير حول “فرار” الجنوبية من مفاوضات الوحدة وأنها فضّلت خوض انتخابات الكنيست (ضمن القائمة المشتركة كما حدث لاحقا)، على مواصلة جهود إعادة اللُّحمة للحركة الإسلامية، وذلك رغم أن الجنوبية كانت قد أعلنت في أكثر من موقف وتصريح أنه إذا كانت المشاركة في الكنيست تشكل عائقا أمام الوحدة فإنها مستعدة للتنازل عن الكنيست. فهل كان حل الكنيست وتحديد موعد جديد لانتخابات الكنيست الـ 20 هو السبب الوحيد لانسحاب الجنوبية من مفاوضات الوحدة، بمعنى أنها ضعفت أمام إغراء الكنيست فحسب، أم كان هناك سبب آخر أكبر وأهم وأخطر نرى نتائجه اليوم؟ هذه القضية ما تزال بين قوسين حتى تصل القرائن إلى مرتبة الدليل القاطع، وعندها سيعرف الجمهور ما الذي حدث بالضبط!

بهذه النفسية يمارس منصور عباس “تجديد الخطاب” الذي هو في الحقيقة نسخة نسخ لصق عن منهج الشيخ عبدالله نمر درويش رحمه الله صاحب “نظرية” تسييج الحركة الإسلامية وحمايتها من الاستهداف. وبهذه النفسية تقرأ كل تصريحات ومواقف منصور عباس التي كان آخرها التصريح البائس هذا الأسبوع من أن (دولة إسرائيل ولدت يهودية وستبقى كذلك)!!

إن النهج الذي جعل شمعون بيرس والراف فرومان شريكين في الطريق هو ذات النهج الذي جعل الراف ملكيئور قدوة ومثلا أعلى، وجعل نتنياهو في مرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة، ثم بينيت ولبيد وشاكيد وليبرمان وغانتس شركاء ليس في الطريق وحسب وإنما في ترسيخ “تجديد الخطاب” بهذه الصورة التي أنشأت “إسلاما إسرائيليا” كانت المؤسسة الإسرائيلية تسعى إلى تشكيله على عينها، على الأقل منذ تأسيس الحركة الإسلامية في الثمانينات.

وإن شئت راجع تصريحات عضو الكنيست وليد طه عن إمكانية الشراكة مع الليكود والدخول في ائتلاف معه، وراجع تصريحات الشيخ رائد بدير حول كون المشاركة في التصويت لانتخابات الكنيست واجبا شرعيا، وتصريحاته في لقاء متلفز مع الراف ملكيئور حول الشراكة في الطريق. والجعبة مليئة بمثل هذه المواقف التي تصب كلها في قاع واحد.

وبمناسبة (الواجب الشرعي): فإن من مقتضيات التزام الواجب الشرعي نيل الثواب من الله تعالى. فهل المشاركة في التصويت تحقق هذا المقتضى؟ وبماذا تختلف هذه الفتوى مثلا عن فتوى الراف عوفاديا يوسيف الذي أمر أنصاره بضرورة التصويت لحزب “شاس” لأن الذي يصوت له يدخل الجنة (دوز دوغري) بلا حساب ولا عقاب!!

وإن النهج الذي دفع الجنوبية إلى تبنّي خطاب “أوسلو” بكل مساوئه وأخطاره وكوارثه وتعارضه الواضح (والفاضح) مع مشروع الصحوة الإسلامية ومع فهم هذا المشروع للقضية ورؤيتها للصراع، هو ذات النهج الذي دفع منصور عباس، ممثلا لتنظيمه، للاعتراف بيهودية الدولة، ناسفا بذلك كل الرؤية، وضاربا عرض الحائط بموقف مجتمعه وشعبه وأمته من هذه القضية الخطيرة. أليس هذا من ثمار الطريق الذي حفره الشيخ عبدالله رحمه الله؟ النهايات تؤكد البدايات…

وهل كانت هذه هي القنبلة الأخيرة التي فجّرها منصور عباس من خلال تصريحه الأخير ذاك، وقبله قنبلة التصريح حول المستوطنين والتفريق بينهم؟ ظني أن هناك قنابل أثقل وزنا في الطريق، إلا أن يخرج من داخل التنظيم صوت آخر مختلف يوقف هذه المهزلة! لكنني أشك في أن يحدث في التنظيم أي تغيير في المدى المنظور، خاصة وأن انتخابات رئيس الحركة استقرت على شخصين يؤمنان بذات النهج أكثر من منصور عباس. فما هو خط النهاية الذي سيصلون إليه؟

القضية، إذًا، ليست قضية منصور عباس الشخص، وإنما هي قضية تنظيم بأكمله اختار السير في طريق نهاياته معروفة وإن حاول تزيينها بالفتات الذي يسعى خلفه لاهثا، ولن يناله منه شيء، وإن نال منه فإن الثمن أكبر بكثير لأن القضية أكبر بكثير وأشرف بكثير من مجرد بضعة مليارات ما تزال حتى الآن مجرد وعود، حبرا على ورق، وأتخيل أنها ستبقى كذلك. وإن حدث وحصلوا على كل تلك المليارات حتى آخر مليم، فإن التاريخ سيسجلها على أنها مليارات ملوثة حتى آخر مليم…

سيسأل من يسأل: وماذا مع المشتركة؟ لماذا تتركها وتركز على الموحدة؟

أولا: ما ينسحب على الموحدة ينسحب بحذافيره وأكثر على المشتركة. فالمشتركة تحمل كل آثام الأسرلة والغوص في مستنقع المشروع الصهيوني حتى الأذنين، وهي التي فتحت كل الأبواب على وسعها.

ثانيا: ما يهمني أكثر هو المشروع الإسلامي الذي أؤمن به حتى النخاع، وإنّ أكبر ضرر وأذًى وخلط للأوراق وتدليس يلحق به هو الذي يأتي من أبنائه أو المنتسبين إليه. فهؤلاء عندما يسيرون في الطريق الذي اختاروه فهم يفعلون ذلك وكأنهم يتحدثون باسمي، وهذا خطير. أما المشتركة وأحزابها فطريقها وأجندتها ونهجها وعقيدتها وأفكارها معروفة لديّ، وقد خاطبناها وسنواصل مخاطبتها بما يلزم كمسؤولة أولى عن حرف بوصلة هذا المجتمع، مواصلة ذات النهج الذي بدأ منذ 1948، وتوجيهها إلى مربعات قاتلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى